كليوباترا.. الفيلم والممثلة الإسرائيلية.. هل كانت الملكة المصرية سمراء؟

كيلوباترا كما ظهرت في منصة نتفليكس (Netflix)

حددت منصة نتفليكس (Netflix) الأمريكية للبث الرقمي، يوم 10 من شهر مايو/ أيار الجاري، موعدا لعرض الفيلم الوثائقي “الملكة كليوباترا” بطولة الضابطة بجيش الاحتلال الإسرائيلي (سابقا)، الممثلة الصهيونية جال جودت. البرومو الترويجي للفيلم أثار غضبا مصريا واسعا، لظهور البطلة (الملكة المصرية كليوباترا) بملامح أفريقية وبشرة سمراء. وزارة السياحة المصرية اعتبرت الفيلم مُسيئًا للحضارة الفرعونية، وأكدت في بيان رسمي أن “كليوباترا” كانت ذات بشرة فاتحة اللون، وملامح هيلنستية (يونانية)، واستشهد البيان بتماثيلها وأصولها المقدونية. الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار الدكتور مصطفى وزيري وصف هذه الهيئة للبطلة بأنها “تزييف للتاريخ”، ولا سيما أن “الفيلم” وثائقي وليس عملا دراميا، وهو ما يحتم تحري الدقة ومراعاة الحقائق التاريخية والعلمية.

المرأة اللعوب التي حيرت التاريخ

ملكة مصر “كليوباترا السابعة” موضوع فيلم نتفليكس، تُعد نموذجا للقصص التي تختلط فيها الحقائق بالأساطير، فهي في خيال المبدعين وكثيرين غيرهم، امرأة جميلة ساحرة لعوب، تستغل أنوثتها وجمالها لتحقيق أحلامها، ومثار جدل بين “المؤرخين”، فالكتابات الرومانية القديمة لا تخلو من التحيز لها أو ضدها، ولم تتناول جمالها، وإنما وصفها بأنها مصرية. ولدت الملكة كليوباترا عام 69 قبل الميلاد تقريبا، ورحلت عن عمر 40 عاما، أي منذ أكثر من ألفين و50 عاما، ولها إنجازات وآثار ومعابد. يصفها الخبير الأثري بسام الشماع في كتابه “كليوباترا بين الحقيقة والأسطورة” الصادر عام 2016 عن هيئة الكتاب المصرية (حكومية)، بأنها “المرأة التي حيرت التاريخ”، ويذكر أنها لم تكن جميلة، وأن سحرها يكمُن في ثقافتها الواسعة، وقوة وجاذبية شخصيتها، وكلامها المعسول.

سليلة البطالمة عشيقة يوليوس قيصر.. وغرام مارك أنطونيو

“كليوباترا السابعة”، سليلة البطالمة أو البطالسة، الذين حكموا مصر نحو 275 عاما، خلفا لملك مقدونيا (التابعة لليونان وقتها) الإغريقي “الإسكندر الأكبر”، الذي تتلمذ على يد الفيلسوف اليوناني أرسطو. الملك الإغريقي (الإسكندر) قاد حملة عسكرية على بلاد الفُرس، وحكم مصر، وبنى مدينة الإسكندرية، قبل وفاته (323 ق. م)، ليخلفه في “الحُكم” قائد جيشه “بطليموس”، ثم أولاده من بعده، وصولا إلى بطليموس الثاني عشر، ثم ابنته كليوباترا التي كانت آخر ملوك هذه السلالة.. وبعدها احتل الرومان مصر (30 ق. م). “ملكة مصر” تزوجت أخاها بطليموس الثالث عشر (زواج المحارم كان مُتاحا)، ليحكما مصر عام 51 ق. م، خلفا لوالدهما بطليموس الثاني عشر، لكن الخلافات دبت بينهما سريعا، وتَحاربا.. استعانت الملكة على زوجها بـ”يوليوس قيصر” إمبراطور روما، الذي اتخذها عشيقة، وأنجبت منه قيصرون، وأعادها إلى حكم البلاد، بعد مقتل زوجها (أخيها). “كليوباترا” أوقعت الموفد من “قيصر” لحماية مُلكها، القنصل والقائد الروماني “مارك أنطونيو” في غرامها، بما أدى لخسارته رعاية روما، وهزيمته في معركة “أكتيوم” اليونانية، ضد أوكتافيوس صراعًا على سلطة الدولة الرومانية التي رغبت فيها كليوباترا، فانتحر أنطونيو، ولحقته الملكة المصرية.

 الملكة كليوباترا وثائقي، أم خيالي.. أدوات السرد السينمائي والتسويق

نتفليكس (Netflix)، تنصلت من “وثائقية” الفيلم الذي سبق أن أعلنتها، احتواءً لغضب المصريين، وادعت أنه فيلم خيالي.. هذا المسلك مُعتاد، فـ”صناع الأفلام الوثائقية” يزعمون أحيانا أن أفلامهم خيالية إن كانت هناك خشية من ردة فعل، فإذا جاء القبول حسنا، عادوا ليعترفوا بأنها وثائقية. كذلك صناع الدراما عندما تكون قصتهم عن شخصيات حقيقية في الحياة، فيكتبون في مقدمة العمل الفني أن الشخصيات من وحي الخيال، وأي تشابه مع الواقع هو صدفة محضة.. كلهم صناع الدراما والوثائقيات يعنيهم وصول الرسالة المستهدفة إلى المتلقي. استنادًا إلى الناقدة السينمائية الأمريكية، أستاذة الإعلام باتريشيا آن أوفدرهايدي (المولودة عام 1948م)، في كتابها “الفيلم الوثائقي مقدمة قصيرة جدا”، المُترجم لصالح مؤسسة هنداوي، فالفيلم الوثائقي هو “تجسيد فني للواقع”. إذن ما دامت الأفلام الوثائقية “تجسيدا وسردا فنيا” للواقع، فهي تتأثر حتما بأدوات ووسائل السرد السينمائي من تصوير ومونتاج ومؤثرات وموسيقى تصويرية وحوار وخِدع، وغيرها من التقنيات الحديثة، التي هي نفسها وسائل الفيلم الروائي أو الدرامي. الوثائقيات -شاءت أم أبت- تخضع لاعتبارات التسويق، فتهتم بتوفير الجاذبية للمشاهد في كل ثانية من الفيلم.

 رسالة إلى العالم.. والممثلة الصهيونية وتزييف التاريخ المصري

عودة للفيلم المشكلة (الملكة كليوباترا).. هل “بشرة” كليوباترا هي القضية؟.. ماذا يضيرنا أنها كانت سمراء أم بيضاء؟ وأنها كانت جميلة أم دميمة؟.. ثم إنه لم يتسنّ لشاهد عيان رؤيتها، وإخبارنا بمواصفاتها.. في الحالين، فهي من سلالة مُحتلين لمصر. كذلك لم يتم العثور على قبرها، وجثمانها حتى الآن، لأنه لو حدث هذا فيمكن بواسطة الحامض النووي، الوقوف قطعيا على انتمائها العرقي، ومعرفة هل هو يوناني أم أفريقي أم غيرهما.

“متحف نيوكاسل” البريطاني كان قد عثر على عملة مضروبة في أنطاكية (مدينة تركية حاليا) عام 36 ق. م، وعلى وجهيها صور مارك أنطونيو، و”كليوباترا”، وتبين أنها لا تتمتع بأي قدر من الجمال. وقد عزز فرضية أنها قد تكون أفريقية. القضية الأهم هي في مضمون الفيلم الذي لن نعرفه قبل عرضه الأسبوع القادم.. هل سيلتزم بالوقائع التاريخية أم يجنح إلى التزييف. ما يثير القلق هو أن بطولة الفيلم للمجندة الصهيونية السابقة ملكة جمال إسرائيل (عام 2004)، جال جودت (البيضاء البشرة)، الداعية إلى قتل الفلسطينيين، التي قد تكون منخرطة في الجهود الإسرائيلية الدؤوبة لتزييف التاريخ المصري، على غرار الزعم بأن اليهود شاركوا في بناء الأهرامات. من الجيد أن قررت فضائية الوثائقية المصرية، إنتاج وثائقي عن “كليوباترا”.. ليت القائمين على هذا “الفيلم المُنتظر”، يراعون الدقة والاستعانة بالمؤرخين المتخصصين، ويتذكرون أنه رسالة إلى “العالم الخارجي”، ناطقة بلُغاته، وليس فيلما لتسلية أنفُسنا.

نسأل الله السلامة لمصر.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان