المتوسط :من شاطئ المصايف الفاخرة إلى مقلب للنفايات البلاستيكية!

رسم توضيحي لوجود البلاستيك في البحر

 

كابوس جديد يهدد البيئة البحرية للبحر الأبيض المتوسط، بعد أن أصبح أكبر مقلب نفايات بلاستيكية في العالم، وفق الصندوق العالمي للطبيعة، إن مياه المتوسط تضم ما بين 5 إلى 10% من إجمالي كميات البلاستيك العالمية مما يدق ناقوس الخطر، ويفتح ملفًا واحدًا من أهم البحار الذي يشتهر بمصايفه الفاخرة.

شواطئ مصر وتركيا وإيطاليا الأكثر تلوثًا

الأمر يصبح مرعبًا عندما نقرأ في الإحصائيات الرسمية أن كمية النفايات البلاستيكية التي تنتهي في البحر الأبيض المتوسط تصل إلى أكثر من نصف مليون طن سنويًا. مما يؤكد مدى خطورة المشكلة خاصة لدول الحوض.

قد يبدو أن هذا ليس غريبًا على بحر شبه مغلق، تمر به ربع حركة الملاحة الدولية، ومحاط باكتظاظ سكاني كبير، لكن الحقيقة لا تكمن في ذلك الأمر وحده إنما تكمن في الثقافة البيئية لدول بعينها مثل مصر، تركيا، إيطاليا، فثلث النفايات البلاستيكية تعزى إليها وحدها حتى باتت شواطئها الأكثر تلوثًا بالإضافة إلى فالنسيا وبرشلونة في إسبانيا.

في مصر ليست هناك إحصائية محددة عن كم تلوث المتوسط، لكن الدولة تسمح لأكياس البلاستيك بالتداول على نطاق واسع، ففي كل الشوارع المصرية، وفوق أسطح المنازل ترى نفايات أكياس البلاستيك السوداء في كل مكان، والطبع قد ينتهي بها الأمر إلى المتوسط!

إيطاليا وحدها تستخدم 32 مليون زجاجة بلاستيكية يوميًا، وأما تركيا فهي تستورد النفايات البلاستيكية من ألمانيا لدفنها فيها، ويصل حجم ما ترسله ألمانيا إلى تركيا حوالي 50 ألف طن نفايات بلاستيكية في العام، زادت هذه الكمية بشكل كبير بعد إيقاف استيراد الصين للنفايات البلاستيكية في العام الماضي.

انعدام الثقافة البيئية وراء تفاقم المشكلة

الدول جميعها في حوض البحر الأبيض المتوسط فشلت في جمع النفايات البلاستيكية سواء من البر أو البحر، والأمر يحتاج إلى إعادة النظر في إيجاد وسائل حديثة لجمعها ومن ثم إعادة تدويرها، مع الأخذ في الاعتبار أن ذلك يجب أن يسير بالتوازي مع إمكانية تقليل إنتاج البلاستيك واستهلاكه.

بشكل عام لا بد أن تكون هناك ثقافة بيئية لدى الحكومات والشعوب عن أهمية أن تبقى مياه المتوسط نظيفة وخالية من تلك النفايات الضارة، حتى لا تتضرر السياحة التي تعيش عليها أغلب تلك البلدان المطلة على المتوسط.

لو حالفك الحظ وسرت على شواطئ خالية من عمال النظافة الشاطئية، ستري كم زجاجات المياه البلاستيكية، والولاعات، وبقايا شباك الصيد، وأحذية الشاطئ، المتناثرة على الرمال، أما وفي مواسم السياحة الكبيرة تزداد تلك النفايات الشكل كبير قد يصل إلى 40%، مما يجعلها مهمة صعبة للجهات المعنية المنوط بها الحفاظ على نظافة الشواطئ.

نفايات البلاستيك لا تدمر فقط الشواطئ، بل الثروة السمكية أيضًا، فالأحياء البحرية تلتهم تلك النفايات، على سبيل المثال في أبريل/نيسان 2019، وجدوا 22 كيلوجرامًا من النفايات البلاستيكية في معدة حوت ضخم عثر عليه على شاطئ إيطاليا، وللأسف لم يكن هذا حالة فردية، فالسلاحف البحرية أيضًا تختنق ببقايا شباك الصيد، وتموت العديد من طيور البحر جوعًا بسبب انسداد جهازها الهضمي بقطع البلاستيك. في النهاية يتحمل الإنسان أيضًا ثمنًا فادحًا لذلك، لأن البلاستيك ينتهي في المعدة البشرية أيضًا من خلال تناول الأسماك الملوثة به.

وفق اليونسكو فإن مليون طائر وأكثر من 100 ألف حيوان من الثدييات البحرية في العالم تنفق سنويًا، والعدد في زيادة مستمرة، مع الأخذ في الاعتبار أن الجهود المبذولة لا تزال قاصرة عن مجابهة التحديات المطروحة.

قرارات أوربية للحد من صناعة البلاستيك

قرارات البرلمان الأوربي في مارس/آذار 2019 التي تنص على أنه يجب أن تختفي الأدوات البلاستيكية التي يستخدمها الإنسان مثل أدوات المائدة المستخدمة في الأكل والشرب، هي بادرة على الطريق الصحيح، وكانت تلك الدول قد اتخذت قرارًا للحد من تلوث البلاستيك بإشراك الشركات المنتجة له في المساهمة في تكاليف عمليات تنظيف الشواطئ منه.

نظرًا لأن حجم المشكلة هائل، ويتطلب التصرف السريع والحازم، لذلك وضعت المؤسسات العالمية أمامها هدفًا طموحًا وهو التخلص من أي نفايات بلاستيكية على شواطئ المتوسط بحلول سنة 2030.

إن هناك حاجة ملحة تقع على عاتق الدول الصناعية الكبرى وهو العمل بشكل أكثر جدية وفاعلية للترويج لاتفاقية دولية تحظر إدخال النفايات البلاستيكية إلى البحر، وفي الوقت نفسه أيضًا تكون هناك حملات توعية مكثفة للسكان المحليين لتغير نمط أفكارهم، وأن يتخلوا عن استخدام المواد البلاستيكية.

قد يبدو أن هذا الأمر صعب على دول مثل مصر وتركيا ودول شمال البحر الأبيض المتوسط، بالإضافة إلى شواطئ سوريا ولبنان وإسرائيل فهم يحملون الثقافة البيئية نفسها التي لا تكترث بأهمية أن تبقى مياه المتوسط نظيفة، وربما يتغير الحال عندما تصل هذه الدول إلى درجة من الرفاهية تجعلها تهتم بالثقافة البيئية!

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان