إسطنبول تصالح أردوغان في الحشد.. فهل تصالحه في الصندوق؟

لم أكن متفائلا حيث أقف أمام مقر حزب التنمية والعدالة بأحد أحياء إسطنبول صباح الأحد مكان التجمع للذهاب إلى المؤتمر الأخير في الحملة الانتخابية لمرشح تحالف الجمهور الحاكم في انتخابات الرئاسة التركية المقررة الأحد القادم.

المدينة خسرها الحزب الحاكم في آخر انتخابات للبلدية في عام 2019 ضمن مجموعة ولايات كبرى في تركيا، ويدير أمورها حاليا حزب الشعب المعارض منذ أربع سنوات ممثلا في أكرم إمام أوغلو، وشهدت تراجعا كبيرا اقتصاديا واجتماعيا، إذ وعد رئيس البلدية بمجانية الخبز واللبن، ولكن ما شهدته المدينة كان غلاء كبيرا، وعانى أبناء إسطنبول ارتفاعا في أسعار كافة الخدمات حتى المواصلات العامة التي ارتفعت أسعارها أكثر من ثلاثة أضعاف، ومع ذلك فما زلت أشعر أن نخبة المدينة ليست مع الرئيس التركي المرشح لولاية أخرى.

الساحة أمام مقر الحزب شبه خالية، اقتربت من بعض الشباب لأعرّفهم بي كإعلامي جاء للتغطية الصحفية، وجلست انتظر الحشد والحضور، المكان لا يوحي بحشد، لا أعلام كثيرة، لا صور للرئيس، وبعد قليل بدأت أعداد تأتي للمكان، الغريب أن الشباب كانوا يقومون بإرسال القادمين إلى حديقة الشعب بمطار أتاتورك فور اكتمال عدد ركاب الحافلة دون اهتمام بأخذ صورة حاشدة أمام المقر، وهو عكس ما رأيته ظهيرة اليوم السابق في إحدى نقاط التجمع لمرشح تحالف الشعب المعارض.

ظهيرة السبت السابق كنت أمام بحر مرمرة في تجمع للمرشح المعارض، حيث وقفت عدة عبارات في موقفها في (أفجيلار) لتنقل مؤيديه إلى مكان مؤتمره الانتخابي الأخير في ساحة مالتبة بالجانب الأسيوي بإسطنبول.. أعلام كثيرة، صورة متعددة الأحجام، حشد وحرص على كثافة الصورة، ثم رحلة من الجانب الأوربي في إسطنبول إلى الآسيوي عبر البحر، وزحام معقول نسبيا تناسبا مع طبيعة الحي الذي يقطن أغلبه العلمانيون.

حركة سير متوقفة

بدأت رحلتي إلى مطار أتاتورك متخوفا من حشد قليل للرئيس التركي، وعندما أصبح بيني وبين مكان التجمع خمسة كيلومترات بدأت أرى مظاهر أخرى.. الحافلة التي أستقلها تقلل من سرعتها، تكاد الحركة تتوقف، بدأ الطريق يمتلأ بالسيارات والشاحنات، وبدأت أصوات الهتاف في بعض السيارات وأعلام تخرج منها، صور للرئيس المرشح، أبواب الشاحنات تفتح ليعلو الصوت قليلا، بدأ نزول الركاب من السيارات لتسير على الأقدام، أفراد صارت تجمعات، ثم حشود.

الساعة تقترب من الثالثة والنصف عصرا، نصف ساعة ويبدأ المؤتمر، لا يزال أمام الحشود كيلومترا، زادت حركة السير ازدحاما، نزلت من الحافلة للحاق ببداية المؤتمر.. أعداد الجمهور في تزايد على مقربة من ساحة حديقة الشعب -مطار أتاتورك سابقا- أعلام كبيرة، صور تتزايد أعدادها، الهتاف للمرشح الرئيس يتزايد “رجب طيب أردوغان”، طبول تدق، طائرة الرئيس المرشح تحلق فوق ساحة الحديقة، تعلو صرخات الجمهور المحتشد، بدأت أشعر بارتياح يبدو أن إسطنبول تصالح الطيب أردوغان.

ساحة الحديقة تمتلئ بالجماهير.. الزميل عمر دياب مراسل الجزيرة مباشر يعلن امتلاء الساحة داخل المطار، إذن ماذا عن هؤلاء الذين أسير معهم: هل سيلحقون مكان داخل الساحة، نساء كبيرات، فتيات، أطفال، شباب يحملون الأعلام والصور، شيوخ يتكئون على عصيهم، نساء أرهقها السير ترتاح قليلا، أمهات مع أطفالهن، صغار، محجبات وغير محجبات، حشود من الأحياء البسيطة في إسطنبول قادمة عبر وسائل المواصلات العامة أخيرا وصلنا إلى (المطار-الساحة). وكان الرئيس المرشح قد بدأ الخطاب معلنا عدد الحشد مليون وسبعمئة ألف شخص، وامتلاء الساحة، فأين يذهب هؤلاء الذين أراهم الآن حشودا قادمة.

وقفت أمام باب المطار أتابع القادمين، وكلما شعرت أن العدد سيقل يزداد القادمون، وصل شباب جمعيات الأناضول أعرفهم من مظاهرات التضامن مع فلسطين، سماتهم واضحة وهتافاتهم واضحة: “رجب طيب أردوغان”، “الله أكبر” أعلامهم كبيرة جدا ما بين علم تركيا، والعلم الخاص بهم، لا يزال الشارع المؤدي لبوابة الحديقة يمتلأ بالقادمين، حشود فحشود، صِحت مرة أخرى: “إسطنبول تصالح أردوغان”، وفرت من عيني دمعة بعد أن تذكرت حشودنا في ميداننا الغائب: ميدان التحرير، وقلت: “ما أروع أن يحضر الشعب”.

إسطنبول تصالحه نعم

أنهي مرشح تحالف الجمهور الحاكم كلمته، بدا كأن المؤتمر ينفض، بعض الناس كان يخرج من البوابات عائدا، بينما لا تزال حركة القدوم مستمرة، وليست حركة فردية أو قليلة بل قوية وعلى دفعات، يبدو أن طريقهم لم يكن سهلا في الوصول، لا يزال هناك بعيدا آخرون قادمين. إن الشعب الذي يدرك أن المؤتمر قد انتهى يريد فقط أن يثبت حضورا، أو لعلها بطاقة اعتذار للحزب الحاكم، والرئيس بعد أربع سنوات خلال تولي إمام أوغلو المرشح مساعدا لمرشح تحالف المعارضة كليجدار أوغلو حال فوزه.

إسطنبول شهدت تدهورا كبيرا في مرافقها خلال السنوات الأربع الماضية، ارتفاع أسعار لم تشهده من قبل، تعرض رئيس البلدية عدة مرات للهجوم عليه من مواطنين في الشارع، هدم وتكسير في الطرق لم يغب شهرا عن المدينة، فشل صاحب شعار مجانية الخبز واللبن في أن تظل الأسعار كما هي فكان رد إسطنبول مزلزلا في هذا المشهد قبل الانتخابات، وكان الفارق بين حشد المعارضة عصر السبت، وحشد التحالف الحاكم ظهيرة الأحد.

يتبقى قبل الختام أن أشير إلى استقالات متعددة في صفوف التكتل المعارض، خاصة من حزب السعادة الإسلامي، وحزب المستقبل الذي يرأسه داود أوغلو المنشق عن حزب العدالة والتنمية الحاكم بسبب تنافر الأيدلوجية مع حزب الشعب، وحزب الجيد اللذين يتزعمان المعارضة، إضافة إلى ما حدث في حزب الجيد عند اختيار أعضاء المجلس التشريعي، إضافة إلى الهجوم الكبير للصحف والمجلات الغربية على أردوغان.. كل هذا ربما أعاد تفكير الشعب التركي تجاه الرئيس ومرشح التحالف الحاكم رجب طيب أردوغان، لكن اعتقادي أن أحوال إسطنبول الاقتصادية كانت عاملا مهما في عودتها إلى التحالف الحاكم.

كل هذا يبقى مؤشرا على ما يحدث الأحد القادم أمام الصندوق الانتخابي، وخلف الستائر، فهل تفعلها إسطنبول أمام الصناديق الزجاجية وترجح كفة الرئيس التركي الذي قال عنها إنها الجائزة الكبرى، ومن ربح إسطنبول، ربح تركيا، هذه آمال كل مؤيدي الرئيس أردوغان الذي يواجه حربا شرسة من الإعلام الغربي، وحيث يقف معه كل من يعرف من وراء هذا الإعلام وبالطبع أنا منهم.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان