بين الصمت وهدير الكلام.. الكلمة الآن للشعب التركي

ليلة الصمت الأكثر أهمية في تاريخ الدولة التركية مرت مع بدايات صباح اليوم الذي له ما بعده للشعب التركي في رسمه للمستقبل، تلك كانت الليلة الأخيرة قبل أن يقرر الأتراك ماذا بعد؟ الجميع الآن في انتظار ما ستسفر عنه أصوات المتوجهين إلى لجان الانتخابات لكي يدلوا بأصواتهم خلف الستائر.

الليلة الماضية لفّها صمت ظاهر، لكنه لم يكن أبدًا كذلك في الأزقة والشوارع، وعلى المقاهي، وفي أماكن انتظار وسائل المواصلات العامة.
بينما كنت أسير بجوار المترو سمعت أحدهم يقول لصديقه: خلاص أردوغان، كانت الكلمة تعبيرًا عن نقاش طويل بين الشابين، ولما لا؟ فالصوت الانتخابي أصبح له قيمته، ولم تحسم نسبة الـ50% زائد صوت الجولة الأولى.

صوت واحد كصوت هذا الشاب قد يحمل تركيا إلى استمرار مشوارها التنموي والسياسي في العالم بنجاح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أو تذهب تركيا إلى مسار جديد قد تنكفئ فيه على نفسها، تسلّم إرادتها إلى الدول الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية، وتدير ظهرها للعالم الشرقي والإسلامي والعربي، كما بدا هذا في خطاب سياسي على مدار الأشهر الماضية.

 صمت ما قبل العاصفة

ليلة الأحد كانت صامتة شكلًا بعدما انتهت كل الوسائل الدعائية للمرشحيْن اللذين يخوضان معركة الإعادة في انتخابات الرئاسة، فقد عجز أردوغان -مرشح تحالف الجمهور- عن تخطي النسبة المطلوبة للنجاح في الجولة الأولى، رغم فارق الأصوات لصالحه الذي بلغ أكثر من 2.3 مليون صوت عن مرشح تحالف الشعب كمال كليجدار أوغلو، لكن يوم الصمت الانتخابي سبقه هدير كلام ووعود سعيًا لإرضاء الشعب التركي ولنيل ثقته.

وبعيدًا عن صدق الوعود ومدى تحققها، لكن سعى الجميع لأن يحوز تلك الثقة، ورغم مشاهد سياسية كثيرة سبقت اليوم الصامت كان أبرزها حالة من الانشقاقات السياسية داخل تحالف الشعب المعارض شهدها حزبا المستقبل (المنشق عن العدالة والتنمية الحاكم)، وحزب الجيد الحزب القومي، إضافة إلى حزب البلد الذي يرأسه المرشح المنسحب من الجولة الأولى محرم إنجه، وكذلك حزب الظفر، إذ شهدت هذه الأحزاب استقالة كثير من أعضائها وانضمامها إلى حزب العدالة والتنمية وهو الحزب الرئيسي في التحالف الحاكم الذي حصل على الأغلبية في انتخابات الجولة الأولى في الرابع عشر من مايو/أيار الجاري.

هذه الانشقاقات توقعناها مع بداية إعلان تحالف الشعب، وكان أحد أهم أسبابها كونه تحالف الأضداد، إذ كان هدف تجمعهم الوحيد إسقاط الرئيس التركي، وهو الهدف التي تلاقى مع إرادة أوربا والولايات المتحدة الأمريكية.

الاحتكام للشعب

ما من شخص يعمل في المجال العام سواء كان فنانًا، شاعرًا، أديبًا، عضو بلدية أو برلمان، وحتى رئيس الجمهورية إلا ويسعى إلى هذا حكم الشعب في كل ما يفعله، إذ إن رضا الناس أو معظهم هدف لهؤلاء، حتى هذا المقال إن لم يرضَ عن صدقه ونبل مقصده الجمهور فلا فائدة ترجى منه.
وهكذا في الأمم التي سارت في نهجها الديمقراطي يعد السعي لنيل ثقة صوت واحد هدف الأنظمة الحاكمة، وعند الامتحان يًكرم المرء أو يهان، وما من نظام أهمل الاستماع إلى أصوات شعبه إلا فاجأه بما لا يسره، سواء كان ذلك عبر ثورات شعبية، أو من خلال صناديق الانتخابات، حينها لا يلوم المستبد القابع في قصره إلا نفسه.

تلك دروس الأيام والتاريخ، وقد اعترف الرئيس التركي ومرشح التحالف بعد نتائج الجولة الأولى حينما لم يتخط عتبة النجاح قائلا “لقد استوعبنا الدرس، سمعنا صوت شعبنا، وسنبذل جهدا أكثر بعد الآن”.. وهكذا كان تصرف السياسي الذي عاش سنوات يحكم ولم تغره إنجازاته، أو ما حققه للشعب، ومهما فعل رجل العمل العام فلن يجد توافقًا عامًا بين عشرات الملايين من الناخبين، ولكنه يسعى لنيل ثقة الأغلبية في انتخابات، يشهد شعبه أولًا على نزاهتها.

الآن بدأ هدير شعب تركيا مدويًا عاليًا، ومنذ أيام أعلنت اللجنة العليا عن ارتفاع نسبة التصويت بالخارج عن الجولة الأولي بأكثر من 4%، ما يعني زيادة الحرص لدى الشعب التركي على نصرة مرشحه في الجولة الثانية، ومع مرور ساعات هذا اليوم الطويل في حياة الشعب التركي ينتظر الجميع ماذا يقول في ختام اليوم، ومن سيكون رئيس تركيا في المئوية الثانية للجمهورية؟

لا أقول سرًا إن جمهورًا كبيرًا من الشعب العربي والإسلامي، وكثيرًا من المظلومين -على حد تعبير سليمان صويلو وزير الداخلية التركي- يتمنون نجاح الطيب أردوغان واستكمال دوره في العالم كله كمحطة ثقة لكثير من دول العالم، وأتمنى أن تكون تلك الليلة: ليلة تتويجه رئيسًا لتركيا لولاية أخيرة في الحكم.

هدير الشعب الذي بدأ صباحًا مرة ثانية خلال شهر واحد أمام اللجان الانتخابية لن يهدأ مع نهاية اليوم، بل ستبدأ مع تلك النهاية هدير جديد، هدير نجاح أحد المرشحين وفرحة أنصار المرشح الفائز، وربما يستمر ذلك أيامًا. ما لا نتمناه إلا يقبل أنصار مرشح المعارضة النتيجة المعلنة من أحمد ينار رئيس اللجنة العليا للانتخابات، لكنّ ما يعزز أمنية العبور بهدوء للولاية الرئاسية الجديدة وجود مواقف عديدة أثبت الشعب التركي فيها نضجه ووعيه بقبول نتائج الانتخابات السابقة.

مع دقات ساعات الخامسة من عصر اليوم الأحد 28 مايو 2023 يخفت هدير الكلام قليلا لتتعلق العيون والأبصار بالشاشات في كل العالم، ويعيش الشعب التركي سويعات على أعصاب فولاذية في كل لحظة حيث تتغير النتائج ما بين لحظة وأخرى على شاشته، لكن المؤكد أن كل آلات الإعلام والدعاية طوال الفترة الماضية ذهبت الآن في طي النسيان وفي أعماق العقل ليبقى فقط ودائمًا الرجاء في حكم الشعب التركي، ولننتظر نتيجة هذا الحكم غدًا.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان