هيروشيما.. من قصة “الولد الصغير” إلى قمة التغيير

الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو (يسار) يصافح نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خلال اجتماع ثنائي على هامش قمة مجموعة السبع في هيروشيما باليابان في 21 مايو 2023

 

عام 1945، وأثناء اشتعال المعارك في الحرب العالمية الثانية، انتهى مختبر “لوس ألاموس” في الولايات المتحدة من أعمال تطوير أول قنبلتين ذريتين أُطلق على الأولى “الولد الصغير/النحيف” ويبلغ طولها 3 أمتار، وقطرها 70 سنتيمترا، ووزنها نحو 4 أطنان، وتُقدَّر قوتها التفجيرية بما بين 15 و25 كيلو/طنًّا، والثانية “الرجل الكبير/البدين”، ويبلغ طولها 3.25 أمتار، وقطرها 1.52 متر، ووزنها نحو 4.63 أطنان، وتُقدَّر قوتها التفجيرية بـ21 كيل/ طنًّا.

هيروشيما وقصة “الولد الصغير”

في 14 يوليو/تموز 1945، بدأت البحرية الأمريكية بنقل أجزاء هذه القنابل إلى قاعدة سلاح الجو التابعة لجيش الولايات المتحدة في جزيرة “تينيان” في المحيط الهادئ، وبينما استسلمت ألمانيا في مايو/أيار عام 1945، رفضت اليابان الاستسلام، فقامت الولايات المتحدة باستخدام القنابل الذرية لأول مرة، وألقت قنبلة “الولد الصغير” الذرية على مدينة هيروشيما اليابانية في السادس من أغسطس/آب 1945.

وقُدّر عدد الأشخاص الذين لقوا مصرعهم جراء الانفجار الذي أحدثته القنبلة بين 70 و90 ألف شخص، كما تُوفي عشرات الآلاف في الأشهر اللاحقة، جراء تعرُّضهم لإصابات نجمت عن التسمم الإشعاعي، وأشارت بعض المصادر إلى أن العدد الإجمالي للضحايا يصل إلى نحو ربع مليون قتيل.

وعلى الرغم من هذه الأضرار في هيروشيما، فقد رفضت اليابان الاستسلام، فقامت الولايات المتحدة بإلقاء قنبلة “الرجل الكبير/البدين” على مدينة ناجازاكي، في التاسع من أغسطس 1945، وبعدها أعلنت اليابان استسلامها في 14 أغسطس 1945.

 

هيروشيما وقمة الدول الصناعية السبع

وبعد مرور نحو 78 عامًا على قنبلة الولد الصغير، شهدت مدينة هيروشيما انعقاد قمة مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى (تُعقد منذ يوم الجمعة في مدينة هيروشيما اليابانية قمة لقادة دول مجموعة السبع: الولايات المتحدة وكندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والمملكة المتحدة) في التاسع عشر من مايو 2023، وبدأت المحادثات رسميًّا عقب اصطحاب رئيس الوزراء الياباني “فوميو كيشيدا” قادة المجموعة في زيارة إلى حديقة السلام في هيروشيما لوضع أكاليل الزهور على النصب التذكاري لضحايا القنبلة الذرية، وأصر كيشيدا على أن يزور القادة المتحف الذي يوثق المعاناة والدمار الناجمَين عن القنبلة.

وخلال القمة أقر قادة المجموعة حزمة جديدة من العقوبات على روسيا على خلفية حربها ضد أوكرانيا التي بدأت في الرابع والعشرين من فبراير/شباط 2022، وشملت الحزمة قيودًا على صادرات سلع مثل الألماس الذي تُعَد روسيا أكبر منتج له في العالم، وستستخدم دول القمة تقنية تعقب أثر الألماس، لضمان التعرف على الألماس الروسي بعد إعادة بيعه عبر دول أخرى مثل الهند والإمارات، وكذلك حرمان موسكو من التكنولوجيات والمعدات الصناعية.

كما أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية عن إضافة 71 كيانًا إلى قائمة تجارية سوداء بسبب دعمها روسيا، وشملت القائمة 69 كيانًا في روسيا، وواحدًا في أرمينيا وآخر في قرغيرستان، كما تضمنت العقوبات الأمريكية توسيع نطاق القيود المفروضة على صادرات روسيا وبيلاروسيا، وخاصة تلك المتعلقة بمشروعات النفط والغاز.

وبجانب المواجهة مع روسيا، كانت الصين حاضرة بقوة في المناقشات والمفاوضات، حيث رأى قادة دول مجموعة السبع أن تعزيز الصين ترسانتها النووية يُشكل مصدر قلق للاستقرار العالمي والإقليمي، ورغم أن دول المجموعة مستعدة لإقامة “علاقات بناءة ومستقرة” مع الصين، فإن قوة أنظمتها الاقتصادية تستلزم تقليل الأخطار والتركيز على تنويع سلاسل التوريد الحيوية بعيدًا من الصين.

وفي هذا السياق، ذكر رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك أن الصين “تُشكل التحدي الأكبر في عصرنا في ما يتعلق بالأمن والازدهار العالميَّين”، وأنها “تمارس الاستبداد بشكل متزايد في الداخل والخارج”.

وأعلنت دول المجموعة إطلاق منصة تنسيق لمواجهة سياسات الإكراه الاقتصادي التي تمارسها الصين ضد الاقتصادات الناشئة، من خلال زيادة التجارة المتبادَلة والتمويل الممنوح لهذه الاقتصادات. في الوقت الذي بدأت فيه الولايات المتحدة تطبيق حظر تصدير الرقائق وتكنولوجيا الرقائق إلى الصين، وانضمت إليها اليابان وهولندا.

وأمام هذه المواقف، استدعت الصين السفير الياباني لديها للاحتجاج على التصريحات الصادرة عن المشاركين في قمة السبع، والتي تضمنت ما سمّته الصين “تشويهًا وتدخلًا فاضحًا في الشؤون الداخلية لها، وينتهك المبادئ الأساسية للقانون الدولي وروح الوثائق السياسية الأربع بين الصين واليابان عام 1972”.

 

بين هيروشيما وباخموت

في الوقت الذي اجتمع فيه قادة الدول السبع في هيروشيما، وشارك في الاجتماع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أعلنت قوات فاغنر إكمال سيطرتها على مدينة باخموت الأوكرانية، ومع هذا الإعلان جاءت زلة لسان زيلينسكي، الذي قام بتشبيه ما حدث في باخموت بما حدث في هيروشيما عام 1945.

وقال إن صور الدمار في هيروشيما تُذكّره بباخموت والتجمعات السكنية الأخرى المماثلة، مضيفًا “لم يبق شيء على قيد الحياة، انهارت كل المباني”، وتابع أن إعادة بناء اليابان لهيروشيما ألهمته بإعادة بناء المدن والبلدات الأوكرانية التي دُمرت في الغزو الروسي لبلاده.

 

ماذا يحدث على قمة النظام الدولي؟

بين قمة تستضيفها هيروشيما تقودها الولايات المتحدة وحلفاؤها، وقمة لدول وسط آسيا تقودها الصين في مدينة شيان الصينية، في أقصى شرق طريق الحرير، بمشاركة كازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان، لأول مرة منذ تأسيس العلاقات الرسمية قبل 31 عامًا بين الصين وهذه الدول بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، سعيًا من بيجين لملء الفراغ الذي نشأ بعد الحرب الروسية على أوكرانيا، حيث يُقدّم الرئيس الصيني نفسه قائدًا عالميًّا، ويسعي لتوسيع نفوذ بلاده وهيمنتها خارج حدودها.

وبين توقيع الصين اتفاقية تعاون أمني مع جزر سليمان في 19 أبريل/نيسان 2022، وتوقيع الولايات المتحدة اتفاقية تعاون أمني مع بابوا غينيا الجديدة في 22 مايو 2023، تشهد قمة النظام الدولي محاولات مستمرة لإعادة الهيكلة من جانب الصين ومن خلفها روسيا الاتحادية، والعمل على بناء نظام ثنائي أو متعدد الأقطاب، على حساب النظام الأحادي القطبية الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة الأمريكية منذ انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991.

ومن قمة إلى قمة، ومن تحالف إلى تحالف، تعود مؤشرات الحرب الباردة، لكنها هذه المرة بين الصين والولايات المتحدة، وسيكون الرهان على من يبادر ويسبق بخطوات، ويمتلك من الإمكانات والقدرات ما يستطيع به حشد الشركاء وبناء التحالفات، ولكن يظل “الولد الصغير” و”الرجل الكبير” حاضرَين بصور مختلفة وأدوات متطورة، ستكون أكثر تدميرًا مما شهدته هيروشيما عام 1945، ومما تشهده أوكرانيا منذ 2022.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان