غدا تُشرق الشمس على فلسطين

شروق الشمس في خان يونس جنوب قطاع غزة (غيتي)

كما في كل مرة، يشن فيها “جيش الاحتلال الإسرائيلي” حربا على قطاع غزة المُحاصر منذ 17 عاما، فإن الفشل يلاحقه في كسر وإضعاف إرادة المقاومة، وترميم أكذوبة “الردع” التي تتآكل باستمرار، مع التسليم بامتلاكه أقوى الأسلحة وتصنيفه المتقدم في الترتيب العالمي للجيوش القوية. إذ إن الردع بمعناه، والذي يريده الصهاينة الإسرائيليون هو ألا تكون هناك مقاومة لهم في الأراضي الفلسطينية المُحتلة، وأن يعتاد الفلسطينيون على تلقي الهجمات والضربات الإسرائيلية الغادرة والقتل والتشريد وهدم المنازل، من دون أي ردّ على العدوان.

مليونا إسرائيلي إلى الملاجئ.. وشلل تام للحياة

نجح الجيش الإسرائيلي في حربه الأخيرة على قطاع غزة المُسماة بعملية “السهم الواقي”، في اقتناص 11 من القادة العسكريين لـ”حركة الجهاد الإسلامية”؛ حسبما أعلنت سرايا القدس الجناح العسكري للحركة في بيان رسمي لها، اغتالتهم إسرائيل في غاراتها الأخيرة على القطاع. إسرائيل بدأت عدوانها بغارة شاركت فيها طائرات حربية ومُسيّرة، استُشهد خلالها ثلاثة من قادة سرايا القدس، وأفراد عائلاتهم في منازلهم. بعد ثلاثة أيام اندلعت الاشتباكات على مدار خمسة أيام (11- 14 مايو/ أيار) بين الجهاد، وجيش الاحتلال الإسرائيلي، وأطلقت “الحركة” أكثر من ألف صاروخ بمديات (جمع مدى) متباينة، على بلدات غلاف غزة الملاصق للقطاع، وحتى مناطق في قلب تل أبيب. وقد أسفرت الاشتباكات عن استشهاد 33 من المدنيين بينهم نساء وأطفال بالغارات الإسرائيلية على غزة، ومقتل إسرائيليين اثنين، وعشرات المصابين، وإصابة الحياة في المُدن الفلسطينية المُحتلة بالشلل التام، وهروب نحو مليوني إسرائيلي إلى الملاجئ، بفعل الصواريخ الفلسطينية.

 ملك بني إسرائيل.. والفشل لمقلاع داود

كما هو معُتاد فشلت منظومة القبة الحديدية (وهي نظام دفاع أرضي متحرك مُضاد للصواريخ والقذائف في مدى من 5 إلى 70 كيلومترا)، في التصدي لنحو 70% من صواريخ المقاومة. هذه المنظومة المتطورة يتكرر فشلها في مواجهة “صواريخ المقاومة” التي تتطور نوعيا لتكون أكثر دقة في إصابة أهدافها، وأبعد مدى، رغم فقر الإمكانات. الحال ذاته من الفشل لمنظومة “مقلاع داود” التي أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي استخدامها لأول مرة (مداها من 100 إلى 200 كيلومتر) في مواجهة الصواريخ الفلسطينية. وفقا للمعلومات المتاحة، فإن الصاروخ الواحد من مقلاع داود يكلف مليون دولار كما يكلف صاروخ القبة الحديدية نحو مئتي ألف دولار، في حين يكلف صاروخ المقاومة عدة آلاف من الدولارات. يرجع اختيار إسرائيل اسم “مقلاع داود” إلى النبي داود (عليه السلام)، وهو نبي من بني إسرائيل وفقا للديانة الإسلامية، وقد ورد ذكر قصته في القرآن الكريم وفيها أنه تحدى “جالوت” قائد جيش الأعداء، وقتله. إذ كان طالوت ملكا على بني إسرائيل في ذلك الوقت، ولاحقا صار النبي داود ملكا على بني إسرائيل.

وساطة مصرية لوقف إطلاق النار.. والأسير الشهيد خضر عدنان

توقف القتال بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، بوساطة مصرية شاقة، وجهود أثمرت اتفاقا للتهدئة، حيث أصدرت مصر بيانا يوم السبت الماضي أعلنت فيه تعهد دولة الاحتلال الإسرائيلي بعدم استهداف المدنيين والمنازل والأفراد في قطاع غزة، مقابل توقف حركة الجهاد عن إطلاق الصواريخ على البلدات والمدن الإسرائيلية. لماذا شنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي هذه الحرب على قطاع غزة؟ ولماذا استهدف “حركة الجهاد” تحديدا دون غيرها؟

كانت الاشتباكات قد اندلعت في الثاني من شهر مايو/ أيار الجاري، بين “حركة الجهاد” وإسرائيل ولم تدم طويلا، حيث أطلقت الجهاد صواريخ على إسرائيل ردًّا على استشهاد القيادي بالحركة الأسير خضر عدنان الذي أضرب عن الطعام 86 يوما كاملة داخل سجنه الإسرائيلي، دون رعاية طبية، وسبق اعتقاله 12 مرة بإجمالي 8 سنوات سجنًا.

عملية استخبارية دقيقة.. وثغرات النفاذ إلى القادة

“العدوان الأخير” على قطاع غزة، له أهداف متعددة، فهو ربما يستهدف في جانب منه، احتواء الغضب الداخلي، ومسلسل الاحتجاجات رفضًا لتعديلات النظام القضائي التي يسعى “رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو” لتمريرها؛ لأن تلك الاحتجاجات قد تؤدي إلى سقوط حكومته، التي يصفها معارضوها بأنها تغتال “الديمقراطية الإسرائيلية”. نقطة خطيرة جدا.. أن هذه الضربة المؤلمة جدا لكل مدافع عن وطنه، ليست وليدة الصدفة، ولا نتاجا عشوائيا للقصف الإسرائيلي الوحشي بالصواريخ وأطنان من القنابل من الجو، بل إنها عملية استخبارية دقيقة، استغرقت في إعدادها وتخطيطها والتحضير لها وقتا طويلا، وهو ما يبدو جليا من استهداف منازل القادة تحديدا، وأثناء وجودهم بمنازلهم. وهذا يعني أن إسرائيل وجدت هذه المرة، الظروف مواتية لتنفيذها في ضربة واحدة.. هناك احتمال بتورط عناصر بشرية بالقطاع في التعاون مع الاحتلال الإسرائيلي، فلا يمكن تنفيذ مثل هذه العملية وتحقيق أهدافها بمجرد الاستطلاع بالطائرات المسيّرة، ووسائل التجسس التكنولوجية المتقدمة؛ إذ يبقى العنصر البشري مهمًّا هنا. لا يمكن أيضا استبعاد فرضية الإهمال في اتخاذ إجراءات التأمين لهؤلاء القادة، وربما التراخي في الاحتياط أثناء تحركاتهم، واستخدام وسائل الاتصال من هواتف يمكن تتبعها وتوظيفها في تحديد مكان الشخص المُستهدف. الواجب دراسة الثغرات التي استغلتها إسرائيل للنفاذ إلى القادة الشهداء. على كل حال لم تنكسر المقاومة، وظل الردع الإسرائيلي متآكلا، كما أن هذه الضربة القاسية لم تنل من عزيمة وإرادة المقاومة في حركة الجهاد، وغيرها. لم تتوان الحركة رغم اغتيال قادتها في الرد، فكانت عملية “ثأر الأحرار” في مواجهة “السهم الواقي” الإسرائيلية. ردت الجهاد بأكثر من ألف صاروخ أي بأكثر من المُعتاد، رغم انفرادها في المعركة، وإن كان هناك تنسيق مع الفصائل الأخرى.

غدا تُشرق شمس التحرّر على فلسطين الأبية ورجال المقاومة النُبلاء، فهذا الكيان الغاصب مصيره إلى زوال.

رحم الله شُهداء العدوان الإسرائيلي الغادر.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان