إعادة ضبط عقلك ومراعاة فروق التوقيت

(1) عودة “الأسد” إلى جامعة الدول العربية
مر نحو 11 عاما على تجميد عضوية سوريا في الجامعة العربية بعد الفظائع التي أرتكبها نظام بشار الأسد في شعبه إثر الثورة الشعبية عليه، وما تلا ذلك من حروب وخراب أدى إلى أكبر عملية نزوح ولجوء. عادت سوريا بشار الأسد يوم الأحد الماضي إلى مقعدها بجامعة الدول العربية، بعدما وافق 18 من وزراء الخارجية العرب على استئناف مشاركة وفود الحكومة السورية في اجتماعات مجلس جامعة الدول العربية، والمنظمات والأجهزة التابعة لها، بداية من 7 مايو/ أيار الحالي.
ويعتبر كثيرون ذلك إنجازا لأنه يؤدي إلى رأب الصدع بين الدول العربية وعودة سوريا إلى محيطها العربي الحيوي، لبدء مرحلة جديدة من التعامل مع الواقع والمتغيرات الإقليمية، للوصول إلى استقرار المنطقة التي عاشت منذ نحو عقدين من الزمان على صفيح ساخن. هذا حديث المنطق ولكن تبقى في القلب غصة وفي العقل أسئلة محيرة، فكيف يتم الاعتراف ببشار الأسد زعيما لسوريا ويده ملوثة بدماء السوريين الأبرياء، وهو مسؤول مسؤولية مباشرة عما آلت إليه الأوضاع في سوريا لتشبثه بالحكم دون اعتبار لمصلحة الوطن؟!
الحديث عن الماضي موجع ومعرقل لخطط المستقبل ولكن في نفس الوقت لا بد من أن تبقى نتائج التجربة حاضرة في الذهن حتى لا نقع في نفس الأخطاء، والدول العربية التي صوتت لصالح عودة سوريا إلى الجامعة العربية تدرك أنه لا بد من استمرار الحوار المباشر مع النظام السوري للتوصل إلى حل شامل للأزمة السورية، وستكون هناك تقارير دورية تقدم لمجلس الجامعة في هذا الشأن لمعرفة مدى التقدم فيها، فهناك الكثير أمام “بشار الأسد” ليثبت لدول الجامعة العربية والعالم أجمع أنه يستحق فرصة ثانية لحكم سوريا.
(2) دخان فوق قبة الكرملين
مشهد الدخان يتصاعد من أحد قباب الكرملين، بسبب ارتطام طائرة مسيرة صغيرة به، أصاب العالم بالفزع، فقد استرجع ذكرى الدخان المتصاعد من برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك إثر اصطدام طائرة أيضا. وعلى الرغم من أن ما حدث في موسكو كان مجرد خدشة لا تذكر فقد كان الرد الروسي الرسمي عنيفا وكان التهديد بالثأر علنيا، وتم اتهام أمريكا بتورطها مع أوكرانيا في محاولة لاغتيال الزعيم الروسي.
“مايكل مور” المخرج الأمريكي المعروف، أثبت في فيلمه الوثائقي الشهير “فهرنهايت 9/11” أن الإدارة الأمريكية كانت على علم بخطة الاعتداء على برجي مركز التجارة العالمي وأنها تلقت تحذيرات من المخابرات الأمريكية بهذا الشأن ولكنها تركت الأمر يحدث لأن نتائجه الكارثية كانت في صالح صقور الحرب في البيت الأبيض. مسيرة صغيرة في قلب موسكو! تحلق فوق مقر حكم القيصر، أمر يثير التساؤل ولا يتقبله العقل، فكيف مرت هذه المسيرة من دون أن تلحظها أجهزة الرصد والمراقبة التي تحمي الكرملين مقر الحكم، الأمر يحتاج إلى مخرج مثل “مايكل مور” ليدقق في حقيقته ودوافعه الخفية، لكن روسيا لا تسمح بوجود مايكل مور روسي يظهر الحقائق أو على الأقل يثير الشكوك حول الادعاءات المطروحة.
(3) تفوق العرق الأبيض
تظاهر عدد من نشطاء اليمين المتطرف في فرنسا يوم السبت الماضي في قلب عاصمة النور، هؤلاء كانوا ينادون بكل صراحة ووقاحة بتفوق العرق الأبيض من دون مراعاة لشعار الثورة الفرنسية: “حرية، مساواة، وأخوة”، ولقد علقت رئيسة الحكومة الفرنسية “إليزابيت بورن” على الأمر قائلة: “إن مشاهد مظاهرة للمنادين بتفوق العرق الأبيض كانت صادمة، لكن ديمقراطيتنا تكفل الحق في التظاهر، ولم يكن هناك أي سبب لإلغاء التظاهرة”.
كما دافعت شرطة باريس عن موقفها، وقالت إنها لا تتمتع بالصلاحية القانونية لمنع مظاهرة ما لم يكن هناك خطر مثبت. وتبرأت “مارين لوبان” زعيمة الكتلة البرلمانية لحزب التجمع الوطني المنتمي لأقصى اليمين، من هؤلاء وأنكرت معرفتها بأي من المتظاهرين، وقالت: “هذه الاستفزازات لا يمكن التساهل معها، إنها غير مقبولة”.
السلطة والأمن والمعارضة تبرؤوا جميعا من التظاهرة لكن لم يتم منعها، رغم أنها مظاهرة عنصرية بغيضة وضد كل القيم الفرنسية التي يتشدق بها الرئيس ماكرون في خطاباته التي دافع فيها عن حرية التعبير التي تسمح بالإساءة إلى رسولنا الكريم من جانب بعض المطبوعات الفرنسية، العقل يعجز عن تخيل الرد لو كان المتظاهرون مسلمين ينادون بأن الإسلام وحده الدين الحق، أو متظاهرين يشككون في أعداد ضحايا الهولوكوست من اليهود، ماذا سيكون تعليق رئيسة الحكومة والشرطة وزعيمة المعارضة اليمينية وهل كان القضاء الفرنسي سيسمح بمثل هذه المظاهرات؟
(4) إعادة ضبط أفكارك
الأخبار التي ترد إلينا كل لحظة سواء من داخل أوطاننا العربية أو خارجها نتفاعل معها وتؤثر في حياتنا، وحالتنا النفسية والمزاجية، فبعضها يتعارض مع ما نؤمن به من ضرورة انتصار الحق على الباطل، أو أن الحقيقة لا بد أن تظهر في نهاية المطاف، وأن العدل أساس الحكم وأن المساواة قيمة أصيلة في حضارتنا المعاصرة.. إلخ.
الواقع يقول إن عالمنا ليس يوتوبيا وليس أيضا ديستوبيا، بل هو وسط بين الاثنين، فيه الخير والشر وبينهما جولات، وهذا قانون الحياة وعلينا أن نفكر في أن هناك ما يمكن أن نغيره بأنفسنا وهناك ما لا يمكن تغييره إلا بتضافر الجهود والظروف حتى لا نحمل أنفسنا ما لا طاقة لنا به، مع مراعاة فروق التوقيت بين الثقافات المختلفة والحضارات المتنوعة، وأن التفكير بهذا الأسلوب يجعل خلاصك بيدك، فأنت “وحدة” التغيير الأولى وعليك أن تبدأ بنفسك وأن تتواءم مع الواقع ولو مرحليا لتسير نحو مستقبل تشارك في صنعه ولا تكون فيه مجرد رد فعل.