احتجاجات صينية.. حلق رؤوس النساء و”أنتخة” الشباب!

احتفالات نسائية في الصين ببلوغ سن الزواج

 

فجوة الثروة الآخذة في التزايد بين أفراد المجتمع الصيني، إلى حد قتامة المشهد، دفعت الشباب إلى ابتكار أنواع جديدة من الاحتجاج ضد السلطة والمجتمع. تبنى شباب جيل القرن العشرين Gen Z، ظاهرة “مو ييه” Mu` Yu، وتعني باللغة الصينية لفظيا “لمس الأسماك”، وترادف التباطؤ المتعمد في العمل، أو ما يُعرف بين شباب العرب بـ”الأنتخة” والتكاسل، بأن تتظاهر بالعمل، ومع ذلك تحوله إلى فوضى لتضييع الوقت وتحقيق منفعة شخصية.

يشترك في ظاهرة التباطؤ “slacking- off” الذكور والإناث، ممن يعترضون على المعايير الاجتماعية بشأن قيمة العمل والإنتاجية، في ظل قناعتهم بأنهم مهما بذلوا من جهد، فلن يُمكّنهم المجتمع من الترقي في الرواتب والسلم الوظيفي أو الاجتماعي، بينما يدفع عملهم الشاق رؤساءهم إلى جني ثروات طائلة، ويصنع مليارديرات جددا، أصبحوا أكثر عددا عالميا، في ظاهرة لم تشهدها الصين من قبل.

الجميلة والجريء

تبنت الفتيات قضية أكثر جرأة، عبّرن عنها بحلق شعورهن لتصبح في حدود سنتيمتر واحد، واختارت بعضهن أن تصبح صلعاء تماما. تتحدى النساء “واجب الجمال” (Beauty Duty) بقصات شعر صارخة، ضد المعايير التقليدية. تعاني المرأة تفاوت الأجور مع الرجال، وإذا تزوجت تواجه صعوبة الحصول على الخدمات الصحية والتأمين الاجتماعي، وإذا أنجبت تُجبَر على ترك العمل، أو تتعرض لخفض مستحقاتها، بينما الدولة تريدها أن تصبح ماكينة لزيادة معدل المواليد، لمواجهة التراجع الحاد في عدد السكان، الذي يهدد نموها الاقتصادي.

يفتخر النظام الشيوعي بالصعود النسوي. نص الدستور على المساواة بين الجنسين، وحافظ على دور للمرأة كمساعد للقادة، ببداية الثورة الشيوعية، إذ وظفها في إحداث انقلاب بمنظومة القيم الدينية والاجتماعية، ونصّبها على قمة الهرم العائلي، بعد أن كانت تابعة للأب أو الزوج.

اشتراكية “حبر على ورق”

انفرط الدعم السياسي للمرأة أخيرا، بعد تحوّل النظام الشيوعي إلى رأسمالية متوحشة، فلم تعد ممثلة بالوزارة أو عضوية لجان كبار المسؤولين في الحزب، فالاشتراكية التي يروجها الرئيس شي جين بينغ أصبحت مجرد “حبر على ورق”.

لاحق الشيوعيون المرأة لمنعها قسرا من الحمل بدون إذن السلطة، منذ 1979 ولمدة 30 عاما، وحرمانها من الوظائف القريبة لسكنها أو عائلتها، حتى غدت غير مهيأة إلا لأعمال شاقة وبعيدة، معروفة بين الشباب بـ”996″، وتعني العمل من التاسعة صباحا حتى التاسعة مساء، ولمدة 6 أيام في الأسبوع، وهي رقم استدعاء إسعافات الطوارئ والإنقاذ الطبي، الذي يطلبونه لمن يُتوفون أثناء ساعات العمل المفرطة.

أطول شعر للنساء

دعتنا الحكومة الصينية ذات مرة إلى التعرف على مشروعات التنمية في المناطق الريفية، التي انتقلت من الفقر المدقع إلى بحبوحة العيش عام 2015. شملت الجولة محافظتي قويتشو وقوانغتشي الواقعتين بين جبال وعرة وبحيرات مائية جنوبي البلاد، تسكن على ضفافها قومية “مياو ياو” التي ظلت معزولة عن العالم حتى القرن الماضي.

تُعرف قرى الماويين المتناثرة على مساحة ضيقة، بأنها مهد الفنون الشعبية الصينية، لما تحمله من عبق فني بملابس النساء وحلي من الفضة يضعنها فوق رؤوسهن، بوزن يصل إلى 13 كيلوغراما. شاهدنا احتفالا بقرية “هوانغلو” المجاورة، بمناسبة ذكرى تسجيل بنات “الياو” بموسوعة غينيس للأرقام القياسية عام 2003، لوجود أكبر عدد من النساء اللائي لديهن شعر هو الأطول والأعلى كثافة عالميا.

كنا نعتقد أن شعر المرأة الصينية الأسود الداكن والسميك أمر عام. عندما رأينا شعورا تتراوح أطوالها بين مترين و3 أمتار، تتشارك النسوة في تسريحها لأترابهن على شاطئ النهر، بينما تمسك جدة إحداهن بمقص لتقطع شعر فتاة عمرها 18 عاما إيذانا بجهوزيتها للزواج، علمنا أن “الياو” لديهن طقوس دينية لا تقبل المساس بها أو تسمح بتلصص الغرباء على شعورهن.

فالشعر الطويل مقدس عند “الياو”، وعلامة لدى الصينيين على الرخاء الاجتماعي والصحة والثروة والسعادة وطول العمر. لم نجد في القرية عجوزا -ممن يتباهين بشعرهن الطويل- بها خصلة شعر أبيض، أو قصته إلا مرة واحدة في العمر، إشهارا ببلوغها سن الزواج، وكذلك تسير أغلبية نساء الصين على نهجهن إلى آخر رمق.

بائعة الشعر الأسود

حولت الحكومة الاحتفال التقليدي إلى مهرجان سنوي شعبي، لجذب ملايين من السائحين في الربيع، تحوّل تدريجيا إلى نشاط اقتصادي، تأثر بتراجع معدلات النمو في العامين الأخيرين، فاستغل بعض رجال الأعمال النسوة في شراء شعورهن، ليصنعوا منها “الشعر المستعار” وخصلات زراعة الشعر في تركيا والدول العربية.

احترفت بعض النسوة بيع شعورهن كل عدة أشهر، وانضم إليهن بعض الشباب غير القادرين على الكسب، ليحصلوا على قوت يومهم في مناطق تعاني تفاوتا كبيرا في الدخل. يبلغ متوسط دخل المواطن في الريف نحو 26 دولارا، بينما يرتفع في المدن الصناعية إلى 506 دولارات شهريا، وسط تفاوت مستوى الخدمات، وارتفاع أسعار السكن وضعف الرعاية الصحية والاجتماعية.

رسّخ عدم المساواة أجواء سامة ضد النساء، دفعتهن إلى رفض الزواج، والسير في ركاب دعوة “اتحاد نساء عموم الصين” التابع للحزب، الشهر الماضي، لدفعهن إلى الزواج والإنجاب، بحجة تراجع تعداد السكان بنحو 200 مليون نسمة حتى عام 2050، بما يوقف قدرة الدولة على النمو الاقتصادي الذي تمتعت به خلال العقود الأربعة الماضية.

مخاوف السلطة

شكلت حركة “واجب الجمال” Beauty duty على وسائل التواصل الاجتماعي، قلقا للحزب الشيوعي الذي يخشى أن يجتمع الناس حول فكرة أو شخص، ينازعه قوته التي يحافظ عليها بالقمع والاستبداد، ووسائل الرقابة التي تحذف أي أنشطة يعُدّها مخالفة للتقاليد أو متعارضة مع النظام.

أظهر وسم “حلق شعر المرأة يجعلها أكثر هدوءا وراحة” (Women’s Buzz cuts are supper cool) وصور البنات حليقات الرأس -تجذب ملايين المتابعين- قلقا لدى النظام وكبار المسؤولين. ترى الأجيال القديمة ظاهرة حلق الرؤوس خارجة على التقاليد، بينما يتخذها الشبان الذين زادت معدلات البطالة بينهم إلى 20.4% في أبريل/نيسان الماضي، رمزا لتمكين المرأة وتحديها للسلطة. يشبهونها بحركة “أنا أيضا” #Me_too، التي قمعها النظام عقب فضائح ارتكبها نائب رئيس الوزراء السابق شي هانغ ضد لاعبة التنس بنغ شواي التي لاحقوها وأمروها بالسكوت قبل الأولمبياد الشتوية في فبراير/شباط 2022، لحين عزل المسؤول ونجاته بهدوء.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان