ماذا لو فاز كليجدار أوغلو بالرئاسة التركية؟

كمال كليتشدار أوغلو

تتجه تركيا إلى صناديق الاقتراع غدا 14 مايو/ أيار الجاري لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.

الانتخابات التي ستكون بين تحالف الجمهور بقيادة الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان وتحالف الأمة الذي شكلته أحزاب المعارضة، تعد أكثر الانتخابات تأثيرًا في مستقبل البلاد.

كما سيكون لانتخاب الرئيس أردوغان أو مرشح المعارضة كمال كليجدار أوغلو تأثير أيضا على السياسة الخارجية التركية. ففي حين أن الانتخابات في البلدان الأخرى لا تغير -بشكل عام- السياسات الداخلية والخارجية للدولة، فإنها تحدث تغييرا جذريا في تركيا.

ونظرًا إلى أن تركيا ظلت في حالة استقطاب بين المحافظين والعلمانيين منذ مئة عام، فإن سياسات الدولة يتم تحديدها وفقًا لأيديولوجية الحزب الحاكم.

عندما نقول هذا، فإننا لا نقول إنه لا يبقى شيء ثابتًا، فعلى سبيل المثال حولت تركيا اتجاهها نحو الغرب منذ قيام الجمهورية عام 1923. وفي هذا الاتجاه، قطعت روابطها مع تاريخها وغربت حتى الحياة الاجتماعية تحت اسم الحداثة.

لم تتغير سياسة تفضيل الغرب على أجزاء أخرى من العالم حتى خلال الحكومات المحافظة. وفي فترة حزب العدالة والتنمية، تم اتباع سياسة التوازن على الأكثر، بمعنى آخر حاولت الحكومات التي يقودها أردوغان تحسين العلاقات مع الدول العربية والإسلامية، التي تم إهمالها منذ ما يقرب من قرن، وكذلك الحفاظ على علاقات جيدة مع الغرب (باستثناء التوتر الأخير بسبب الازدواجية والسياسات القياسية للدول الغربية).

 

قبل الوصول

 

قبل وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة عام 2002، كانت العلاقات مع الشرق الأوسط مهملة دائمًا باستثناء فترة تورغوت أوزال. وكان التعاون السياسي والاقتصادي في حده الأدنى. والسبب في ذلك هو تحيزات النخبة التي أسست الدولة التركية الفتية ضد العالم العربي الإسلامي.

وبحسبهم، فقد تراجع الأتراك لأنهم كانوا تحت تأثير الثقافة العربية الإسلامية، والطريقة الوحيدة لأن تصبح تركيا دولة متقدمة هي تقليد البلدان المتقدمة بالفعل، أي الدول الغربية. كيف تسبب العرب في تخلف الأتراك؟ هل يعلم العرب بهذا؟ هذا الادعاء ستدحضه الإجابات عن أسئلة مثل هذه، وجعلوا الشعب التركي يقبل بهذه الادعاءات، فطوال عقود لم تتطور العلاقات مع العالم العربي من دون سبب واضح لذلك.

عندما تولى الرئيس أردوغان وفريقه الحكم قرروا تغيير هذا الرأي وفتحوا صفحة جديدة مع الدول العربية. تم التوقيع على تعاون اقتصادي وسياسي وعسكري مع جميع الدول العربية وزاد حجم التجارة عدة مرات لدرجة أنه لفترة من الوقت كان من الممكن الذهاب إلى سوريا ببطاقة هوية فقط.

مرحلة الربيع العربي

 

في الواقع، كان أحد الأهداف هو إنشاء اتحاد على غرار الاتحاد الأوربي، يضم تركيا وسوريا والأردن ولبنان. ومع ذلك، مع الربيع العربي، بدأت مرحلة جديدة في العلاقات، كان على حكومة أردوغان اتخاذ قرار عندما اندلعت الانتفاضات الشعبية في الدول العربية الخاضعة لسيطرة الأنظمة الاستبدادية، إما أن تدعم الطغمة العسكرية وإما أن تقف مع الشعب.

لم يستطع الرئيس أردوغان دعم المجلس العسكري لأنه هو والأشخاص الذين صوتوا له عانوا كثيرًا من الانقلابات العسكرية والانقلابيين في تركيا. لذلك فعل الصواب ودعم الانتفاضات الشعبية.

ومع ذلك، فإن الربيع العربي الذي كان ناجحًا في البداية، تحول إلى شتاء قارس، فعادت الأنظمة التي تمت الإطاحة بها في عدة دول إلى السلطة بدعم من الخارج. ولذلك فإن الوقوف إلى جانب الشعب في الربيع العربي أفسد علاقات تركيا مع العديد من الدول العربية.

لقد كانت عشر سنوات صعبة مع السعودية والإمارات والبحرين ومصر وسوريا. وتم تخفيض العلاقات إلى الحد الأدنى وتبع ذلك عداء غير مسمى. ومع رفع الحصار عن قطر عام 2021، اتخذت تركيا خطوة جديدة لتحسين علاقاتها مع تلك الدول؛ لأن الوضع الحالي غير مستدام وأضر بمصالح الطرفين. لهذا السبب عادت العلاقات بين الطرفين، ولو لم تعد الأمور إلى أيامها الخوالي.

وعلى ذلك، فقد تتسبب انتخابات 14 مايو/ أيار في فتح صفحة مختلفة تمامًا؛ لأن وجهات نظر أردوغان وكليجدار أوغلو حول العالم العربي والشرق الأوسط متعاكسة تمامًا.

ومن المرجح أن يرفع أردوغان العلاقات التي قام بتحسينها مع السعودية والإمارات ومصر إلى مستوى أفضل، فالعلاقات لن تكون أسوأ مما هي عليه الآن على الأقل. وستحاول تركيا إيجاد حل وسط عندما يكون هناك تضارب في المصالح في المنطقة مع البلدان المعنية.

وبالمثل، فلن ترغب الدول العربية في مواجهة تركيا إذا كانت الظروف مناسبة، بل سيزيد التعاون، فعلى سبيل المثال يمكننا أن نشهد بيع الطائرة المسيرة التركية الشهيرة لمصر، ولن يكون من المستغرب حتى رؤية قاعدة عسكرية تركية في المملكة العربية السعودية.

ومن الناحية الاقتصادية، يمكن توقع استثمار المزيد من رؤوس الأموال العربية في تركيا. وستستمر العلاقات مع قطر على أعلى مستوى كما هي الآن؛ لأن حكومتي البلدين متفاهمتان جدًّا، وذلك بفضل الصداقة بينهما التي تطورت على مر السنين.

أما إذا فاز مرشح المعارضة كمال كليجدار أوغلو بالانتخابات، فمن المحتمل جدًّا أن يُنظر إلى منطقة الشرق الأوسط من خلال النظارات العلمانية القديمة، فهو وتياره الذي يمثله غير مهتمين بالدول العربية.

لن يسعى كليجدار أوغلو وحزبه لعلاقات جيدة أو سيئة مع العالم العربي، فنوع العلاقة التي يريدونها هو تجاهل العالم العربي. ومن المحتمل أن تتبنى الحكومة الجديدة موقفًا مماثلًا من العالم التركي؛ لأن الوقت أظهر أن الحكومات العلمانية في تركيا لا تحبذ التورط في أي صراع في العالم.

 

الفرار إلى أوربا

 

إذا أصبح كليجدار أوغلو رئيسًا، فيمكنه زيارة دمشق في أولى زياراته للخارج والتحدث عن عودة اللاجئين هناك، وسيقول الأسد إنه “يمكن لأي شخص أن يعود إذا أراد”، لكن اللاجئين سيرغبون في الفرار إلى أوربا بدلًا من سوريا لأنهم يعرفون ما سيحدث لهم. يمكننا أن نقول بسهولة: إذا خسر أردوغان فإن الخاسر الأكبر في العالم العربي سيكون 4 ملايين لاجئ سوري في تركيا. قلنا أعلاه إن حكومة كليجدار أوغلو تدير ظهرها للشرق الأوسط.

في الواقع، يبدو أنه ستكون هناك دول لن يدير كليجدار ظهره لها؛ فقد قال مرشح المعارضة في بيان صدر في 11 أبريل/ نيسان، إنهم سيؤسسون “منظمة السلام والتعاون في الشرق الأوسط”، التي تضم في عضويتها تركيا وإيران وسوريا والعراق. هذه البلدان الأربعة متجاورة، ولها سمة مشتركة أخرى هي أن أربعة من زعمائها (على افتراض أن كليجدار أوغلو هو الرئيس) ينتمون إلى الطائفة الشيعية أو الفروع المتفرعة منها. ورأى بعض المحللين أن ترشح كليجدار أوغلو كان طائفيًّا، وهذا يعيد إلى الذهن حقًّا أنه يريد إقامة وحدة طائفية مع المحيط الجغرافي.

وبناءً على ذلك فيمكننا القول إنه إذا أعيد انتخاب أردوغان، فستستمر تركيا في التأثير في المنطقة وتحافظ على علاقات دافئة مع الدول العربية، فأردوغان لا يريد استبعاد العالم العربي بسبب هويته الدينية. حتى عندما كان لديه مشاكل مع بعض البلدان، كان يفضل إبقاءها على مستوى الحكومات. ويمكن توقع استمرار هذا الموقف في المستقبل.

القضية الباقية هي ماذا سيكون موقف تركيا بقيادة أردوغان إذا كان هناك ربيع عربي جديد؟ من المحتمل أن يكون أردوغان أكثر حرصًا وسيرغب في التصرف وفقًا للظروف بدلًا من الانحياز إلى جانب ما مبكرًا.

من ناحية أخرى، سيضع كمال كليجدار أوغلو العالم العربي المجاور في أقصى ركن من أركان العالم في ذهنه. ربما لن يصدر صوتًا بشأن تطوير العلاقات التجارية؛ لأنه يفضل تجاهل الشرق الأوسط في السياسة الخارجية. وستستثنى من ذلك قطر كما أسلفنا، وبخلاف ذلك فلن يتأثر أي بلد أو مجتمع عربي بشكل سلبي.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان