جامعة العالم أحيت ذكرى النكبة.. فماذا فعلت جامعة العرب؟

يوم الاثنين الماضي، الموافق 15 من شهر مايو الجاري، أحيت منظمة الأمم المتحدة الذكرى الـ75 لنكبة الشعب الفلسطيني، وذلك في بادرة هي الأولى من نوعها منذ عام 1948، جاءت عملية إحياء الذكرى بناء على قرار تمت المصادقة عليه في ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، صوتت لصالحه 90 دولة، وامتنعت 47، وعارضته 30 دولة، من بينها الولايات المتحدة وبريطانيا وإيطاليا والبرازيل وألمانيا واليونان، ومعظم دول الاتحاد الأوربي!!
بالتأكيد المناسبة كانت مهمة لتأكيد قرارات الشرعية الدولية التي لم تنفّذ أبدًا منذ بداية صدورها وحتى الآن على مدى 75 عامًا، وفي مقدمتها القرار 194 الذي قضى بحق عودة اللاجئين، والقراران 238 و 242 وغيرهما من القرارات التي تؤكد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وانسحاب دولة الاحتلال إلى حدود الرابع من يونيو 1967، وهي القرارات التي أصبحت في طي النسيان، خصوصًا بعد اتفاقيات كامب ديفيد، وأوسلو، والمبادرة العربية، وغيرها من مفاوضات عبثية لم تسفر عن أي تطور يتعلق بالقضية الفلسطينية على أرض الواقع، اللهم إلا انسحاب قوات الاحتلال من غزة تحت وقع ضربات المقاومة.
احتفالات الأمم المتحدة
إلا أن اللافت للنظر، هو أن احتفالية المنظمة الدولية الأولى، وهي الأمم المتحدة، تزامنت مع صمت، ليس في العواصم العربية فقط، إنما في المنظمة الإقليمية العربية الأولى أيضًا، وهي جامعة الدول العربية، بما يشير إلى تراجع القضية الفلسطينية عربيًا على المستوى الرسمي، وتقدمها دوليًا، خصوصًا بعد أن تلقت محكمة العدل الدولية، في يناير/كانون الثاني الماضي طلبًا رسميًا من الجمعية العامة للأمم المتحدة لإبداء الرأي بشأن العواقب القانونية لاحتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية، وهو الطلب الذي قاومته إسرائيل ونددت به بشدة، وعارضته أيضًا الولايات المتحدة وعدد من دول الاتحاد الأوربي.
أعتقد أنه يجب التأكيد دومًا، أن نكبة 1948 ليست فلسطينية فقط، إنما هي نكبة عربية بالدرجة الأولى، ناهيك من أن المواقف العربية منذ بداية الأزمة وحتى الآن، كانت سببًا مباشرًا في تلك النكبة، ولو أن القضية ظلت فلسطينية فقط، لما وصلت الأوضاع إلى ما هي عليه الآن، والتي بلغت إلى حد عدم اهتمام جامعة العرب -ولو من حيث الشكل- بالقضية، نزولًا على مواقف بعض الدول الأعضاء التي أصبحت تهرول الواحدة تلو الأخرى إلى إقامة علاقات مع دولة الاحتلال، بعضها سرًا، وبعضها في العلن.
من هذا المنطلق أدعو جامعة الدول العربية، وفي محاولة لتصحيح الأوضاع، إلى إطلاق مسمى (النكبة العربية) على هذه الذكرى، واتخاذ قرار على المستوى الوزاري بإحيائها سنويًا في العواصم كلها دون استثناء، أملًا في إيقاظ الضمير العربي من جهة، وتبصير الأجيال الجديدة بقضايا أمتهم من جهة أخرى، مع الوضع في الاعتبار أن أمر القضية الآن أصبح بيد المقاومة فقط، بمعنى أنها لم تعد في حاجة إلى العرب إلا من حيث الدعم الشكلي فقط في الأروقة والمنتديات الدولية، بعد أن غُلت يد الجميع عن المساعدة العسكرية، وأحيانًا المادية والاقتصادية أيضًا.
الغريب في الأمر، هو أن ذلك التراجع الرسمي العربي عن دعم الحق الفلسطيني، يأتي في وقت تشهد فيه القضية دعمًا شعبيًا في الكثير من بلدان العالم، ورسميًا أيضًا في العديد من البرلمانات والمنظمات، ومن شخصيات سياسية نافذة وعلمية ذائعة الصيت، بعد أن انكشفت عمليات الخداع والتشويه التي عاشتها شعوب العالم كل هذه العقود، من خلال إعلام استعماري وإمبريالي، وجماعات ضغط صهيونية في العديد من الأنحاء، وهو الأمر الذي يجب التوقف أمامه بالنظر والدراسة، للوقوف على حجم الاختراقات التي شهدتها الساحة العربية سياسيًا وإعلاميًا، وربما عقديًا في السنوات الأخيرة تحديدًا.
إعادة طرح القضية
الشواهد كلها تؤكد أن المرحلة الحالية تمثل أرضًا خصبة من الوجوه جميعها، لإعادة طرح القضية الفلسطينية سواء على المنتديات والمنظمات الدولية، أو في الشارع الأوربي والأمريكي بشكل خاص، ذلك أن مرحلة تحولات عظمى يشهدها العالم الآن سياسيًا واقتصاديًا وماليًا، كما أن الاهتمام بمنطقة الشرق الأوسط ككل يتراجع أيضًا، مع تراجع الاعتماد على نفط المنطقة خصوصًا، بينما تطرح الكثير من القضايا الأخرى نفسها على الساحة، بدءًا من تمدد النفوذ الصيني في الكثير من البقاع، وأيضًا النفوذ الروسي، وتعاظم القوة النووية الكورية الشمالية، وتنامي قوة الهند وإيران وتركيا، وغير ذلك من القضايا، التي أصبحت تشكل أولوية أكثر أهمية لدى الدول الداعمة لإسرائيل تاريخيًا.
ومع تنامي قوة التنظيمات الفلسطينية المسلحة، وفي مقدمتها حركتا حماس والجهاد في غزة، وما تمثلاه من تهديد حقيقي للكيان المحتل، بعد وصول صواريخ الحركتين إلى أبعد مدى هناك (٢٤٠ كيلومترًا)، يصبح الحديث عن أمن إسرائيل ضربًا من الخيال، يجب التعامل بمقتضاه مع الحالة في المحافل الدولية كلها، وهنا يأتي دور جامعة الدول العربية بالدرجة الأولى، إذا كانت بالفعل تنشد دورًا يتناسب مع ما ينشده منها المواطن العربي من المحيط إلى الخليج.
ذكرى النكبة أيها السادة، ومن خلال منظمة الأمم المتحدة، جاءت هذا العام لتسهم في تعرية بعض العواصم العربية وجامعتهم على السواء، إلا إنها في الوقت نفسه يمكن أن تمثل بداية جديدة للتعامل مع القضية ككل من منظور مختلف، يمكن أن ينتشل العرب من حالة التشرذم الحالية، بالالتفاف حول قضية عادلة من بين قضاياهم العديدة المطروحة على الساحة، ما بين صراعات سياسية، وأخرى عرقية، وثالثة طائفية، وجميعها في النهاية نتاج إخفاقات مزمنة في التعامل مع المواطن وحقوقه المشروعة، ألقت بظلالها على الموقف العام المتخاذل في المحافل الإقليمية والدولية، وهنا تكمن المشكلة.