انتخابات تركية وممالك العرب
أنا مبهور بالتجربة التركية منذ أول أيامي في تركيا، وأقول إن رجب أردوغان حقق للأتراك كثيرا من أحلام جمال عبد الناصر للأمة العربية

أن تعيش كمواطن عربي في تركيا في تلك الأجواء الانتخابية فذاك شعور جميل، فبينما هرب أغلبنا من نار الاستبداد والديكتاتورية التي تحكم معظم أقطار الوطن المنكوب من الهادر إلى الثائر، تملأ الأجواء حولك نسمات معارك انتخابية حقيقية، أصوات متنوعة في الشارع التركي، صور لمرشحين من مختلف الاتجاهات، أربعة مرشحين يتنافسون على مقعد رئيس الجمهورية، يمثلون الأربعة ثلاثة تحالفات انتخابية هم الجمهور الحاكم ويمثله الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وتحالف الشعب الذي يضم ستة أحزاب معارضة ويمثله كمال كليتشدار أوغلو، ثم مرشح حزب البلد محرم إنجه الذي حصل في آخر انتخابات رئاسية على 30% من الأصوات، ومرشح تحالف الأجداد سنان أوغان، إضافة إلى الانتخابات التشريعية التي تتنافس فيها الأحزاب التركية كلها التي ستجرى في التوقيت نفسه، هذا الزخم الذي يمنح الشارع التركي تنوعًا فريدًا على مواطن عربي لم يشهد مثل هذه الأجواء على مدار نصف قرن هو عمر وعيه اللهم إلا في الانتخابات التي أعقبت ثورتي تونس ومصر عام 2011.
بكل ميدان في تركيا تجد مناصري المرشحين لرئاسة الجمهورية، أو التشريعية يقابلون الناخبين يعرضون برامجهم الانتخابية ورؤاهم لمستقبل وطنهم، وبعيدًا عن التنافس الانتخابي وما فيه من مشاحنات، فإني كمواطن عربي يشهد ذلك يشعر بالألم حينًا والسعادة أحيانًا أخرى، أجواء تتمناها في بلادنا العربية كلها، صفحات من الجرائد المحلية تمتلأ بتصريحات من المرشحين من الاتجاهات كافة، محطات تليفزيونية على مدار الساعة تفتح شاشاتها للمتنافسين في الانتخابات بنوعيها، مؤتمرات جماهيرية في الولايات كلها، تنافس المناصرين على حشد الجمهور لصالح مرشحيهم.
تركيا والجغرافية العربية
موقع تركيا الجغرافي والتاريخي يضعها في منزلة قريبة من الأمة العربية، فضلًا عن كونها جزءًا تاريخيًا من هذه الأمة فترة الخلافة العثمانية، وهناك تقارب واضح أشرت إليه مرات عدة سابقًا، ولهذا فإن انتخابات تركيا بما فيها من أجواء جديدة على المساحة الجغرافية العربية تجعلنا نقارن بين هذه الأوضاع وحال أمتنا العربية، خاصة مع ما يحدث في السودان الذي كان قد اقترب من فكرة التحول الديمقراطي، ثم ما آلت إليه الأوضاع الآن من الاقتراب من شبح الحرب الأهلية، بعد أن انقلب أصحاب القوة على بعضهما بعضًا، لتسير السودان على خطى دول عربية أخرى تم إفشال تجاربهم الديمقراطية الناشئة.
يشهد العام المقبل في مصر انتخابات رئاسية مما يجعلنا ننظر لما يحدث في تركيا حالمين بجزء منه نتطلع أن نجد قنوات تليفزيونية للمعارضة المصرية تقدم فيها رؤاها للشعب المصري، تشرح برامجها وتكون معبرة عنها، نتمنى حالمين أن يكون هناك مؤتمرات سياسية لكل المرشحين والأحزاب في المدن المصرية كلها، حشد على برامج انتخابية وحرص على كل صوت في الشعب أن يذهب للجان الانتخاب يعطي صوته بحرية، نحلم أن نسمع نقدًا للمعارضة ويرد النظام الحاكم في اللحظة نفسها وأمام جماهير الشعب، كما يفعل النظام التركي، أمنية أن ينجح الرئيس بنسبة تقارب نصف عدد الناخبين، فيظل دائمًا يسير على حد السكين المسمى صوت الشعب، الرئيس التركي نجح في الدورة السابقة بفارق 80 ألف صوت فقط، تلك هي الانتخابات التي نريد أن نراها في دولنا العربية كافة.
هذا العام ينضم لقائمة الناخبين في تركيا خمسة ملايين ناخب، كتلة فاعلة جدًا في ظل منافسة شرسة لا أحد يستطيع أن يتوقع نتائجها، حتى التحالف الحاكم تحالف الجمهور يتحدث عن نجاح بفارق 1% لا أكثر، فمتى تهب رياح ديمقراطية على وطننا العربي مثل هذه؟ الكتلة الكبرى في انتخابات تركيا هي الفئة العمرية ما بين 18-74 عامًا، وتلك هي الحاسمة في الانتخابات وتبلغ نحو 58 مليونًا من إجمالي عدد ناخبين 60 مليونًا، وتلك الكتلة أيضًا موجودة في مصر وبنسبة تقارب نسبة تركيا نفسها، لكن الأوضاع هنا مختلفة كثيرًا بعد سنوات طويلة من منافسات انتخابية صعبة على الجميع على مدار 20 عامًا أو أكثر.
الجالية العربية والانتخابات
بحكم القرب الجغرافي والتقارب الثقافي والاجتماعي يرصد المواطن العربي والأنظمة العربية ـفي ظني- الانتخابات التركية، فبعيدًا عن دعم عديد من الدول العربية والإسلامية للرئيس التركي ظهر ذلك في طرق عدة سواء استثمارية، أو حتى بزيارته أثناء الحملة الانتخابية، فقد زاره رئيس أذربيجان، ورئيس الوزراء الليبي مؤخرًا، إلا أن المواطن العربي والموجود في تركيا على مدار العام أتحدث هنا عن السائحين من الدول العربية وليس المقيمين في تركيا وهم كثيرون هذا المواطن يتطلع أن تشهد أوطانه مثل هذه الانتخابات، تركيا على مرمى البصر العربي، وحاضرة في عقل العربي وذهنه سواء بالمحبة وهي الغالبة، أو الحاسدة لنجاحتها الاقتصادية والسياسية.
لا شك أن الجاليات العربية تأمل نجاح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الانتخابات القادمة في الرابع عشر من مايو/أيار الحالي، ولما لا وتركيا صارت ملجأ لكل العرب؟ حتى أنني في أحد الاجتماعات العابرة لي في إسطنبول وبحكم عدد العرب الموجودين في الاجتماع قلت إننا نحقق وحدتنا العربية هنا، وليس على أرض العرب، أيضًا تركيا أغلب مظاهرها صارت قريبة جدًا من المظاهر الإسلامية، وحصد الأتراك المسلمون كثيرًا من الحقوق في عهده، وصارت العلوم الإسلامية تقدم في مدارس خاصة بها.
الحقيقة أنني مبهور بالتجربة التركية اجتماعيًا وسياسيًا منذ أول أيامي في تركيا، وكنت أقول إن السيد رجب أردوغان حقق للأتراك كثيرًا من أحلام عبد الناصر للأمة العربية، أيضًا يدفع العرب إلى دعم الرئيس التركي ما يتم تداوله من تصريحات منافسيه عن الجاليات العربية، أو القيم والمبادئ الإسلامية، وأي ما كان الوضع في النتائج الانتخابية، ومع توقعات ضئيلة للبعض أن نجاح الرئيس التركي سيكون بنسبة قليلة جدًا، إلا أن التجربة التركية ستظل دائمًا جزءًا من حلمنا أن نراها في الأوطان العربية قاطبة.