التربية والضرب والاعتذار للأبناء

بكت ابنتي الصغيرة (14 عامًا) وهي تخبرني بـ”ابتزاز” أختها الطالبة الجامعية لها بعد أن شاهدتها ترى فيديو غير لائق؛ إذ أجبرتها على خدمتها مقابل ألا تخبرني بما رأته، “وتعبت” الصغيرة وفضلت الاعتراف؛ فلم أملك نفسي وضربت ابنتي الكبيرة.
كان هذا فضفضة أم على “جروب” نسائي شهير؛ الأسوأ مما اقترفته الأخت “المبتزة” كان ردود أمهات “استنكرن” الضرب وطالبن الأم بالاعتذار فورًا!!
نرفض استخدام الضرب وسيلة “دائمة” لتقويم سلوك الأبناء والبنات في كل الأعمار؛ لأنهم سيعتادونه ويتحدون الأهل ولن يؤثر فيهم، وسيدفعهم إلى التمرد أو إلى ادعاء الخضوع وارتكاب الأخطاء سرًّا “وإدمان” الكذب وما يتبعه من تشوهات في الشخصية وفقدان المشاعر “الحلوة” مع الأهل والتصرف بعدوانية خارج البيت لتعويض ما يحدث لهم أو الخضوع للآخرين “خوفًا” منهم.
الابنة الكبرى “أجرمت” في حق أختها الصغرى وتسببت في إيذائها نفسيًّا والأم تعرضت لصدمتين في الوقت نفسه وكانت صدمتها من الابنة الكبرى “أقسى”؛ إذ كان ينبغي أن تسارع إلى “احتواء” أختها وإخبارها بخطئها وليس “باستغلالها” واستعبادها مقابل عدم إخبار الأم وهذا يعني عدم اهتمامها بمصلحة أختها، وكان يجب مواجهة ذلك بعقاب “صارم” بعد الضرب لإشعارها بجرمها ولمنع تكراره.
تحدي الأهل
التربية هي كل ما يفعله أو يقوله الأهل ويؤثر في الأبناء والبنات وإن لم يهتم الأهل بتعمد التأثير الجيد فسيتركون للآخرين “الفراغ” الذي سيتحكمون فيه بالتأثير الضار ويدفع الجميع الثمن؛ فتكثر أخطاء الأبناء والبنات ويعاني الأهل في محاولات الإصلاح وما كان أغناهم عن ذلك لو اهتموا بحسن التربية لتقليل الأخطاء ما استطاعوا وليس منعها؛ فهذا غير واقعي، ولو زرعوا داخل الأبناء والبنات “كراهية” الاستمرار في ارتكاب الأخطاء والرغبة في “القفز” خارجها وليس تبريرها أو العناد وتحدي الأهل بمواصلة ارتكابها سرًّا أو علانية.
تهدف التربية إلى بذل كل الجهد والمثابرة والاهتمام لمنح الأبناء والبنات حياة سعيدة وإكسابهم شخصيات ناجحة وسعيدة وتوجيههم إلى صنع الأفضل، وطرد كل ما يسيء إليهم أولا بأول وتعليمهم “برفق” وبحزم وبتدرج وفقا لأعمارهم، حقوقهم وواجباتهم وحقوق الآخرين أيضا عليهم وكيفية التوازن بين ذلك ما استطاعوا بالطبع.
لا يوجد أبناء وبنات لا يخطئون سهوًا أو عمدًا ولو تكرر التحذير من الخطأ، ولا توجد تربية بلا عقاب؛ ومن يتناسى ذلك يصنع الخسائر بيديه.
عند تطبيق القانون لا يبدأ القاضي “أبدًا” بالعقوبة المغلظة وفي الكثير من البلدان فإن السابقة الأولى يتم حذفها عند عدم تكرارها من سجل المواطن، وعند عقاب الأبناء والبنات يجب طرد “أكذوبة” الاكتفاء بالثواب فقط؛ ولنتخيل إلغاء عقوبات المخالفات المرورية في العالم والاكتفاء “بامتداح” من لا يفعلونها؛ ألن تكثر الحوادث بل والجرائم أيضا للسرعة في القيادة؟
وصدق القائل: “من أمن العقاب أساء الأدب”، ولا ينطبق ذلك على الجميع ولكن القلة فقط من الكبار في كل زمان ومكان هم الذين “يختارون” فعل الصواب بإراداتهم لأنهم “يكرهون” الإساءة إلى أنفسهم بالخطأ؛ فما بالنا بالصغار الذين “يهربون” عادة من الالتزام بقوانين البيت بحكم صغر أعمارهم والرغبة العارمة في فعل ما يرغبون فيه بلا قيود.
الثابت بالواقع وبالدراسات الحديثة والقديمة أنه في غياب “الردع” في البيوت تتضاعف المشاكل، ومن يتجاهل ذلك يكون كمن “يتجاهل” إطفاء شرارة صغيرة على سجادته فتنتشر بسرعة وتلتهمها ويبذل جهدًا مؤلمًا لمنع زيادة الخسائر التي صنعها بيديه لما “توقع” انتهاء النار الصغيرة من تلقاء نفسها؛ ولا شيء سيّئا بالكون ينتهي من دون بذل جهد “للإجهاز” عليه. أليس كذلك؟
نطالب بالعقاب الذي يتناسب مع الخطأ فلا يكون أقل فيستهين من تعرض له به ولا مبالغا فيه فيشعر بالظلم وبأن الأهل يتصيدون له الأخطاء لإيلامه فتسوء علاقته بهم.
شروط اعتذار الأهل
الاعتذار للأبناء والبنات مطلوب عند الخطأ غير المقصود حتى نعلمهم مخاصمة الكبر وعندما لا نستطيع الوفاء بوعد لظروف خاصة لتعليمهم احترام الوعد، ومرفوض بعد العقاب.
ننبه إلى خطورة الاعتذار بعد العقاب؛ فسيزرع داخل من تعرض له أن الأهل “تسرعوا” بالعقاب وأنه لم يخطئ أو أن الخطأ كان “تافهًا” وأنهم بالغوا في معاقبته، أو أنهم كانوا غاضبين لأسباب لا تخصه “وتخلصوا” من غضبهم بعقابه وستهتز ثقته بهم وتقل “رغبته” في الاستماع إلى النصائح منهم فضلًا عن تنفيذها وسيبرر بسهولة لنفسه سوء تعامله معهم؛ فهل هذا ما يرغب فيه الأهل؟
الاعتذار يعني التراجع عما فعلناه والعزم على عدم تكراره تحت أي ظرف “ورجاء” وانتظار عفو الطرف الآخر عما أوقعنا به من “ظلم” أو تجاوز في حقه؛ فأي ظلم للبنت المبتزة؟ ولكل من يتعمد الخطأ “ويستحق” العقاب.
نرفض التجاوز في عقاب الأبناء والبنات ونطالب بالتريث قبل إعلان العقاب والتحكم في الغضب وطرد الرغبة في الانتقام؛ فالعقاب يهدف للتهذيب وليس للتعذيب، ونفضل تجنب الضرب إلا عند استنفاد كل الطرق الأخرى وعند ارتكاب خطأ لا يصح التساهل معه ولْيكن الضرب “استثنائيا” ورادعًا بكل ما تعنيه الكلمة.
فإذا تكرر فقد معناه وقد يصيب من يتعرض له بالتبلد وبعدم احترام الذات وأحيانا يصل الأمر إلى “تعمد” استفزاز الأهل عند ضربهم له وكأنه يقول لهم: الأمر لا يضايقني!! فيكون الرد “المرفوض” زيادته والصراخ وشتمه بكلمات مؤلمة ويدخل الأهل معه في “صراع” حاد، في حين أن التربية هي “أهل” يؤدبون وليس يصارعون؛ فالصراع به ندية يجب أن تخلو منها تماما التربية بكل مراحلها.
حتى “لا” يضطر الأهل إلى الاعتذار؛ عليهم الانتباه إلى ما يقولونه وعندما يمرون بظروف سيئة كما يحدث للجميع أحيانا، فيجب إخبار الأبناء والبنات بكل الأعمار بأنهم يحتاجون إلى الانفراد بالنفس وعليهم الابتعاد ومنع أي أسباب للانزعاج ومن يخالف ذلك يجب عقابه بحرمانه مما يحب وعدم التراجع حتى يعتاد على احترام مشاعر وظروف أهله.