عادل إمام والقمة العربية!

 

تزامن الأربعاء، 17 مايو/أيار الجاري، يوم مولد النجم عادل إمام، مع انعقاد القمة العربية، حيث انطلقت أعمالها في هذا اليوم باجتماع وزراء الخارجية لوضع اللمسات الأخيرة على جدول الأعمال والقرارات والبيان الختامي.

وجرى اجتماع القادة، الجمعة 19 مايو، بجلسة افتتاحية، ثم صدرت القرارات، وتم إعلان بيان جدة، ولملمت القمة أوراقها، وصارت من الماضي انتظارا لساعات مماثلة في عام قادم.

أتم عادل 83 عاما من عمره الأربعاء الماضي، فقد وُلد في 17 مايو 1940، والجامعة العربية مر على مولدها 78 عاما حيث أُسّست في 22 مارس/آذار 1945، أي أن أسطورة الكوميديا سبقها بخمس سنوات في الخروج إلى الحياة.

بين يوم مولد النجم وانعقاد القمة

الأسبوع الماضي حيث احتفل أصدقاء عادل بمولده، وحيث عقدت القمة اجتماعاتها، فإن احتفال النجم الكبير حاز اهتماما من الجمهور، بينما غالبا لم يسمع أحد بالقمة، أو مر خبرها مرور الكرام على من يتابع الشاشات.

وإذا كان الاهتمام بالاجتماعات العربية، وخاصة قمم الحكام، يتآكل تدريجيا لغياب الانعكاسات الإيجابية من وراءها على الشعوب والقضايا الأساسية للعرب، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، فإن الاهتمام أصبح اليوم شبه منعدم لعدم جدوى هذه اللقاءات، وحتى عندما تنعقد في أشد أوقات العرب صعوبة فإنها تبقى مجرد مكلمة.

التجمعات الإقليمية يجب أن تؤسَّس بأنظمة حكم تعبّر بصدق عن شعوبها، هنا ستعمل الأنظمة بفاعلية وواقعية وتجرد في إطار التجمع لتنفيذ أهداف تخدم الشعوب.

ومع قمة العرب المحدودة الفائدة، كان السبعة الكبار (G7) يعقدون قمتهم السنوية، والعالم كله يتابعهم، فهم يتحكمون في نصف الاقتصاد العالمي، وأي قرار يصدر عنهم ينعكس على كثير من البلدان، ولأنهم منتخبون من شعوبهم، فإن الجانب الأهم من مباحثاتهم هو العمل لخير ورفاهية أوطانهم ومواطنيهم.

السفارة في العمارة.. وقرارات القمم

سبق القمة بأيام عدوان إسرائيلي جديد على غزة، والقمع والقتل لايتوقف عموما في القطاع والضفة، ولم تكن القمة رادعا لحكومة الاحتلال لتمنعها عن العدوان، رغم تطبيع 6 دول عربية مع إسرائيل.

كما انطلقت مسيرة الأعلام الصهيونية التي تنتهك حرمة المسجد الأقصى، وتعلن مواصلة مخطط تهويد القدس والأقصى والمقدسات، وتتحدى مشاعر المسلمين، ولم يكن هناك غير بيانات الإدانة العربية التقليدية التي لا تعباً بها إسرائيل ولا تلتفت إليها أمريكا.

لكن فيلم مثل (السفارة في العمارة) بطولة عادل إمام، يقدّم موقفا وطنيا يلتف حوله الجمهور العربي، ويتفاعل معه ضد التطبيع بلغة فنية جذابة فيها الكوميديا والأفكار، وتأثير مثل هذا الشريط يفوق قرارات وبيانات الشجب العربي.

كوميديا الموقف

كان احتفال عدد من الفنانين أصدقاء عادل به ضيقا لظروفه الصحية، ولم يعرف أحد عن ذلك شيئا إلا عندما تحدّث أحد مقدمي البرامج معه (شريف عامر على قناة إم بي سي مصر)، ولم يقل عادل سوى كلمتين في أقل من دقيقتين كان لهما فعل السحر في الانتشار، فهو نجم ظاهرة، وأي كلمة يقولها يكون الاهتمام بها واسعا، وخاصة إذا كانت الكلمة مثل رصاصة مغلفة بالكوميديا جعلت المذيع الذي يبدو متمكنا في محاورة ضيوفه يرتبك ويتلعثم أمام فنان ماهر في الإدهاش والحضور وصنع كوميديا الموقف المخلوطة بالسخرية اللاذعة.

لكن هناك، كان أحمد أبو الغيط الأمين للعام للجامعة العربية يخطئ -كعادته- في قراءة كلمة قصيرة بلغة عربية سليمة خلال الجلسة الافتتاحية، رغم أنها مُعدَّة له سلفا، والمؤكد أنه راجعها.

السعادة.. والجحيم

وهناك من الحكام من يجيد القراءة، لكنه يتعثر في الحكم، فيحوّل حياة مواطنيه إلى متاعب وأزمات، ومنهم من يفتح أبواب الجحيم على شعبه، وهذا هو حاكم سوريا العائد إلى مقعد بلاده في الجامعة بعد تجميد 12 عاما، ينتقد الأطماع التوسعية والتدخلات الخارجية رغم أنه استعان بالخارج -جيوشا ومليشيات ومرتزقة- لإنقاذه من السقوط في اللحظة الأخيرة.

لم يتسبب عادل إمام في أي ضرر أو أذى لملايين العرب، ولم تنتج عن أعماله أزمات اقتصادية وانغلاق سياسي وحروب، بل هي تجعل العرب يشعرون بالسعادة وهم يشاهدونها مهما تكرر عرضها، حتى في أعماله التي لم تناقش قضايا الناس، إنما هدفها الكوميديا فقط، ولو بدت للبعض أنها ساذجة، لكنها في وقتها كانت تُمثل حالة جاذبة للملايين من نجم كافح حتى صعد من قاع الفن إلى قمته.

وفي مرحلة تالية، ناقشت أعماله قضايا اجتماعية وفكرية وسياسية ودينية واقعية، كتب أبرزها الراحل العظيم وحيد حامد، واليوم لو كان بصحته ولياقته لما استطاع تمثيل فيلم أو عرض مسرحية منها رغم أنه صديق مقرب من السلطة، كل سلطة.

فاعلية الفن.. ونكبات السياسة

اللعب مع الكبار، الإرهاب والكباب، السفارة في العمارة، طيور الظلام، النوم في العسل، إحنا بتوع الأتوبيس، عمارة يعقوبيان، الإرهابي، المنسي، حتى لا يطير الدخان، شاهد ماشفش حاجة، الزعيم، هذه وغيرها علامات في تاريخ السينما والمسرح، لكننا لا نجد قرارات ذات أثر فعال للقمم العربية، وعددها 51، بين عادية وطارئة واقتصادية.

وإذا كان البعض يغمز من قناة علاقة عادل بالسلطة، إلا أنه ابن الشعب أيضا والفنان المعبّر عنه حتى في كوميديا التسلية.

أكثر من 55 عاما من العطاء الفني يُمتع خلالها الملايين، ويرسم البسمة على وجوههم، ويناقش قضاياهم وهمومهم، بينما جامعة العرب لم تنجح في حل أزمة واحدة طوال تاريخها، بل تتزايد الانكسارات والنكبات، واجتماعها الأحدث في جدة التأم على وقع الاقتتال في السودان، بجانب الحروب والدمار والأزمات والمعضلات في هذا البلد العربي أو ذاك، علاوة على العدوان المستمر على الفلسطينيين.

عادل إمام يكسب القمة العربية حتى وهو في أكثر أيامه شيخوخة، كما أبانت صورتان له خلال الاحتفال بذكرى ميلاده.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان