الدبلوماسي المناور.. والسياسي المغامر.. والأكاديمي المخادع!

ثلاثة ألوان من الشخصيات العامة كانوا مجال اهتمام لدى قطاعات من الرأي العام في مصر سواء بالإيجاب أو السلب خلال الأيام الأخيرة، مع اختلاف درجاتهم وأوزانهم في العمل العام وفي الوظائف والأدوار التي يقومون بها أو المسجلة في تاريخهم.

قد يكون التوصيف الذي أطلقته عليهم غير دقيق، وهو في النهاية تقديري الشخصي، هناك من قد يمتلك قدرة على الوصف الأدق، أو الاختلاف مع ما ذهبت إليه بشأنهم جزئيًّا أو كليًّا، فالرؤى كلها نسبية في النظر إلى الشأن العام ومن يدورون داخله، هذا إذا كان المجال العام موجودًا أصلًا وحرًّا متحررًّا ويسمح بالحركة؛ مما يساعد على الاطلاع على مستجدات أفكار واجتهادات الأشخاص وبالتالي تقييمهم بشكل معقول ومقبول.

عمرو موسى

في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر الحوار الوطني في 3 مايو/ أيار الجاري أطلّ علينا الدبلوماسي والسياسي عمرو موسى حيث ألقى كلمة كانت أقرب إلى الارتجال المنضبط.

كلمته كانت مثار نقاش وتداول في مواقع التواصل الاجتماعي بسبب ما تضمنته من انتقادات صريحة لكثير من السياسات التي تنتهجها السلطة ونتجت عن تطبيقها معضلات تظهر بشكل جلي في الجانب الاقتصادي والاجتماعي، أما الجانب السياسي فليس بحاجة إلى مزيد من الشرح بشأنه من موسى أو غيره لأنه مُحكم الإغلاق، فالقيود مانعة للحركة والتفاعل ومعطلة للأفكار والنصائح؛ إذ إن هناك فكرا واحدا قد لا يرى ضرورة لأفكار أخرى بديلة أو تصحيحية، وبسبب الانسداد السياسي فإن الاقتصاد والأوضاع الاجتماعية في أزمة خانقة.

ولهذا -غالبًا- جاءت دعوة الحوار الوطني في 26 أبريل/ نيسان 2022، وتم استقبالها بشكل حسن على اعتبار أن السلطة ربما اقتنعت بأن الحكم شراكة وطنية وليس إدارة فردية، وأنها تريد الاستفادة من خبرة مجتمع السياسة والنخب وأصحاب الأفكار والمبادرات وكل المخلصين للبلد والقلقين عليه لإنقاذه والخروج من المأزق قبل مخاطر لان تمنى حدوثها، وبدء مرحلة جديدة من التشارك في الأفكار والخطط والسياسات والرؤى العامة، لكنك تتعجب إذا علمت أن مصاعب المرحلة كانت تتطلب انعقادًا فوريًّا للحوار، وأن الإعداد له استغرق أكثر من عام وأغرق نفسه في لجان وتفاصيل كثيرة، ثم في النهاية يساورنا شكّ في أننا قد نصل إلى مخرجات ونتائج ربما لا تتناسب وحجم القلق العام.

كل مشكلات وأزمات مصر معروفة والحلول معروفة ومطروحة أيضًا، والأمر لم يكن بحاجة أصلًا إلى حوار وطني أو مؤتمرات اقتصادية، أو بحث عن مبررات لإلقاء مسؤوليات الأوضاع الصعبة على العامل الخارجي، وعلى أوضاع داخلية بعيدة عن السلطة التي تبحث عن تبييض سجلها، وكأن هناك من يحكم ويدير ويقرر ويُصّرف الأمور غيرها.

عمرو موسى تحدث عن أزمات السياسة والاقتصاد والديون والحريات والحقوق العامة والحبس الاحتياطي وتطرق إلى الأحزاب والبرلمان والمجال العام وجمع كل عناوين الانسداد في شكل تساؤلات لم يطرحها هو من عنده وإنما بدا -كما وصفته- دبلوماسيًّا مناورًا، فقد كرر عبارة أن الناس يتساءلون ووضع بعدها عنوان الأزمة واضحًا سواء في ملف سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي أو برلماني أو حقوقي.

عمومًا لا تهم طريقة العرض والمناورة لاعتبارات تتعلق بشخصه ومكانته وعلاقته بالسلطة، وإنما المهم أنه قال ما لا يُقال في المناسبات الرسمية والعامة التي يسودها عادة تجميل الأوضاع وتجنب الإشارة إلى أي إخفاقات، بل تأنيب الناس وتحميلهم السلبيات. لقد قال في محفل عام ما يقوله الناس في محافلهم الخاصة والضيقة.

موسى وزير الخارجية الأسبق، دبلوماسي وسياسي ليس هيّنًا، يجيد صياغة العبارات المناسبة وإطلاقها بالشكل المناسب، والمناورة لا تقلل من شأن الشخص الذي قضى حياته العملية الطويلة في مدرسة الدبلوماسية الرصينة، ليتهم ينصتون إلى تساؤلات الناس كما عرضها المرشح الرئاسي السابق.

أحمد طنطاوي

أُقّدر النائب السابق الشاب أحمد طنطاوي، فالسياسة ليست حكرًا على الكبار في السنّ، وأصحاب الألقاب الفخمة، والأوزان الثقيلة، والأموال الكثيرة، أوباما انطلق في أمريكا بسرعة الصاروخ وهو شاب أسود لا يمتلك مالًا ولا جاهًا ولا ينتمي إلى أسرة عريقة سياسيًّا، وصار رئيسًا للدولة العظمى دورتين.

لا ينبغي التخفيف من شأن أي شخص يدخل العمل العام ويطمح للتنافس على مختلف المواقع وفي كل الهيئات التمثيلية بهدف خدمة الشعب.

طنطاوي ربما يدفع ضريبة لا تنتهي طالما ظل هو السياسي الحالم في بيئة لا تزال غير مرحبة لا بالساسة الجادين ولا بالحالمين.

متعاطف معه في نفيه الاختياري بالخارج، ومع عائلته وأنصاره المحبوسين على خلفية حلمه بممارسة العمل العام وفق أفكاره واقتناعاته واجتهاداته.

 معتز عبد الفتاح

أستاذ العلوم السياسية ومقدم البرامج الذي ينقلب على نفسه وعلى العِلم الذي درسه ويقوم بتدريسه؛ مما يليق بوصفه بأنه أكاديمي مخادع، وهذا وصف مُخفف عما يجب أن يُقال بشأنه عندما يدافع عن الاستبداد ويطالب بالحفاظ على المستبد والتمسك به ولو ضرب ظهرك وأكل مالك لأن في الاستبداد حماية للدول والشعوب كما يرى، وهذا خداع.

القاعدة المعروفة أن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة، والمستبد العادل معنى خيالي غير واقعي.

كلام معتز يقوله سلطوي، أو صاحب مصالح، أو انتهازي، أو لاعب على كل الأحبال، أو جاهل، لكن لا يردده أكاديمي يُدّرس نظريات السياسة ومدارسها وأصول الحكم الرشيد الذي يُثبت حتى اليوم أنه الحكم الديمقراطي.

ومنشأ الأزمات والانقسامات والاحتراب والتخلف والفقر والفساد وكل أشكال التردي والرداءة قديمًا وحديثًا هو حكم الفرد المطلق.

لم تخرج أوربا والعالم الحر من المستنقع المميت إلا بالتحول إلى الديمقراطية، والتداول السلمي للسلطة، ولا وصفة في النهوض ودخول الحضارة إلا بالديمقراطية الجادة.

في أيّ بلد يُقّدر خطورة الكلمة عندما تصدر من أستاذ جامعي متخصص دعوة إلى الدكتاتورية، قد تتم محاسبته أكاديميًّا، مما يُسقط عنه الاعتبار وسط المجتمع العلمي والبحثي والفكري والثقافي، علاوة على فقدان التقدير الشعبي.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان