خريطة الأحزاب التركية في الانتخابات

الطاولة السداسية تهدي العدالة والتنمية نصرا مبكرا

أردوغان

مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية المنتظرة، زادت تحركات المعارضة التركية، التي تسعى بكل ما أوتيت من قوة إلى الانتصار على تحالف الشعب، الذي طال انتظاره لمدة عشرين عامًا كاملين فشلت فيها المحاولات كافة التي بذلت من أجل إزاحة حزب العدالة والتنمية عن السلطة في البلاد.

إلا أن النتائج دومًا كانت تأتي عكس ما تمنته وعملت من أجله، ولهذا فإنها تعد أن هذه الانتخابات حاسمة بالنسبة لها، وأن أي إخفاق جديد لها أمام العدالة والتنمية سيعني إعلان موتها جماهيريًا بصورة رسمية، ولهذا السبب تحديدًا كان تحالفها الذي يحمل اسم الطاولة السداسية، ومحاولاتها ضم أحزاب أخرى إليه، حتى تتوحد صفوف المعارضة جميعًا لمواجهة العدالة والتنمية.

تحركات أحزاب المعارضة بقيادة حزب الشعب الجمهوري الذي يقود المعارضة داخل البرلمان، شابها الكثير من الأخطاء والخطايا، التي صبت في نهاية المطاف في صالح تحالف حزب الشعب الذي يضم كلًا من العدالة والتنمية، والحركة القومية، والوحدة الكبرى، والرفاه الجديد، ورفعت أسهمه في استطلاعات الرأي التي أجرتها بعض المراكز البحثية الحيادية خلال الفترة الماضية، وذلك خلافًا لما يتم تداوله في وسائل إعلام المعارضة.

تأثير رفض المحافظين والإسلاميين التحالف مع العلمانيين واليساريين

وبعيدًا عن الصور المتداولة لمرشح الطاولة السداسية في السباق الرئاسي وعدد من أعضاء حزبه، وهم يقفون بأحذيتهم على سجادة الصلاة، فإن من أبرز الأخطاء التي وقعت وأثارت الكثير من الدهشة والاستنكار بين أوساط المحافظين والإسلاميين، قبول حزبي المستقبل بقيادة أحمد داوود أوغلو، والتقدم والديمقراطية بقيادة على باباجان، المصنفان كأحزاب إسلامية محافظة، دخول الانتخابات البرلمانية على قوائم حزب الشعب الجمهوري الذي يمثل يسار الوسط والعلمانيين، عوضًا عن الدخول في قوائم خاصة بهم، أو على الأقل في بعض الدوائر كما فعل حزب الجيد، الذي فضّل الدخول بقائمة منفردة في أغلب الدوائر عدا تسع دوائر فقط تحالف فيهم مع الشعب الديمقراطي.

وهي الخطوة التي تعني أن الرهان على استقطاب الحزبين لشريحة قد تتعدى الـ10% من القاعدة الانتخابية لحزب العدالة والتنمية، كما روجت المعارضة وآلتها الإعلامية، لم يعد أمرًا ممكنًا، إذ لن يقبل المحافظون والإسلاميون التحالف بأي صورة من الصور مع حزب الشعب الجمهوري لتاريخه الأسود الذي يحفظونه عن ظهر قلب.

حزب السعادة يدفع ثمن تحالفه مع الشعب الجمهوري

ولعل نتائج حزب السعادة الإسلامي، منذ تحالفه مع الشعب الجمهوري لدليل دامغ على صحة هذا الطرح، إذ لم تتخط نسب الحزب في الاستحقاقات الانتخابية السابقة أكثر من 3%، وهو الحزب الذي يضم عددًا من الحرس القديم المحسوب على أربكان، كما أن دعمه لترشح كمال كيليشدار أوغلو لخوض انتخابات الاستحقاق الرئاسي في الانتخابات المقبلة أثار حنق قاعدة الحزب الشعبية، وركيزته الأساسية، ونقصد بذلك تنظيم “مللي جوروش” الداعم الرئيس للحزب، إذ أعلنت قياداته رفضها التصويت لكيليشدار أوغلو.

وأكدت دعمها لأردوغان الذي نجح في تحقيق كل ما كان يتمناه ويحلم به الراحل نجم الدين أربكان، إذ أعاد أيا صوفيا مسجدًا تقام فيه الصلوات الخمس، ويصدح فيه صوت القرآن الكريم، كما بنى مسجدًا في وسط ميدان تقسيم، وقام بتطوير الصناعات الدفاعية، وأصبحت تركيا من ضمن الدول التي تقوم بتصنيع جزء لا يستهان به من احتياجاتها العسكرية.

فاتح أربكان يعي الدرس

وربما هذا ما دفع فاتح أربكان رئيس حزب الرفاه الجديد، ونجل الراحل نجم الدين أربكان، إلى التراجع عن موقفه، والموافقة على الدخول ضمن تحالف الشعب، إذ صرّح قائلًا:” لقد قبلنا الدخول في تحالف الشعب حتى لا يقال لنا بعد ستين أو سبعين عامًا من الآن أننا سلمنا البلد لحزب الشعب الجمهوري”.

أما على صعيد حزب الجيد فلا يزال يعاني من نزيف حاد في خسارته لعدد من نوابه وقيادييه وممثليه في المحافظات التركية نتيجة خضوع رئيسة الحزب ميرال أكشنار، وموافقتها على ترشح كمال كيليشدار أوغلو لخوض الانتخابات الرئاسية، المشكلة الأكبر التي تواجهها السيدة أكشنار ليس في انسحاب ممثلي حزبها واستقالتهم من الحزب، ولكن في انضمام كل من يخرج من حزبها لحزب العدالة والتنمية، بما في ذلك نوابها بالبرلمان، وهي الانتقالات التي تعضد من موقف العدالة والتنمية، وتمكنه من استقطاب أصوات العديد من مؤيدي الجيد.

القوميون ورفض التحالف بين الشعب الجمهوري والشعوب الديمقراطي

ويأتي التحالف غير المعلن بين حزبي الشعب الجمهوري والشعوب الديمقراطي ليمثل ثاني أكبر صدمة تلقتها القاعدة الشعبية الداعمة لأحزاب الطاولة السداسية، إذ أعلن القوميون رفضهم المطلق لهذا التحالف، خصوصًا وأن الأجندة التي يسعى إليها الشعوب الديمقراطي تتعارض كلية مع أفكارهم ومواقفهم، التي تؤمن بقومية الدولة التركية دون غيرها من القوميات التي تعيش في جغرافيتها، وتشكل جزءًا من إطارها العرقي.

فالشعوب الديمقراطي الذي يمثل الأكراد على الساحة السياسية يسعى إلى تحقيق حلم إقامة منطقة ذات حكم ذاتي ضمن إطار الدولة التركية، على غرار ما حدث في شمال العراق، أو ما يحاول الأمريكان تنفيذه في الشمال السوري، وهو الحلم الذي طالما داعب خيال الأكراد الناشطين سياسيًا، ومن ضمنهم أعضاء حزب العمال الكردستاني، وهو الطرح الذي ترفضه بشدة الحكومات التركية المتعاقبة، خشية تداعيات هذا الأمر في حال حدوثه، على استقلال الدولة التركية، ووحدتها الترابية.

كيليشدار أوغلو وتحويل الشعب الجمهوري لحزب يمثل العلويين

أما المعضلة الثالثة التي من شأنها التأثير بصورة مباشرة في النتائج التي تنتظرها أحزاب المعارضة من الانتخابات التركية، فتتلخص في قيام كمال كيليشار أوغلو باختيار اثنتين وأربعين شخصية علوية ضمن اللجنة المركزية لقيادة الحزب من بين اثنين وخمسين هم كل أعضاء اللجنة المركزية، وهو التصرف الذي جعل الحزب يتحول في نظر الكثيرين من حزب يمثل اليساريين والعلمانيين والكماليين على الساحة السياسية، إلى حزب يمثل فقط الطائفة العلوية في تركيا.

وهو الأمر الذي ينذر بإمكانية اندلاع صراع شعبي يهدد أمن البلاد وسلامتها واستقرارها، في ظل استخدام لغة حادة من جانب رئيس الحزب كيليشدار أوغلو وقياداته، ضد رموز التيار الإسلامي والمحافظ، وعلى رأسهم بطبيعة الحال الرئيس أردوغان، الذي يعد هدف المعارضة الرئيس في طريق إسقاط حزب العدالة والتنمية، وإزاحته عن السلطة في البلاد.

حتى أنهم لم يتورعوا عن توجيه هجوم شرس على محرم إنجه رئيس حزب البلد، المنشق عن حزب الشعب الجمهوري، والمرشح لخوض السباق الرئاسي، حينما أعلن أن أردوغان استطاع أن يهزم المعارضة بمفرده في الاستحقاقات الانتخابية جميعها التي شهدتها تركيا على مدى عشرين عامًا كاملين، وأن هزيمته ليست بالشيء الهين أو الأمر اليسير.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان