سره الباتع.. لماذا اختار خالد يوسف انقسام المصريين؟

بينما يبحث المصريون عن نقاط التقاء بينهم لعلهم يخرجون من مأزق الانقسام الذي تأسس وعُمّق في السنوات العشر الأخيرة، انقسم المصريون خلال تلك السنوات إلى وطنيين مع النظام والسلطة وغير وطنيين مع من يعارض النظام أيًّا كان توجهه السياسي، وحتى داخل الأسرة الواحدة التي شهدت أيضا امتداد أثر هذا الانقسام، وخلال كل هذا اختار المخرج خالد يوسف في أول عمل تليفزيوني له بعد عودته من الخارج، أن يعمق هذا الانقسام بين المصريين من خلال عمله الدرامي “سره الباتع” الذي عرض طوال شهر رمضان الماضي في عشر ساعات درامية.
هذا رغم أن النص الأصلي المستوحى منه العمل الدرامي ليوسف إدريس وهو قصة قصيرة في مجموعته القصصية “حادثة شرف” يؤكد على تلاحم هذا الشعب وكونه كتلة واحدة، كما جاء في نص الخطاب الذي كتبه عالم الآثار الفرنسي روجيه كليمان إلى صديقه العالم الفرنسي جي دي روان مؤكدا استغرابه أمر هؤلاء المصريين الذي تجمعهم شجاعة أحد أبنائهم ومقتله على يد الاحتلال الفرنسي، يقول كليمان “تصور كلمة واحدة تحولت إلى كلمة كبيرة مخيفة يا صديقي، لمجرد أنهم آمنوا بها، فإيمانهم ليس عن تفكير واعتقاد ولكن عن حب، يحبون الشيء لدرجة الإيمان، أنى لنا بقدرتهم على الحب والتكتل والبقاء، أنى لنا بقدرتهم على أن نكون أفرادا إذ أردنا، وكتلة واحدة حين نريد”.
الحقيقة أن هذه الجملة هي منبع النور في قصة إدريس الفريدة، فكيف جاءت القدرة بخالد يوسف لتحويل مشعل نور القصة إلى أداة هدم لها؟ ولماذا اختار بما أضافه إلى القصة الأصلية -التي ترفع قيمة الشعب المصري وبطولاته- أن يحولها إلى نوع من الدجل حول شخصية حامد؟
وبعيدا عن ما أضافه من شخصيات وخطوط درامية للعمل وتغيير في محاور أساسية في قصة إدريس وهذا ما نعطي الحق فيه لكاتب المعالجة والسيناريو والحوار، فإن تغيير هدف القصة الأصلي إلى ما يراه واختياره لأحداث ثورة يناير وما بعدها حتى بيان 3 يوليو 2013 هو ما يجعلنا نتوقف عند وقائع تاريخية أراد يوسف أن تكون متوازية مع أحداث القصة الأصلية التي حدثت أثناء الحملة الفرنسية على مصر 1798-1801.
الاحتلال الفرنسي ثورة يناير
بدأت الأحداث المعاصرة لمسلسل “سره الباتع” في نوفمبر 2010، وهو الخط الموازي لحياة الراوي في خمسينيات القرن العشرين في قصة إدريس، إذن لا ضرر في أن تكون الأحداث حديثة، ولكن يوسف اختار ثلاث سنوات احتلال تعادل سنوات الاحتلال الفرنسي لمصر وكأنه يشير إلى أن يناير معادلة للاحتلال سيتم التخلص منها، خلال سنوات ثلاث.
اختار يوسف من أحداث الثورة خطوطا معينة تتوازى مع الحملة الفرنسية ولم ير فيها إلا عدة أحداث أحاول رصدها.
بدأ يوسف أحداث يناير بجمعة الغضب 28 يناير، وبعض الأحداث التي تبين انسحاب الشرطة وبعض أحداث اليوم في مواجهات الشرطة والشعب!! ثم انتقل يوسف إلى وقفته أمام المتحف المصري ومناشدته القوات المسلحة حماية المتحف من السرقة، وأعقب ذلك مشهد عسكري لأحد القادة بضرورة تلبية نداء المخرج الشهير الذي يحمي المتحف بجسده من السارقين، حتى إن القائد العسكري قال نفس جملة يوسف في لقائه “الفلوس اللي تسرق ممكن نعوضها لكن تاريخ البلد لا يمكن يعوض”!!
انتقل يوسف بعد ذلك إلى اتهام الإخوان المسلمين وحماس بالاتفاق على فتح السجون من خلال مشهد اجتماع مكتب الإرشاد وتجهيز أدوات فتح السجون!! وهذا كان ثاني مشاهد يناير، ثم كان ختام مشاهد يناير كما رآها يوسف صاحب المعالجة والسيناريو والحوار في “سره الباتع” مشهد تنحي مبارك وتكليفه للمجلس العسكري بإدارة شؤون البلاد، ليحكي لنا يوسف على لسان أحد أفراد القوات المسلحة الانفلات الأمني في سيناء، بعد أن حكى لنا وصف الحال في أحياء الحسين وخان الخليلي أثناء ثورة يناير.
الإخوان والسلطة
لم ير خالد يوسف في يناير سوى هذه المشاهد، لم ير ألف شهيد ماتوا أثناء أحداثها، ولم ير كتلة المصريين في الميادين وتقسيم لقمة العيش بيننا، لم ير أجمل ما عاشته مصر في عصرها الحديث، وما قاله رؤساء العالم من أن المصريين كعادتهم يكتبون التاريخ ببساطة، كأن علينا أن نستدعي روجيه كليمان الفرنسي ليكتب لنا المشهد الينايري الجديد بدلا منه.
رغم أن خالد يوسف شارك في يناير ومعه غالبية المصريين ورغم أنه كان جزءا من حركة واسعة ضمت تيارات مدنية وقادت الثورة في أيامها الأولى فإنه لم يشاهدهم في أحداث القصة بل إن يوسف في هذا العمل يؤكد مقولة أن يناير مؤامرة، فلم نر في الميدان سوى بطلة العمل المرشدة السياحية وأصدقائها، أما يوسف فلم نر من أصدقائه أحدا في الميدان، لم يرنا نحن الذين لم نغادر الميدان طوال عامين ونصف أو حتى طوال سنوات الحملة الفرنسية، هل كان يبعد عنا تهمة الاشتراك في المؤامرة لأننا أصدقاؤه؟ ربما.
انتقل يوسف بعد يناير إلى معركة مجلس الشعب بعد الثورة، وحكى لنا كيف خطط الإخوان للاستيلاء على أغلبية المجلس، لم يذكر لنا يوسف التحالف الوطني الذي ضم أغلبية القوى السياسية، ولم نر أصدقاءه الذين تحالفوا مع الإخوان في الدخول إلى المجلس.
استمر خالد يوسف في رؤيته للأحداث التي رآها في ثورة يناير بهذا المنهج، فقد استولى الإخوان على الحكم بعد انتخابات الرئاسة، وبدأت معركة تحرير مصر منهم كما بدأ المصريون في مواجهة الاحتلال الفرنسي بقيادة السلطان حامد، بالمناسبة كان تنحي مبارك بمدد السلطان حامد هكذا يقول يوسف في مسلسه، ليواجه حامد الجديد الإخوان الذين استولوا على منزله، ويستعين بالشعب لتبدأ مرحلة تمرد والوصول لنداء الجيش الذي لن يتخلى عن بلده، ثم بيان الثالث من يوليو، وعلى التوازي خروج الفرنسيين من مصر بعد ثلاث سنوات هي عمر الحملة وعمر ثورة يناير، هكذا يكتب لنا خالد يوسف تاريخا جديدا على طريقة فنحاس النخاس في عهد الخليفة هارون الرشيد.