خطة المعارضة التركية لإدارة البلاد بعد الانتخابات

كمال كيليشدار مرشح المعارضة عن أحزاب الطاولة، يخطب في أنصاره بينما يظهر بينهم كمال إمام أوغلو رئيس بلدية إسطنبول
كمال كيلتشدار مرشح أحزاب الطاولة للانتخابات الرئاسية، يخطب في أنصاره ويظهر في الصورة أكرم إمام أوغلو

من خلال سعيها لاستقطاب أصوات الناخبين المنتمين لمختلف التوجهات السياسية التي تمثلها أحزابها في المجتمع التركي، عمدت قوى المعارضة المنضوية تحت ائتلاف الطاولة السداسية إلى تسويق رغبتها في تغيير شكل نظام الحكم داخل الدولة، معربة عن عزمها إلغاء كافة التغييرات السياسية والاقتصادية التي أحدثها حزب العدالة والتنمية الحاكم.

وبذلك تبدو المعارضة كأنها في سباق محموم مع الزمن لتحقيق هدف وحيد لها، وهو محو كل ما يمت بصلة للرئيس أردوغان من قرارات، وإلغاء كافة التغييرات التي أدخلها على النظام السياسي، والتعاملات الاقتصادية في تركيا، حتى وإن كان ثمن هذا الأمر العودة إلى الوراء، والدوران في حلقة مفرغة من الفشل السياسي والدبلوماسي والاقتصادي الذي عانت منه البلاد على مدى عقود، وتسبب في حالة من عدم الاستقرار على مختلف المستويات.

فأحزاب الطاولة السداسية أعلنت رسميا عن خطتها التي ستقوم من خلالها بإدارة أمور الدولة التركية عقب الفوز في الانتخابات بنوعيها الرئاسية والبرلمانية، وذلك في عدد محدد من النقاط، التي يمكن من خلالها رسم صورة لما سيكون عليه وضع البلاد والعباد تحت حكم هذه الأحزاب المتباينة أيدلوجيا، والمتباعدة هدفيا.

أهداف المعارضة من المرحلة الانتقالية بعد الفوز بالانتخابات

ونركز هنا على عدد محدد من هذه النقاط التي تحمل بذور الفرقة بين أعضاء هذه الجبهة، وأولها يرتبط بما أطلقت عليه المعارضة اسم “المرحلة الانتقالية” وهي المرحلة التي سيعتمد نظام العمل فيها على التشاور، وتبادل الآراء بين أحزابها، وصولا إلى تحقيق أول أهدافها، وهو تغيير النظام السياسي من رئاسي إلى برلماني مرة أخرى، عن طريق تغيير الدستور، والقوانين التي تكفل فصل السلطات التشريعية والتنفيذية فصلا كاملا مع وضع نظام جديد للمراقبة، وذلك عبر البرلمان الجديد الذي ستسفر عنه نتائج الانتخابات.

إذ ترى المعارضة التركية أن إلغاء النظام الرئاسي، والعودة إلى النظام البرلماني، هو الحل السحري الذي يمكن من خلاله إنهاء جميع المشاكل التي تعاني منها تركيا، رغم علمهم ومعايشتهم جميعا لهذه المرحلة الفاشلة التي يريدون العودة إليها، وإلزام الشعب بها.

فقد وقعت الدولة بأكملها ولعقود طويلة تحت رحمة الانقسامات السياسية، والاختلافات الأيدلوجية للأحزاب السياسية المتداولة للسلطة حينذاك، كما أصبحت ضحية للحكومات الائتلافية المتعاقبة، والذهاب إلى صناديق الانتخابات في فترات قصيرة، الأمر الذي أدى إلى حالة من الشلل السياسي والاقتصادي، حتى انقطعت صلتها أو كادت بالعالم الخارجي، حيث انكفأت الدولة على ذاتها، وعانى المواطنون من شظف العيش نتيجة الغياب التام لخطط التنمية، واهتراء البنية التحتية.

سبعة نواب لرئيس الجمهورية

أما ثانية هذه النقاط، فهي تلك المرتبطة بالنص على تعيين رؤساء الأحزاب الخمسة المشاركين في ائتلاف الطاولة السداسية نوابًا لرئيس الجمهورية كمال كيلتشدار أوغلو أثناء المرحلة الانتقالية، إلى جانب تعيين كل من رئيسي بلدية إسطنبول وأنقرة نائبًا لرئيس الجمهورية بمهام محددة عقب انتهاء الفترة الانتقالية، في الوقت الذي يراه الرئيس مناسبا، وهو الأمر الذي يثير الدهشة والاستغراب في آن واحد، ويجعل من المنطقي طرح العديد من التساؤلات حول طبيعة عمل كل نائب منهم، وكيف سيتم اتخاذ القرارات الهامة في ظل وجود هذا العدد الضخم من نواب الرئيس، وفي أي الملفات تحديدا سينوب كل منهم عن الرئيس، والسؤال الأهم في ظل وجود هذا العدد من النواب ما هي المهام التي سيتولاها الرئيس نفسه؟

آليات توزيع الحقائب الوزارية

وثالثتها تختص بطريقة توزيع الحقائب الوزارية بين الأحزاب الستة المشاركة في الطاولة السداسية، ومن يتحالف معها من خارجها، مثل حزب الشعوب الديمقراطي، إذ تم الاتفاق على أن العدد سيكون مرهونا بعدد المقاعد البرلمانية التي سيحصل عليها كل حزب منها، مع ضمان أن يكون لكل حزب منها حقيبة واحدة على الأقل في التشكيل الوزاري المنتظر، على أن يتم الإعلان عن مهام مجلس الوزراء، وصلاحيات الوزراء من خلال مرسوم رئاسي يتوافق في مجمله مع الدستور والقوانين ذات الصلة.

وهو ما يعني إمكانية استحداث وزارات جديدة لتحقيق التوزيع النسبي المطلوب، وتلبية رغبة كل حزب في الوجود ضمن التركيبية الحكومية المنتظرة، كما أن ذلك من شأنه أن يتسبب في إحداث أزمة جديدة داخل الائتلاف إذا ما نجح حزب الشعوب الديمقراطي مثلا في الحصول على عدد من المقاعد البرلمانية تفوق نسبة ما سيحصل عليه حزب الجيد.

وفي حال تضاربت الاختصاصات بين الوزارات كيف ستتم معالجة الأمر، وهل هناك سبيل لمنع تفاقم الأزمات الناشئة عن هذا التضارب في ظل وجود اختلافات وتباينات كبيرة بين أيديولوجيات وأهداف أحزاب هذا التحالف، التي ستتشكل منها الحكومة المرتقبة، وما هي آليات فض هذه النزاعات في حال حدوثها؟

وهو أمر وارد بطبيعة الحال خصوصا أن النقطة الرابعة تتحدث عن أن تعيين وعزل أو تغيير الوزراء سيتم بالتشاور مع رؤساء الأحزاب التي ينتمي إليها الوزراء، وهو ما يعني اتساع رقعة الخلافات في حال وقوعها، نتيجة لاختلاف الرؤى والتوجهات وتباين الأهداف، وقد يؤدي هذا الأمر إلى انسحاب الحزب المتضرر.

تفريغ منصب رئيس الجمهورية من صلاحياته

أما النقطة الخامسة فقد جاءت بمثابة تقييد تام لحرية رئيس الجمهورية، وتعطيل لمجمل صلاحياته، إذ اشترط رؤساء الأحزاب الخمسة المشاركين في السلطة، ألا يستخدم رئيس الجمهورية سلطته التنفيذية خلال المرحلة الانتقالية إلا بعد التشاور معهم، وضرورة إجماع آرائهم على ما يُتخذ من قرارات.

ويشمل ذلك القرارات المرتبطة بالعلاقات الدبلوماسية والسياسة الخارجية للدولة التركية، إلى جانب ما يرتبط بالشأن الداخلي، سواء كان ذلك سياسيا أو اقتصاديا.

أما قرارات إعادة الانتخابات، أو ما يختص بسياسات الأمن القومي، أو ما يرتبط بالإجراءات التنظيمية داخل الدولة، والتعيينات في المناصب العليا كالقضاء والتعليم، والجيش، والشرطة، فهي من اختصاص رئيس الجمهورية إلا أن القرار النهائي بشأنها لن يتم اعتماده إلا بعد التوافق التام مع رؤساء الأحزاب في ائتلاف الطاولة السداسية.

وتشير النقطة السادسة إلى أن عضوية رئيس الجمهورية الحزبية تسقط بمجرد انتهاء الفترة الانتقالية، وبدء العمل بالنظام البرلماني الجديد. وهو ما يعني أنه إلى جانب نزع كافة صلاحيات رئيس الجمهورية، فإن على الرئيس التضحية بمنصب رئاسة حزبه، في حين يستمر كل من رؤساء الأحزاب الخمسة في رئاسة أحزابهم إلى جانب كونهم نوابًا لرئيس الجمهورية.

صورة قاتمة لصراع من أجل السلطة

النقاط السابقة التي يرتكز عليها رؤساء أحزاب الطاولة السداسية في إدارتهم للدولة التركية إذا ما فازوا في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة تحمل في طياتها كافة العوامل اللازمة لانهيار سلطتهم، والتعجيل بسقوطهم سقوطا مدويا، خصوصا أنهم ظلوا أكثر من عام دون الاتفاق على تحديد الشخصية التي يمكنهم ترشيحها لخوض الانتخابات الرئاسية، كما أن الصراعات والخلافات بينهم لم تنته حتى الآن.

وهي صراعات مرشحة للتفاقم خلال المرحلة المقبلة بعد أن يتم الكشف عن شروط حزب الشعوب الديمقراطي الأحد عشر مقابل دعمه لمرشحهم للرئاسة، التي لا تزال في طي الكتمان حتى الآن، فكيف يمكن هؤلاء الرؤساء التوافق والإجماع على قرارات ترتبط بمصالح البلاد العليا إذا ما فازوا في الانتخابات، ونفذوا بالفعل ما اتفقوا عليه كأسلوب لإدارة الدولة؟

تبدو الصورة قاتمة، وتنذر بدخول البلاد والعباد في دوامة من التطاحن السياسي والصراع من أجل السلطة.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان