مأساة حفل إفطار رمضاني على أرض شيوعية!

المسلمون في الصين يصلون العيد.. مشهد ارتبط بالربيع العربي وتوقف الآن.

 

عقب اندلاع ثورات الربيع العربي يناير 2011، أيقنت الصين خطأ دبلوماسيتها بالدول العربية، وأدركت أن عودتها إلى الشرق الأوسط، بعد سنوات ثورتها الثقافية السوداء، من 1966-1976، فصلتها عن الشعوب العربية والإسلامية.

حاول الجيل الأخير من الدبلوماسيين الذين عملوا بالمنطقة، وتعلموا بجامعات القاهرة وبغداد ودمشق، بعد غلق جامعات الصين، أن يعيد اللحمة بين الشعبين، بعد أن فقدت بيجين أنظمة عتيقة تهاوت فجأة، واستثمارات بمليارات الدولارات بكل من ليبيا وسوريا والعراق، بينما حمت الشعوب عمالها، فلم يمسسهم سوء.

تحولت السفارة الصينية بالقاهرة إلى مركز يشرف على السفارات بالمنطقة، مع قدوم السفير المخضرم سونغ آيقوه أثناء اندلاع ثورة 25 يناير، ليظل بمكانه 10 سنوات. فتح السفير قنوات اتصال مع الأحزاب الدينية والليبرالية، التي ظهرت على الساحة، لمعرفته بعد زوال نظام مبارك، بتأثيرها في ظل ضعف الأحزاب الشيوعية واليسارية، تحتفظ بعلاقات هامشية مع بيجين.

الصلاة بمقر السفير

نظم السفير صالونا ثقافيا شهريا يعقبه مؤتمر صحفي وحفل غذاء. اندهش السفير من أن قلة من الناس تأتي إلى السفارة، ومن جاء يخرج مسرعا دون تناول الطعام.

أتاني مستشاره السياسي والإعلامي، بعد تنسيق لقاءات بين مسؤولي السفارة وحزب الوفد، يسألني لماذا لا يقبل المصريون على موائدهم الرسمية؟ شرحت له مازحا إنكم تأتون بطعامكم من بيجين، والناس تخشى أن يكون غير حلال، وتجلسون على الطعام مدة طويلة، في وقت يتطلب عودة الناس للعمل بسرعة.

طلب السفير النصيحة، فالتزم باقتراح قدمته بأن يستغل قدوم شهر رمضان، وأن يدعو الصحفيين والساسة لإفطار جماعي، على أن يوفر مكانا للصلاة، وأن يدعو بعض مسلمي الصين للمشاركة بالمأدبة.

رُفِع الآذان من الراديو، وأقمنا صلاة المغرب جماعة لأول مرة على أرض النظام الشيوعي، عام 2012، بداخل مقر السفير والسفارة بجزيرة الزمالك، أعقبها إفطار صيني- مصري، وحوارات ودية طويلة.

تكريم طلاب الإيغور

جاء اللقاء بمردود جيد، دفعت السفير إلى استكمال النصيحة بأن يهتم بمسلمين، قابلناهم بأحياء العباسية والمعادي ومدينة نصر، من الهان والإيغور، تعدادهم 30 ألف نسمة. تحول إفطار العام التالي، إلى حدث أعظم، شهد تكريم الدارسين بجامعة الأزهر، قدرتهم السفارة عام 2013 بنحو 2000 طالب. جاء قليل منهم بمنح من بيجين والأزهر وأكثرهم من الإيغور، أوفدتهم عائلاتهم لدراسة الإسلام على نفقتهم.

أقام السفير حفلتين لتكريم أوائل الطلاب مرة داخل السفارة، حضرها نحو 200 طالب، وأخرى بساقية الصاوي، المجاور لمكتب البعثة التعليمية الصينية بالزمالك، شهدها 700 طالب وأسرهم أغلبهم من الإيغور وبعضهم قازاق والهان المسلمين. وسط حالة عدم الاستقرار الأمني، نظمت السفارة إفطارين حضره آلاف الصينيين والمصريين العاملين بمنطقة شق الثعبان لصناعة الرخام جنوب القاهرة. حمل السفير آلاف الوجبات المجانية، ووزعها على العمال والأسر في احتفالات شعبية.

حكاية الشاطر حسن

أتت تشين يونغ يونغ المستشارة الثقافية التي تعلمت بالمرحلتين الثانوية والجامعية بالقاهرة، بفرق فنية غنائية وموسيقية، كان أفضلها من الإيغور عرضت عملا بدار الأوبرا” اطلالة القمر على جبال تيان شان” وهي جبال ساحرة بأرض الإيغور “شينجيانغ”. يحكي العمل، قصة حب نشأت بين ” حسن” ابن التاجر المسلم الذي فقد الطريق أثناء السفر بالصحراء، وأنقذته فتاة صينية، وقعت بغرامه، لنزاهته وخلقه الطيب.

كسرت فتاة الهان التقاليد، لتتزوج” الشاطر حسن” وتنجب أجيالا، من قبيلة” الهوي” خليط العرب والهان، مطلع المائة الثانية من ظهور الإسلام، الذين قادوا حركة التجارة عبر طريق الحرير القديم بين بيجين وبغداد ودمشق والقاهرة والبندقية.

أشار ضارب الدف بالفرقة نحونا أثناء العرض، بضم يديه، فهمت بعدها أنه يريد أن يبلغنا بأنه مسلم أسمر الوجه مثلنا. كانوا سعداء بإرسال أبنائهم لتعلم دينهم، حيث يعتبرون مصر مهد العلوم الإسلامية وزيارة الحرمين منتهى الأمل في الحياة. منهم من استقر بعد التخرج بالقاهرة وجدة والمغرب وإسطنبول، للعمل بتجارة الأغذية الحلال واحتياجات الحجاج.

ثورات مضادة

انقلبت الأنظمة على الربيع العربي، فأوقفت الصين حفلات الإفطار، التي امتدت لموائد رسمية بالفنادق الكبرى، منذ عام 2017. طلبت بيجين عودة الطلاب المسلمين، لاستكمال دراستهم الدينية بالداخل، تحت إشراف مباشر من الحزب الشيوعي. من تأخر بالسفر وضعته بقائمة الإرهاب، ومن وصل ألحقته بمراكز التدريب القسري، التي تحولت إلى سجون تعذيب جماعي، لتلقينهم قواعد النظام الشيوعي، ولغة الماندرين.

قطعت بيجين خطوط اتصال المسلمين بالداخل مع أبنائهم بالخارج، وصنفت الإيغور المقيمين بالدول العربية، والإسلامية، على أنهم ” أرهابيون”، وبلغ الأمر ملاحقتهم في أوربا وغيرها، “بطرق وقحة، حيث تجري بلاغات بتلك الدول عن أماكن وجودهم، تتهمهم بالتجهيز لعمليات إرهابية.

تقول غوروخوفسكايا الخبيرة بمنظمة فريدوم هاوس: إن الصين تعمل بحرية كبيرة في الدول الديمقراطية، لملاحقة ومراقبة المعارضين لتدفعهم إلى الصمت المطلق.

الحرب على الهوية

يتحسر الإيغور على موقف الدول الإسلامية التي تتجاهل توجه الحزب الشيوعي لاقتلاع معتنقي الإسلام أو المسيحية، وفرض ثقافة الالحاد، وطمس الهوية الثقافية للأجناس الأخرى. لم يعد المنع محصورا عند الصلاة، وارتداء النساء للتنانير الطويلة، وإطالة اللحية، وتحفيظ القرآن للأطفال، وفرض الرقابة المرئية على الناس بالبيوت والشوارع، بل حظر الاحتفالات الموسيقية والشعر والرقص الشعبي، الذي جاء بــ “الشاطر حسن” إلى الأوبرا المصرية.

تخفي بيجين قسريا الروائي بيرهات تورسون منذ عام 2017، صاحب رواية” الشوارع الخلفية” – رغم انتماء الكاتب للمدرسة الوجودية الملحدة، وتكفيره من أهله – لمجرد أنه يحيى الفكر الإيغوري المطلوب دفنه، ولم يستدل على وجوده، منذ ترجمت أول رواية بلغته إلى الإنجليزية.

وكلت الصين أنظمة عربية وإسلامية عديدة لتسليمهم آلاف الطلاب الفارين، وكان ملفتا أن تصدر المفوضية الدولية لحقوق الانسان ومنظمات حقوقية مصرية منذ أيام بيانين يدينا الاحتجاز القسري وحملات القمع، الذي تمارسه سلطات مصر والصين. يتعرض الشباب للملاحقة والتعذيب بالمخالفة للقانون الدولي وحقهم بالحياة كلاجئين دون اجبارهم على الترحيل إلى بلد يخفيهم أو يعدمهم لمجرد أن لديهم هوية مغايرة أو لأنهم طلاب دين.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان