نعم سيفوز أردوغان في الانتخابات وهذه هي الأسباب!

سؤال الساعة ليس في تركيا فقط ولكن في معظم دول المنطقة العربية والشرق الأوسط، بل ولدى العديد من الأطراف الدولية، من سيفوز في الانتخابات التركية التي ستشهدها البلاد في الرابع عشر من مايو/ آيار 2023، وتبدأ قبل ذلك بأسبوعين بين الأتراك في الخارج؟
وتأتي أهمية هذه الانتخابات من كونها تتم في سياقات متعددة داخلياً وإقليمياً ودوليًا، وتشهد منافسة كبيرة سواء بين الأحزاب والتحالفات الرئيسية للسيطرة على مقاعد البرلمان (600 مقعد)، أو بين الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان مرشح تحالف الجمهور، والذي يخوض انتخابات قد تكون الأخيرة له، وفقاً للعديد من الاعتبارات الذاتية والموضوعية، وتحالف الشعب الذي يقوده رئيس حزب الشعب الجمهوري، كمال كليشدار، والذي يُعبر عما تشَّكل في تركيا تحت مسمى “الطاولة السداسية”.
ومع تعدد نتائج استطلاعات الرأي التي تقوم بها العديد من المؤسسات المتخصصة داخل تركيا وخارجها، ومع تضارب نتائجها بين الحين والآخر، إلا أنني، وكخطوة استباقية، سأتبنى في هذا المقال ترجيح سيناريو فوز الرئيس أردوغان، مستندًا إلى عدد من الاعتبارات الأساسية الموضوعية وليس من باب الأماني والرغبات السياسية التي ينطلق منها البعض في التعاطي مع الانتخابات التركية.
جوهر العملية الانتخابات
إن العملية الانتخابية في أية دولة ديمقراطية، أو على الأقل تتوفر فيها الشروط الأساسية للممارسة السياسية، التي تتمثل النزاهة والتنافسية والتعددية وحرية الإعلام واستقلال القضاء وفعالية وحيوية المنظمات الرقابية، وكذلك اتساع حجم المشاركة السياسية وثقة الناخبين في نظامهم الانتخابي. هذه العملية تتم في إطار بيئة داخلية وخارجية، وتتم بين عدد من الأطراف، ولذلك يتطلب التحليل الدقيق لها بين السياقات والعوامل النابعة من البيئة ومن الأطراف التي تدعم وجهة نظري القائمة على ترجيح فوز الرئيس رجب طيب أردوغان، وذلك على النحو التالي:
كاريزما أردوغان
العامل الأول: الكاريزما السياسية التي يتمتع بها أردوغان والتي تعززت خلال ثلاثة عقود من العمل السياسي المباشر سواء من خلال رئاسته لبلدية إسطنبول، والتي هي بمثابة دولة داخل الدولة، أو من خلال رئاسته لمجلس الوزراء في ظل النظام البرلماني، أو رئاسته للجمهورية في ظل النظام الجمهوري، بعد تعديلات 2017. هذا الكاريزما يعززها حضور وتلقائية ولغة خطابية حاسمة وواضحة وخبرات وقدرات شخصية ولغة جسد تطورت بفعل مئات المواقف والتجارب التي مر بها أردوغان خلال رحلته السياسية.
وإن كان المنافس الرئيس لأردوغان، وهو كمال كليتشدار، يمتلك في المقابل درجة من درجات الكاريزما السياسية، بحكم خبراته الشخصية ومكانة حزبه في الحياة السياسية التركية، إلا أن الأمر عنده ليس بنفس الدرجة عند أردوغان، وإن كانت لغة خطاب كليتشدار قد تطورت كثيراً خلال المرحلة الماضية وخاصة تجاه شريحة الشباب، إلا أن الفروق ما زالت واضحة لصالح أردوغان وخطابه السياسي والإعلامي.
العامل الثاني: قوة الأحزاب ودرجة الالتزام الحزبي، حيث يتسم أنصار حزب العدالة والتنمية، أكبر الأحزاب السياسية في تركيا خلال العقدين الماضيين، سواء من حيث عدد المنتمين للحزب أو عدد مقاعده في البرلمان في كل الانتخابات السابقة، بدرجة عالية من الالتزام الحزبي، وصعوبة التصويت لأحزاب أخرى، بغض النظر عن طبيعة الأوضاع السياسية والاقتصادية في البلاد، ومع امتداد الحزب وانتشاره الكبير في معظم الولايات، وتجاوز عدد أعضائه حاجز العشرة ملايين عضو، بجانب أسر الأعضاء والدوائر التي يمكنهم التأثير فيها، فإن ذلك يشكل أحد أهم أوراق القوة الداعمة للرئيس أردوغان في الانتخابات القادمة.
يدعم هذا العامل أيضا ثبات تحالف الجمهور الذي يقف خلف حزب العدالة والتنمية، وقدرته على حشد نسبة مهمة ومؤثرة من الأصوات تتراوح بين 10 إلى 15% من الأصوات على الأقل، تزيد من فرص أردوغان.
انقسامات المعارضة وتعدد المرشحين
العامل الثالث: انقسامات المعارضة السياسية، فرغم قوة الطاولة السداسية، وقدرتها على التنسيق السياسي خلال العام الأخير، إلا أن هناك خلافات سياسية حقيقية بين مكوناتها الأساسية، وهذه الخلافات تظهر بين الحين والآخر، عبر الوسائل الإعلامية، وظهورها من شأنه التأثير سلباً على الناخب التركي نحوها، وخاصة أن الغالبية العظمى من الأتراك لديهم خبرة سلبية تجاه الحكومات الائتلافية، التي عانت منها البلاد قبل 2002، وشكلت سبباً رئيسياً من أسباب عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
وفي إطار هذا العامل أيضاً يبرز تأثير وجود عدد من التحالفات الأخرى مثل الأجداد وتحالف العمل والحرية وغيرهما، وكذلك وجود مرشحين على منصب الرئاسة مثل محرم إنجة رئيس حزب البلد المنشق عن حزب الشعب الجمهوري، وسنان أوغان مرشح تحالف الأجداد، وخطابه القومي المتشدد وخاصة تجاه قضايا اللاجئين. ومن وجهة نظري أن تعدد التحالفات وتعدد المرشحين يزيد من فرص أردوغان وليس العكس، لأنه مع ثبات واستقرار الكتل التصويتية لأردوغان وتحالفه، يؤدى التعدد والانقسام في الطرف المنافس إلى إضعاف فرص المعارضة في الانتخابات.
الثقة السياسية والمشروعات الكبرى
العامل الرابع: تداعيات كارثة الزلزال، وعامل الثقة السياسية، فمن واقع معايشة سياسية للأوضاع في تركيا خلال السنوات الماضية، يمكنني القول إن هنا درجة ثقة عالية لدى المواطن التركي في قدرة أردوغان على إدارة الأزمات ومواجهة التحديات التي يمكن أن تمر بها البلاد، وخاصة مع تعاطيه المباشر وإجراءاته المتسارعة في التعامل مع كارثة الزلزال الذي ضرب 11 ولاية من ولايات الجنوب، تبلغ حصتها 96 مقعدًا في البرلمان التركي من إجمالي 600 مقعد وهو رقم يقترب من رقم إسطنبول التي تبلغ حصتها 98 نائباً.
يعزز من هذا العامل، تعدد الأزمات التي مرت بها تركيا خلال العقدين الماضيين ونجحت إدارة أردوغان في التعاطي معها، لعل أبرزها محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو 2016، والأزمات الاقتصادية المتتالية، فتركيا رغم التراجع الكبير في عملتها وارتفاع معدلات التضخم، إلا أنها تبقى بين الدول الاقتصادية العشرين الكبرى على مستوى العالم، وجاء شهر أبريل 2023، ليكشف عن عدد من المشروعات العملاقة التي تم افتتاحها، في رسالة مواجهة للداخل والخارج تؤكد على ما يمكن لنظام أردوغان القيام به.
العامل الخامس: تفكيك القضايا الخلافية وإضعاف قدرات المعارضة على المناورة بها: فقد استخدمت المعارضة عدداً من الأوراق الأساسية للضغط على النظام وإظهار فشله في إدارتها، مثل ورقة العلاقات الخارجية وتوتر العلاقات مع عدد من دول الجوار التركي، لذلك بدأ النظام سياسات تطبيعية مع معظم -إن لم يكن كل- الدول التي شهدت هذا التوتر مثل العراق ومصر وسوريا والسعودية والإمارات، بل أيضا: إسرائيل واليونان.
وورقة اللاجئين وخاصة السوريين، والتي قام النظام بمحاولة تفكيك حجج وأسانيد المعارضة فيها سواء من خلال مشروعات العودة الآمنة للسوريين إلى المناطق الآمنة في شمال سوريا، أو من خلال الإعلان عن لقاءات وحوارات مع نظام بشار للتسوية السياسية برعاية إقليمية عربية، خففت بدرجة كبيرة من تأثير هذا الملف على المنافسة الانتخابية.
وورقة الاقتصاد، وتدهور العملة وارتفاع التضخم والأسعار، وهو ما دفع بالرئيس التركي للعمل على استقرار سعر الليرة، خلال الأشهر الثمانية الأخيرة لتتراوح بين 18.5 و19.4 ليرة للدولار الواحد، ثم قيامه برفع الحد الأدنى للأجور مرتين خلال العام الواحد في يناير ويوليو 2022، ثم في يناير 2023، وإعلانه عن رفعه في يوليو 2023 كذلك.
ثم إعلان أردوغان عن تدشين استخراج الغاز الطبيعي من البحر الأسود، وربطه بشبكة الغاز الرئيسية في البلاد، وإعلان توفيره شهراً مجانياً لكل المواطنين، ولمدة عام لبعض الاستخدامات المنزلية، والغاز من أهم أوراق التأثير في حياة المواطن التركي، حيث تُشكل فاتورة الغاز أحد أهم مصادر النفقات لدى المواطنين، وبالتالي يشكل هذا الإعلان مصدراً من مصادر التأثير الإيجابي لصالخ أردوغان.
للخارج أيضاً تأثيره
العامل السادس: السياق الإقليمي والدولي، حيث تشهد معظم الدول انهيارات وأزمات سياسية واقتصادية حقيقية، بل إن معظم الدول الأوربية تعاني من هذه الأزمات، والتي تفاقمت على خلفية أزمة كورونا التي ضربت العالم عامي 2020 و2021، أو تداعيات الأزمة الأوكرانية بعد الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022، وتداعياتها المستمرة على اقتصادات معظم دول العالم، وظهور تركيا في موضع الشريك الموثوق من طرفي الصراع (روسيا والغرب) في التعاطي مع الأزمة، وحاجة هذه الأطراف للاستقرار السياسي في تركيا، لضمان استمرار الدور التركي في إدارة الأزمة.
يعزز من هذه الحضور والتأثير السياسات التطبيعية والتصالحية التي تبناها نظام أردوغان تجاه السعودية والإمارات والإعلان عن اتفاقيات تعاون وشراكة بعشرات المليارات من الدولارات، وكذلك تعدد الزيارات بين المسؤولين الأتراك مع المسؤولين من مصر وسوريا، وهو ما يزيد من ثقة الشعب في قدرات أردوغان على اجتذاب استثمارات والبدء في مشروعات مشتركة مع هذه الدول، من شأنها تحسين الوضع الاقتصادي في البلاد الذي يشكل أكبر تحدٍ لأردوغان في الانتخابات القادمة.
وبناء عليه، وأمام هذه الاعتبارات وغيرها، والتي لا يتسع المقال لذكرها تفصيلاً، ومع إدراك حجم وطبيعة التحديات التي تواجه أردوغان، وأن هذه الانتخابات ليست كسابقاتها، وأن المنافسة فيها مختلفة بالفعل، إلا أن قناعاتي الشخصية تتجه نحو تأكيد فوز الرئيس أردوغان في هذه الانتخابات، ومن الجولة الأولى.