في اليوم العالمي لها.. أين حرية الصحافة؟!

في 3 من مايو/ أيار 1991 عقدت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) مؤتمرًا في “ويندهوك” -عاصمة جمهورية ناميبيا- لتطوير صحافة حرة ومستقلة وتعددية في جميع دول العالم.

وفي ديسمبر 1993، وبِناء على توصية من المؤتمر العام لليونسكو؛ تم اعتماد الـ 3 من مايو ليصبح “اليوم العالمي لحرية الصحافة”، وذلك عقب اعتماده من الجمعية العامة للأمم المتحدة.

ووفقًا للموقع الرسمي لليونسكو؛ فإن يوم 3 من مايو/ أيار بمثابة الضمير الذي يذكّر الحكومات بضرورة الوفاء بتعهداتها تجاه حرية الصحافة، ويتيح للعاملين في وسائل الإعلام فرصة الاهتمام بقضايا حرية الصحافة، والأخلاقيات المهنية.

الصحافة تتعرض للهجوم

ولا ننسى أن اليوم العالمي لحرية الصحافة يُعدّ فرصة للوقوف بجانب وسائل الإعلام الملجومة والمحرومة من حقها في حرية الصحافة، ومساندتها، كما يُعد هذا اليوم أيضًا فرصة لإحياء ذكرى أولئك الصحفيين الذين قّدموا أرواحهم فداءً لها.

وقد دعا الأمين العام للأمم المتحدة بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة 2023، الذي يُقام بمدينة نيويورك، إلى ضرورة أن تتوقف التهديدات والاعتداءات على الصحفيين، واحتجازهم، وسجنهم؛ بسبب قيامهم بعملهم، مؤكدًا أن العالم يقف بجانب الصحفيين في سعيهم للدفاع عن الحقيقة.

وقال “أنطونيو غوتيريش” في رسالته بهذه المناسبة: “إن حرية الصحافة تتعرض للهجوم في كل ركن من أركان العالم، وإن الحقيقة مهددة بالمعلومات المضللة، وخطاب الكراهية، وكلاهما يسعيان إلى طمْس الفَرق بين الحقيقة والوهم، والعلم والمؤامرة”.

ودعا إلى وضع نهاية للأكاذيب، والمعلومات المضلّلة، ووقف استهداف الحقيقة، ورُواتها.

الصحافة والديمقراطية

ورغم أن هذا اليوم يُسلّط الضوء على حقيقة أساسية؛ ألا وهي أن حريتنا مرتبطة بحرية الصحافة، وأنها أساس الديمقراطية؛ لكن -للأسف- بعد 30 عامًا من اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها بإعلان يوم 3 من مايو/ أيار يومًا دوليًا عالميًا لحرية الصحافة؛ ما زلتُ أرى أن حرية الصحافة في بلادي والبلاد المجاورة لا يتم احترامها من قِبل الأنظمة والحكومات، بعد أن كانت هناك شبه إرهاصات لحرية الصحافة والفضائيات قبل ثورات “الربيع العربي”.

ولا ننكر أنها قد مهدت لتلك الثورات عبر دخولها في مناقشة موضوعات سياسية واجتماعية، ومجالات متعددة؛ ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، حيث باتت حرية الصحافة في السنوات الأخيرة سرابًا يبحث عنه الصحفيون والإعلاميون، خاصة بعد انتهاء فترة “الربيع العربي” التي لم تستمر أكثر من سنتين، عادت بعدها الصحافة تابعة للأنظمة والأجهزة.

وأصبحت عبارة عن بيانات تُنشر بحسب مرسلِها، وليس وفق قناعات الصحفي، أو الإعلامي، أو الحقيقة؛ ما جعل الناس تنفضّ عن وسائل الإعلام، والصحف، والمواقع، بعد أن باتت كلها مادة واحدة، و”مانشتات” متشابهة، نراها في جميع الصحف، فلا فرق بين “زيد” و”عبيد” كما يقولون.

مواقع محجوبة.. وصحفيون معتقلون

وفي مسألة التضييق على حرية الصحافة، فقد تم حجب مئات المواقع التي يصل عددها تقريبًا لأكثر من 600 موقع ومنصة، حسب تقارير المنظمات الحقوقية، فأُغلق العديد من المواقع، والقنوات الفضائية، واعتُقل العشرات من الصحفيين والصحفيات بتهم ثابتة ومحفوظة، ومنها تهمة نشر أخبار كاذبة دون تحقيق لنعرف ما المنشورات الكاذبة؟!

وهذه التهمة طالت أيضًا العديد من السياسيين والحقوقيين، لتصبح الصحافة جريمة مع سبق الإصرار والترصّد!

وبعد اخلاء سبيل الصحفيين، اثنان منهم مؤخرًا، هما هشام عبد العزيز (الجزيرة)، ورؤوف عبيد (روزا اليوسف)؛ فإننا نذكر في هذا اليوم العالمي لحرية الصحافة أن عدد الصحفيين المحبوسين حاليًا وصل لـ 43 صحفيًا وصحفية، منهم 30 رهن الحبس الاحتياطي، رغم تجاوز المدة، و13 محكوم عليهم قضائيًا.

ولا ننسى في ظل هذا التضييق توقف العديد من الصحف والمواقع؛ نظرًا لظروف الحريات، والأوضاع الاقتصادية، مما أدى إلى بروز قضية مهمة على مستوى الصحافة والإعلام؛ وهي الصحفيون المتعطّلون، الذين لا يجدون فرص عمل في المواقع، والصحف، والفضائيات، بسبب حجب بعضها، إضافة إلى توقف وغلق العديد منها، مما تسبب في أزمة عدم وجود فرص عمل لهؤلاء، حتى وصل عدد المتضررين منهم إلى المئات.

التضييق على الصحفيين

كما وصل التضييق على حرية الصحافة إلى حدّ منع التصوير في الشوارع أو أي مكان إلا عبر التصريح بذلك؛ مما عرّض الزملاء الصحفيين للعديد من المشاكل وصلت إلى منعهم من دخول محطات المترو بالكاميرات في الخط الثالث، وفق تعليمات الشركة التي تقوم بالتشغيل، كما تم القبض على العديد من الزملاء المصورين بتهمة التصوير دون تصريح.

بل وصل التضييق على مهنة الصحافة إلى منع الكتابة في بعض الموضوعات المعينة، فضلًا عن أن معارضة الحكومة في أي شيء يكون من قبيل الحرام والممنوع أصلًا، فإذا كتبت فعليك أن تنافق وتدلس، فقد انتهت صحافة الاهتمام بمشاكل المواطنين، حتى بات المواطن يبحث عن منبر أو وسيلة صحفية أو إعلامية لنشر شكواه أو طلبه، فلا يجد.

ومما لا شك فيه أن الصحافة والإعلام، وجميع وسائل النشر، بما فيها التواصل الاجتماعي (السوشيال ميديا) حاليًا، تعاني من التضييق، وكبت الحريات، حتى بات العديد يتباكون على حقبة ما قبل 2013، بما فيها فترة حكم الرئيس المخلوع مبارك، فقد كان -على الأقل- بها صحف للمعارضة استطاعت أن تقيل وزراء، وتنشر على قدْر المستطاع ما يحدث في الشارع، وتبحث مشاكل وهموم الناس، وتتناول موضوعات مهمة.

لا بد أن نعلم أن حرية الصحافة هي أساس الديمقراطية والعدالة، كما أنها تمنح كل واحد منا الحقائق التي نحتاج إليها لتكوين آرائنا، والمطالبة بحقوقنا.

وفي اليوم العالمي للاحتفال بحرية الصحافة أقول بكل أسف: “إنه لا توجد حرية صحافة عندنا”.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان