للألم فوائد..تعرف عليها لتمنع مضاعفة الوجع وتصنع مكاسبك

قبر التبريزي

نكرهه ونبغض اقترابه منا لكنه يأتي رغما عنا أحيانا، وكثيرًا ما نفتح له بعض الأبواب والنوافذ فيستغل الفرصة ويقتحم حياتنا ويتمادى ويهيمن “ويتوحش” بقسوة..

وبدلا من التصدي له كثيرا -مع الأسف- نستسلم له ونسمح له باستنزافنا وسرقة حيويتنا “وزهوتنا” وإرادتنا في صنع حياة أجمل وأفضل وأذكى نستحقها، ويضيع أوقاتًا غالية من أعمارنا وبعض صحتنا النفسية والجسدية.

إنه الألم الذي لا تخلو منه أي حياة بالكون وواجبنا نحو أنفسنا الوقاية من أضراره وتعلم “مهارات” قهره وانتزاع الفوائد منه ومنع سجن النفس به كما يفعل بعض من الجنسين بكل الأعمار.

يسجن بعض من الجنسين نفسه في سجن تجربة مؤلمة صحية أو عاطفية أو مادية أو بالعمل أو بالدراسة؛ وكأنه يخاف إن حطم سجنه وقرر مغادرتها أن يتعرض إلى “الأسوأ”، والمؤكد أنه يعرض نفسه إلى ألم أكبر وهو بالسجن؛ فتقل ثقته بنفسه وتتراجع قدراته على التعامل الإيجابي مع أي ألم، ويكون كمن يحتفظ بمتفجرات  في بيته ويستغرب كثرة الحرائق التي “تداهمه” وتلحق به الخسائر المتتالية.

من المهم “تنظيف” مشاعرنا وعقولنا بعد انتهاء أي تجربة مؤلمة والفضفضة كتابة لأنفسنا للتخلص من شوائبها وأتربتها ولمنع الشعور بسوء الحظ واجترار الألم وزرعه بالعمر، والأذكى من ذلك أن نفرح بانتهائها مهما كانت الخسائر؛ إذ كان يمكن أن تكون تلك الخسائر أكثر، ونسارع بتعويض أنفسنا ومنحها ما يسعدنا، وألا ننتظر ذلك من الآخرين؛ فالجميع لديهم أوجاعهم وإن “بدت” لنا بسيطة أو غير مهمة.

تجاهل وأذى

ننبه إلى خطأ نصيحة تجاهل الألم؛ فسيتضاعف بعيدا عن سيطرتنا وكأننا نرى أن تجاهلنا لـ”عاصفة” سيجعلها تختفي أو تتناقص بلا متاعب، والصواب “منع” الذعر أولًا ثم طمأنة النفس، ثم الانفراد بالنفس للتفكير بهدوء وكتابة ما يمكننا لأفضل تعامل في الوقت الحالي مع الألم ولفهم أسبابه ودورنا في حدوثه؛ ليس لجلد الذات أو تبريره ولكن لمنع تكراره وبعدها نضع خطة واقعية ومرنة للانتصار عليه.

الألم هو شعور بالأذى يرافقه كثيرًا بعض القلق والخوف من المضاعفات، وقد يتبعه غضب أو حزن وأحيانا يجمع بين كل هذه المشاعر.

ينبهنا الألم الجسدي إلى مشكلة صحية فنعالجها في بدايتها و”نتعلم” الوقاية من تكرارها ونستفيد منها في تقوية الجسد لتعويضه ما استطعنا.

الألم في الصداقات وعلاقات الزملاء ينبهنا إلى ضرورة مراجعة النفس والتوقف عن التسرع في منح الثقة، وإلى أخطاء في التعامل كالحدة والتسرع في تحويل خلاف بسيط إلى صراع.

نتفق مع تشرشل في قوله: “الانتقاد قد لا يكون محببا لكنه ضروري لأنه يقوم بنفس وظيفة الألم بجسم الإنسان وينبهنا إلى أمر غير صحي”.

من فوائد الألم التعرف على النفس صحيًّا ونفسيًّا؛ ففي الأولى نعرف مواطن ضعف الجسد ولا أحد يمتلك كل القوة الجسدية، ومعرفتها تساعدنا على تقويتها لاحقًا ومنع المزيد من الضعف وهذا مكسب مهم جدا، أو تجعلنا نتنفس الرثاء والتحسر على النفس؛ فنصنع التراجع الصحي بأيدينا وإضعاف الصحة النفسية أيضًا.

اصنع قوتك

من الفوائد النفسية للألم “اكتشاف” أننا نستطيع أن نكون أقوى متى استعنا بالرحمن “بقوة” ورفضنا المسارعة إلى الاستعانة بالآخرين وكرهنا أن نعامل أنفسنا “كطفل” لا يملك من أمره شيئًا، وتماسكنا ولو “بتمثيل” ذلك في البداية ومنعنا الانهيار من الاقتراب منا، وصدقنا المقولة الرائعة الصحيحة جدا؛ “كما نعتقد نكون”، واعتقدنا في أنفسنا القوة ورددنا القول البديع لفيكتور هوجو: “الألم ثمرة لا يضعها الله أبدا على فرع ضعيف”؛ وتنفسنا السلام النفسي وهو من أهم أعمدة الصحة النفسية وأقوى علاج ومسكن للألم بأنواعه.

أما الألم العاطفي عند الصدمات بأنواعها سواء من أحد المقربين أو من أفراد الأسرة أو علاقة حب أو خطبة وزواج؛ فيمكن أن يأخذنا إلى الأعلى وإلى الأفضل والأجمل نفسيًّا متى ذكرنا أنفسنا بأن ما نعاني منه سيمر مثل كل شيء في الحياة وأن “ريموت كنترول” مشاعرنا بأيدينا، وأن علينا مراقبة تفكيرنا بحزم، ومنع كل ما يضعفنا وتجنب ما يذكرنا بـ”خيبات” سابقة، وطرد الشعور بأننا لا نستحق معاملة عاطفية رائعة أو أن الفشل مصيرنا المحتوم، وأن نستبدل بذلك أن “الفيروسات” تصيب الجميع بأمراض جسدية وتزيد خطورتها مع “غياب” الوقاية ومع الغذاء السيئ وبالطبع مع الاستهتار بالعلاج.

وكذلك الألم العاطفي لتقليصه يجب معرفة دورنا في صنعه؛ هل أخطأنا فمنحنا المشاعر بمبالغة جعلت من تسبب في الألم يستهين بنا؟ أم أسأنا إلى من أخلص إلينا وتوقعنا ألا يعترض لشدة حبه لنا؟ وتناسينا أن لا أحد يتحمل إلى الأبد، هل استقبلنا الألم بالبكاء والانهيار واستسلمنا له؟

هل سارعنا إلى الشكوى إلى الجميع وعلى وسائل التواصل؟ هل بالغنا في التحسر على النفس ونسينا المسارعة إلى العلاج وإيقاف الخسائر.

يقول مثل أمازيغي: “عندما تكون الجذور متجذرة بعمق.. لا يوجد سبب للخوف من الرياح”.

فلنزرع حسن الظن بالرحمن بعقلونا وقلوبنا وسنطمئن؛ وعندما نتعرض لتجربة غير ناجحة سنتألم بالطبع ويجب “التنبه” ومنع أنفسنا من الاستسلام للوجع؛ فالاستسلام يضيق الحياة ويضاعف المعاناة؛ والأفضل التعلم من التجربة وعدم تكرارها و”الابتسام” لأنفسنا بحب واحترام، وأن نفعل أي شيء يفيدنا ولو ترتيب حجرة، فأي إنجاز “يرطب” الحياة ويقلل الوجع، ونبدأ معه طريق الشفاء.

نؤيد قول شمس التبريزي: “من أجل أن تولد نفس جديدة فإن المشقة ضرورية مثلما يحتاج الطمي إلى حرارة شديدة ليصبح قويًّا”،  فالألم يجبرنا على تغيير بعض تفاصيل حياتنا اليومية خلال وجوده ونستطيع الاستفادة منه بـ”فلترة” تصرفاتنا وعاداتنا وعلاقاتنا وجعلها أفضل ومنع التي “تصنع” الألم كالحساسية الزائدة أو الاندفاع وحرمان النفس من قدر جيد من الراحة الحقيقية والترفيه والسكينة، وليس ما يفعله الكثيرون في أوقات الراحة من “التحديق” في الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي “فيضيقون” حياتهم ويكونون عرضة أكثر لأنواع الألم.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان