الانتخابات التركية: هل المهاجرون مشكلة حقيقية أم مجرد حجة؟
أجريت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تركيا في الـ14 من مايو/أيار الجاري، وقد حقق تحالف الجمهور الذي يتزعمه الرئيس رجب طيب أردوغان الأغلبية البرلمانية بفوزه في الانتخابات البرلمانية، بينما تم تأجيل حسم الانتخابات الرئاسية للجولة الثانية، ومن المتوقع أن يحقق أردوغان الذي حصل على 49.5% من الأصوات في الجولة الأولى، الفوز في الجولة الثانية، ويطيح بمرشح تحالف الأمة وزعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض كمال كليجدار أوغلو.
أصوات أوغان
مصير الجولة الثانية من الانتخابات لن يتحدد فقط بتوجه الناخبين من الكتلتين المتنافستين إلى صناديق الاقتراع، بل إن صعود اليمين المتطرف في تركيا سيكون من العوامل المحددة كذلك، فقد حصل ممثل اليمين المتطرف سنان أوغان على 5.3% في انتخابات الـ14 من مايو/أيار، على الرغم من أن أوغان لا ينافس في الجولة الثانية فإن الأصوات التي حصل عليها ستلعب دورًا رئيسًا في هذه الجولة.
هذه المجموعات العنصرية الجديدة، معروفة بعدواتها تجاه الأجانب والعرب على وجه الخصوص، ولا ترغب بالوجود العربي في الأراضي التركية من الأساس، ولا يختص الأمر بأوغان وحده وإنما بالمعارضة نفسها التي تحمل بين ظهرانيها كرهًا شديدًا تجاه الأجانب.
فكمال كليجدار أوغلو أصبح يستخدم لغة أكثر حدة تجاه المهاجرين، وذلك حينما ارتأى أنه بحاجة لأصوات العنصريين ليصبح رئيسًا للجمهورية، وهو الذي كان نادرًا ما يتعرض للمهاجرين قبل الانتخابات، لدرجة أن أوميت أوزداغ أحد السياسيين المتطرفين قال: “عندما يتحدث كليجدار أوغلو، أشعر وكأنني أنا من أتحدث”.
العداء تجاه العرب ليس بالأمر المستحدث، إذ يعود جذوره إلى تأسيس الجمهورية، فقد ربط المؤسسون التخلف بالإسلام والثقافة العربية وبناء على ذلك قطعوا علاقاتهم مع الشرق الأوسط، فجيراننا الأقرب جغرافيًا، العرب، قد أصبحوا بين ليلة وضحاها الأبعد منا مجتمعيًا، وبالإضافة إلى تجاهل الشرق الأوسط فقد غُرست العداوة تجاه الأجانب العرب من خلال المناهج التعليمية.
ومع وصول أردوغان إلى سدة الحكم، أعيد تأسيس علاقات تركيا مع العرب بناء على أواصر الأخوة والصداقة، لكن مع ظهور الربيع العربي وهجرة ملايين السوريين الذين لجأوا إلى تركيا نتيجة الحرب، أدى ذلك إلى تخريب هذه الجهود وتنامى العداء تجاه العرب مرة أخرى.
وعلى الرغم من أن الرئيس أردوغان قد ضحى بنسبة لا يستهان بها من الأصوات لصالح بقاء المهاجرين، فإن المعارضة قد وضعته في موقف صعب باستخدامها لـ”كارت” المهاجرين، ومع الأسف فقد كان هناك تحيز ضد المهاجرين، بين بعض المصوتين لأردوغان، إذ يبدو أنهم تأثروا بالدعاية السلبية المعادية للمهاجرين.
ومع ذلك، وعلى عكس ما يشاع من هذه الادعاءات، فإن المهاجرين العرب لا يشكلون أي تهديد للمجتمع التركي على عكس التصورات التي توحي وكأن تركيا تتعرض للغزو من قبل المهاجرين.
المفاهيم
لنلقِ نظرة على المفاهيم الخاطئة المشاعة حول المهاجرين وأولها، ادعاء كمال كليجدار أوغلو والسياسيين المعارضين أن عدد المهاجرين السوريين في تركيا يصل إلى 10 ملايين لاجئ، والحال أنه يوجد في تركيا 3.4 ملايين سوري ويصل العدد الكلي للسوريين والأجانب الحاصلين على إقامات وتصاريح عمل إلى 4.9 ملايين نسمة، وعدد الذين يحق لهم التصويت أقل من 200 ألف فقط، وعلى الرغم من ذلك، فإن القنوات المعارضة ما تفتأ تظهر المصوتين غير الناطقين باللغة التركية لتصوير أن البلاد تحت الاحتلال العربي.
الفرية الثانية التي تتعلق بالسوريين هي انخراطهم في الجريمة، والحقيقة أن نسبة الجريمة تبلغ بين السوريين والجاليات العربية الأخرى 1.5%، بينما تصل نسبة الجريمة لدى الأتراك 2.2% من المجتمع التركي.
وإذا نظرت إلى الدعاية المنتشرة في وسائل الإعلام، فإن كل ما يقوم به المهاجرون هو الطعن، السرقة أو القتل، بالتأكيد هناك بين المهاجرين العرب من يرتكب الجرائم، ولكن الغالبية تتعامل بحذر خوفًا من الترحيل.
ثالثًا، ليس صحيحًا أن السوريين والعرب أخذوا وظائف الأتراك، صحيح أن وجود عدد كبير من المهاجرين يسبب التكدس المفاجئ في المدن بالإضافة إلى ارتفاع إيجارات المنازل والمتاجر.
لكن المدهش أن الذين يشيطنون العرب في إسطنبول، يخرسون حينما يتسبب الروس مثلًا في زيادة إيجارات المنازل في أنطاليا، ويفهم من ذلك أن التفريق بين المهاجرين ليس إلا على أساس اللون بين أبيض وأسمر.
وعلى صعيد آخر فإن تركيا من الناحية الاقتصادية قد تطورت كثيرًا خلال العشرين سنة الأخيرة، وبالتبعية فقد أدى ذلك إلى تحول الأتراك إلى وظائف أفضل من ناحية الجودة والأجور، لذلك لم يعد الأتراك راغبين في العمل في المصانع أو الوظائف الشاقة كما في السابق، وهذا الفراغ المحدث يملأه السوريون، والباكستانيون والأفغان.
وإذا تمت إعادة الأجانب جميعهم اليوم قبل الغد، فإن أصحاب العمل سيعارضون ذلك أو سيضغطون على الحكومة لإبقائهم، ونتيجة لما ذكر، فإن وجود المهاجرين في تركيا يفيد الاقتصاد التركي ولا يضره.
الاستثمارات العربية من باب التشويه
المعارضة التركية وإن كانت تتحدث وكأنها تهتم بالاقتصاد، فإنها في الواقع لا توليه أي أهمية، يطلقون على الاستثمارات الخليجية في تركيا “الاستثمارات العربية” من باب التشويه، فكلما قام رجل أعمال عربي بالاستثمار في تركيا، تمتلئ وسائل الإعلام المعارضة بأخبار مفادها “إنهم يبيعون البلد للعرب”، وهذه الوسائل نفسها تغض الطرف عن تصريحات كمال كليجدار أوغلو التي مفادها أنه سيجلب 300 مليار دولار من أوربا، ولم يتهمونه بأنه يبيع البلاد للدول الأوربية، ومع الأسف، فهذا ليس إلا تمييز بائن، يؤدي إلى ثني همة المستثمرين العرب وينفرهم من الاستثمار في تركيا.
وبهذا الخصوص نهيب بالأجانب ألا تتكون لديهم صورة ذهنية تجاه الأتراك بناء على حملة الكراهية ضد الأجانب التي غذتها وسائل الإعلام وضخمتها وخاصة في الآونة الأخيرة، وعلى الرغم من الشعبية الكبيرة التي اكتسبها اليمين المتطرف التركي فيجب الإشارة إلى أن الشعب التركي ليس بالعنصري على وجه العموم، ولو أن الهجرة نحو تركيا كانت على فترات متباعدة لاعتادوا عليها، ولكن توافد المهاجرين بأعداد كبيرة، أدى إلى الشعور بعدم الراحة عند بعض الأتراك، وهو شعور لا يرقى لأن يوصف بالعنصرية تجاه الأجانب عند غالبية الشعب التركي.
نقطة أخرى نشير إليها، وهي التمييز داخل المجتمع التركي، فهنالك فئة من العلمانيين في تركيا يطلقون على أنفسهم “الأتراك البيض” جميعهم في الجناح الموالي للمعارضة التركية، وهذه الفئة تنبذ كل من يخالفها الرأي من الشعب، فمثلًا، لم تقبل الفتيات المحجبات بالمدارس والجامعات ولم يعينّ في مؤسسات العمل لعشرات السنوات.
أغلب التقدير أن الضغط على المهاجرين سيستمر بغض النظر عن الفائز في الانتخابات الرئاسية، وسعيًا لحل معضلة اللاجئين السوريين، يقوم رئيس الجمهورية أردوغان بدعم من دول الخليج ببناء منازل في الشمال السوري تمهيدًا للعودة الطوعية لحوالي مليون سوري، ونجاح هذا المشروع مرتبط بالدرجة الأولى بفوز أردوغان في الانتخابات الرئاسية، غير أن جهود أردوغان وحدها لن تكون كافية، إذ يلزم أن تدعمه الدول العربية وهي التي أعادت بشار الأسد إلى الجامعة العربية مرة أخرى، إذ تقع على عاتقهم مسؤولية شعوبهم وضمان سلامتها.