بشار في الجامعة.. أحاديث العودة وأوهامها

في الثاني عشر من نوفمبر/ تشرين الثاني 2011 قرر وزراء الخارجية العرب في اجتماع طارئ عقدوه في القاهرة تعليق عضوية سوريا في الجامعة بدءًا من السادس عشر من نفس الشهر، إلى حين التزام الحكومة السورية بتنفيذ بنود المبادرة العربية، كما أعلنوا فرض عقوبات اقتصادية وسياسية على دمشق، وحثوا الجيش السوري على عدم استخدام العنف ضد المتظاهرين المناهضين للنظام، وطالبوا الحكومة بـ”التنفيذ الكامل لتعهداتها التي وافقت عليها بموجب خطة العمل العربية لحل الأزمة السورية”.
وطالب القرار “الدول العربية بسحب سفرائها من دمشق”، لكنه اعتبر ذلك “قرارا سياديا لكل دولة”، كما اتفق الوزراء على “توقيع عقوبات اقتصادية وسياسية” على الحكومة السورية، وقرر الوزراء العرب كذلك “توفير الحماية للمدنيين السوريين وذلك بالاتصال الفوري بالمنظمات العربية المعنية وفي حال عدم توقف أعمال العنف والقتل يقوم الأمين العام بالاتصال بالمنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان بما فيها الأمم المتحدة”، ودعا القرار “الجيش العربي السوري إلى عدم التورط في أعمال العنف والقتل ضد المدنيين”.
العودة
وفي السابع من مايو/ أيار 2023، أصدر وزراء خارجية جامعة الدول العربية عقب اجتماعهم بالقاهرة القرار رقم 8914، وأعلنوا فيه استئناف مشاركة وفود سوريا في اجتماعات مجلس الجامعة وكل الأجهزة التابعة لها، ونص القرار على تجديد الالتزام بالحفاظ على سيادة سوريا، ووحدة أراضيها، واستقرارها، وسلامتها الإقليمية، وذلك استنادًا إلى ميثاق جامعة الدول العربية ومبادئه، و”التأكيد على أهمية مواصلة وتكثيف الجهود العربية الرامية إلى مساعدة سوريا على الخروج من أزمتها انطلاقًا من الرغبة في إنهاء معاناة الشعب السوري الشقيق الممتدة على مدار السنوات الماضية، واتساقًا مع المصلحة العربية المشتركة والعلاقات الأخوية التي تجمع الشعوب العربية كافة، بما في ذلك الشعب السوري وما له من إسهام تاريخي بالحضارة والثقافة العربية”.
“والحرص على إطلاق دور عربي قيادي في جهود حل الأزمة السورية يعالج جميع تبعات الأزمة الإنسانية والأمنية والسياسية على سوريا وشعبها، ومعالجة انعكاسات هذه الأزمة على دول الجوار والمنطقة والعالم، خصوصا عبء اللجوء، وخطر الإرهاب وخطر تهريب المخدرات، والترحيب باستعداد الجمهورية العربية السورية للتعاون مع الدول العربية لتطبيق مخرجات البيانات العربية ذات الصلة، وضرورة تنفيذ الالتزامات والتوافقات التي تم التوصل إليها في اجتماع عمان، وكذلك اعتماد الآليات اللازمة لتفعيل الدور العربي”، واستئناف مشاركة وفود حكومة الجمهورية العربية السورية في اجتماعات مجلس جامعة الدول العربية، وجميع المنظمات والأجهزة التابعة لها، بدءًا من يوم 7 مايو/ أيار 2023”.
وبين نوفمبر/ تشرين الثاني 2011 ومايو/ أيار 2023، جرت في النهر دماء كثيرة، وليس مياهًا كثيرة، فقد سقط مئات الآلاف من السوريين ضحايا عمليات القتل الممنهج التي تبناها نظام بشار الأسد وحلفاؤه الإقليميون والدوليون وفي مقدمتهم إيران وروسيا البوتينية، وسقط مئات الآلاف من الجرحى والمصابين والمشوهين جراء عمليات النظام الكيماوية واستهدافه للمنشآت المدنية، بالبراميل المتفجرة تارة، وبالطيران الحربي تارة أخرى وبالأسلحة الثقيلة تارة ثالثة، سواء كانت هذه الأسلحة تابعة لقواته المسلحة أو للقوات الروسية أو الإيرانية، أو لعشرات المليشيات التي تم الدفع بها لتغيير هوية الأرض والشعب السورية.
وبين التاريخين تم تهجير نصف الشعب السوري، بين نازح ولاجئ ومهاجر، سواء داخل الحدود السورية أو عبر حدود عشرات من الدول المجاورة وغير المجاورة في أكبر موجات هجرة شهدها العالم المعاصر منذ نهاية الحرب الباردة. والأغلبية العظمى من هؤلاء المهجّرين تعاني الفقر والجوع والحرمان والعنصرية، بل والحملات الهمجية التي طالتهم حتى داخل الدول العربية التي قرر وزراؤها عودة النظام المتسبب الرئيس في كل هذه الجرائم إلى جامعتهم، دون مراعاة أو تقدير للدماء التي أهدرت أو ملايين البشر التي شردت وهجرت.
الذين يتحدثون اليوم عن “سيادة سوريا، ووحدة أراضيها، واستقرارها، وسلامتها الإقليمية” هل يعلمون من الذي انتهك هذه السيادة، ومن الذي دمر هذه الوحدة وذلك الاستقرار وتلك السلامة؟ هل الملايين المشردة والمطاردة أم النظام الذي استدعى من يحفظ له أمنه وبقاءه على حساب الأرض والشعب والدماء؟
الذين يتحدثون عن “معالجة انعكاسات هذه الأزمة على دول الجوار والمنطقة والعالم، خصوصا عبء اللجوء، وخطر الإرهاب وخطر تهريب المخدرات” ما الذي قاموا به لحماية السوري اللاجئ والمهاجر والمشرد خلال السنوات الماضية، وأين هم من حماية هذا اللاجئ في دول جامعتهم التي نظرت إلى هذا اللاجئ على أنه مصدر فقرها وسوء أوضاعها وليس سياسات الفاشلين من حكامها؟
ما الذي قاموا به لمواجهة ما يقولون إنه خطر الإرهاب، وسياسات النظام في سوريا هي إرهاب ممنهج وفق عشرات التقارير الرسمية الصادرة عن مؤسسات دولية حكومية وغير حكومية، سواء عبر أجهزته ومؤسساته أو عبر المليشيا التي يديرها ويتحكم فيها حلفاؤه الإقليميون والدوليون؟ كيف يتحدثون عن مواجهة خطر تهريب المخدرات، وهم يعلمون يقينًا أن هذا النظام هو المحرك الأول للتجارة فيها، وأنها أصبحت وفق تقارير دولية إحدى أهم مصادر دخله خلال السنوات الخمس الماضية؟
الذين يتحدثون اليوم عن “إنهاء معاناة الشعب السوري الشقيق الممتدة على مدار السنوات الماضية” ماذا قدموا لهذا الشعب خلال هذه السنوات لوقف معاناته؟ وما هي الضمانات التي حصلوا عليها ممن سفك الدماء وانتهك الحرمات وقتل وشرد وهجر طوال هذه السنوات، ثم أعادوه منتصرًا في مواجهة الجميع وعلى حساب الجميع، ودون أن يلتزم بشيء أو يتعهد بشيء، وكيف له أن يلتزم أو يتعهد وهو ليس له من أمره شيء، وناصية أمره وصانعو قراره والمتحكمون في مفاصل نظام حكمه هم شركاؤه الإقليميون والدوليون الذين يتعاملون معه على أنه مجرد أداة لتنفيذ مخططاتهم وسياساتهم.
جامعة الفاشلين
إن الذين يراهنون على أن عودة بشار إلى جامعة الفاشلين اليوم، هي وسيلة لإبعاده عن إيران، وتعزيز الدور العربي في الداخل السوري، واهمون. بشار لن يترك إيران وإيران لن تترك بشارًا مهما كانت الاعتبارات، ولهم في زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي لسوريا في العاشر من مايو/ أيار 2023، وتوقيع 15 وثيقة تعاون في مجالات مختلفة، وتصريحاته التي قال فيها نصًّا: “إنّ إيران حولت الحظر المفروض عليها إلى فرص، وأرى أنّ الإمكانية في سوريا متاحة أيضًا لتحويل العقوبات إلى فرص”، وأن “هذه الزيارة ستشكل منعطفًا إيجابيًّا وجيدًا لتنمية العلاقات بين البلدين، وسترون تأثير هذه الزيارة في العلاقات الاقتصادية بين البلدين والمنطقة كلها”. وكأن الزيارة في توقيتها ودلالاتها وما تم الاتفاق عليه فيها، كانت بمثابة إعلان انتصار إيراني بترسيخ الهيمنة في سوريا بعد ترسيخها في العراق ولبنان واليمن.
من حق إيران أن تزهو وتحتفل بانتصارها، تاركة للعرب جامعتهم، رمزًا لفشلهم وعجزهم.