مصر واليونسكو.. هل تفوز هذه المرة.. أم تصير (عُقْدَةً) من الفشل؟

 

قبل أيام، أعلن رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، ترشيح مصر لوزير الآثار والسياحة السابق خالد العناني لمنصب مدير عام منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) للفترة من عام 2025 حتى 2029.

إعلان هذا الترشيح جاء مبكرًا، فالانتخابات ستجري نهاية 2025، وربما لذلك هدفان، الأول: منح العناني فرصة كافية للاستعداد للمعركة الانتخابية، وهي ليست سهلة، وليست مجاملة لأحد أو دولة، خاصة إذا كانت هذه الدولة تنتمي لعالم الجنوب، كما أن لها حسابات دولية متشابكة يتداخل فيها ماهو حضاري وثقافي وتراثي وعلمي بما هو سياسي وحقوقي وما يتعلق بالحريات والرقابة والقيود على التفكير والإبداع في بلد المرشح.

والهدف الثاني: قد يكون قطع الطريق على دفع أي بلد عربي آخر بمرشح له لتكون القاهرة استبقت وأعلنت قرارها في المنافسة للمرة الثالثة على هذا المنصب، أو يكون العناني هو المصري الرابع فيمن خاضوا انتخابات اليونسكو خلال ربع قرن.

إخفاق 3 مصريين

مصر لم تُوفق في الفوز بالمنصب الذي نافست عليه رسمياً مرتين في غضون 8 سنوات، قدمت خلالهما مرشحين، كما لم يُوفق مرشح مصري تقدم بشكل شخصي، ونال ترشيحًا رسميًا من دولة أفريقية، فما القصة هنا؟
نُذّكِر أولاً بالوقائع، ففي انتخابات مدير عام اليونسكو عام 2017، فشلت مرشحة مصر السفيرة مشيرة خطاب في الفوز، وكان سبقها على نفس طريق الفشل وزير الثقافة فاروق حسني في عهد مبارك في انتخابات 2009.

وفي عام 1999 رشح المصري إسماعيل سراج الدين نائب رئيس البنك الدولي حينئذ نفسه، وهو معماري مهتم بالفكر والتربية والثقافة، وحصل على دعم شخصيات فائزة بجائزة نوبل ومعهم مفكرون ومثقفون وكتاب وشخصيات عالمية مرموقة، ورشحته رسمياً دولة بوركينا فاسو، لكنه خسر بنتيجة غير مرضية.

مشكلة مصرية وعربية

هل هناك مشكلة مصرية تعوق فوزها باليونسكو؟

نعم، هناك مشكلة مصرية وعربية أيضاً، هناك الحالة المصرية: ثقافية وفكرية وسياسية، ومجمل الأوضاع العامة في الداخل، وطبيعة ونمط الإدارة، ومدى اقتناع العالم الحر بجدارتها لنيل منصب جوهره الحرية؛ حرية العقل والتفكير والبحث والإبداع.

والمشكلة العربية، وهي تشرذمهم، تُفاقم أزمة العرب في استحقاقهم للمواقع والمناصب الدولية، وهم جديرون بها، مثلما أن مصر جديرة أيضاً بأن يكون لها دور ووجود دولي يتناسب مع قيمتها وتاريخها، فكيف نفسر ذلك؟

قبل أيام كنت أقرأ ما ورد في جلسة مباحثات بين عبد الناصر والملك حسين خلال زيارة قام بها العاهل الأردني للقاهرة عام 1968، ووجدت عبد الناصر يشتكي للملك من غياب التفاهم والتنسيق العربي، وتعجبت أنه بعد هزيمة كبيرة وخطيرة للعرب في 67، فإنهم مشتتون، وهم لا يزالون كذلك حتى اليوم!

القصيبي وسراج الدين

آفة التشرذم العربي تظهر دوماً في اليونسكو، ففي عام 1999، نافس المصري إسماعيل سراج الدين شقيقه السعودي غازي القصيبي، وسقط الاثنان، وذهب المنصب للياباني كوشيرو ماتسورا، وعلى مستوى الجدارة فإن القصيبي، أو سراج الدين، كانا أفضل من الياباني كثيرًا، إذا كان واحد منهما فقط هو المرشح العربي.

القصيبي كان المرشح العربي الرسمي، وأيدته مصر، وتخلت عن مواطنها سراج الدين، ثم قيل بعد فشل الاثنين إن القاهرة لم تصوت للقصيبي، الشاعر والكاتب والمفكر والدبلوماسي والوزير السعودي، وهو أحد العلامات المضيئة للثقافة في المملكة.

فاروق حسني

عام 2009، وضعت مصر ثقلها وراء وزير ثقافتها فاروق حسني، ومبارك كان يروج له بنفسه، وترشح أمامه جزائري، هو أستاذ القانون الدولي محمد بجاوي الذي خرج من المنافسة سريعًا، وحسني نافس بقوة وكان الأقرب للفوز لولا أن مشكلته كانت تتعلق بتصريحات سابقة له هدد فيها بحرق كتب إسرائيلية، إذا وجدها بمكتبات وزارة الثقافة. كما اعتبر الثقافة الإسرائيلية غير إنسانية، ورغم اعتذاراته وتنازلاته المهينة لينال رضا إسرائيل واللوبيات اليهودية والمنظمات الصهيونية فإن أمريكا وألمانيا وقفت ضده وخسر في الجولة الأخيرة بعد أن ظل متقدماً على كل منافسيه، والغرب جعل مرشحة بلغاريا إيرينا بوكوفا تفوز، رغم أن فرصها كانت ضئيلة.

لكن سلبيات تتعلق بشخص فاروق حسني نفسه حيث كان يُواجه بالنقد والرفض من قطاعات بمجتمع المثقفين بمصر بسبب سياساته في إدارة الوزارة، وتحويل الثقافة لأداة في خدمة السلطة، بجانب أن العالم الحر لا يستسيغ وجود وزير في منصبه 20 عامًا.

فرصة الكواري

وفي 2017، كان الانقسام والكيد العربي خطيرًا، قطر كانت أعلنت مبكراً ترشيح د. حمد بن عبد العزيز الكواري لقيادة اليونسكو، وهو وجه متميز للفكر والثقافة القطرية والعربية، ونال دعم مجلس التعاون الخليجي والعواصم العربية، لكن القاهرة رشحت السفيرة مشيرة خطاب، وموظفة لبنانية باليونسكو ترشحت أيضاً، ليكون هناك ثلاثة عرباً ضد بعضهم بعضاً، والنتيجة أنهم خرجوا لصالح الفرنسية أودري أزولاي التي كان فوزها مستبعدًا، وهي يهودية، ابنة أندريه أزولاي، مستشار ملك المغرب.

الكواري تقدم في التصويت بفارق كبير عن كل المرشحين، وفي الجولة الخامسة الحاسمة، وكان هو المُستحق للفوز، جرت ألعاب الكواليس لسحب صوتين منه، وإنجاح الفرنسية، ليهلل عربي ضد عربي في مشهد مؤلم.

الأزمة السياسة حينئذ أفقدت الأمة فرصة فوز الكواري، ليكون أول عربي يدير اليونسكو.

العناني والفوز

ليس التاريخ والحضارة القديمة والتراث والشواهد الأثرية والنخبة من أهل الفكر والثقافة والأدب والإبداع وحدهم هم رصيد خالد العناني في معركة يونسكو 2025، الأهم هو واقع وحاضر مصر، وصورتها أمام العالم، وسياساتها، وقيم الحريات والحقوق والمساواة فيها، والتعليم والعلم وحرية التفكير والبحث العلمي، هو المشهد العام بمجمله، بجانب مؤهلات وكفاءة وبرنامج واسم المرشح.

نتمنى الفوز هذه المرة، فلا نود فشلًا جديدًا، حتى لا يصير اليونسكو عُقْدَةً بلا حل.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان