الشهيد محمد صلاح ودروس للانتصارات اليومية

الجندي محمد صلاح

منذ زيارة السادات للكنيست الصهيوني في 19 نوفمبر 1977، وما أعقبها من تطبيع لبعض الدول العربية وأحلام الصهاينة في ما يسمى بالتطبيع الشعبي تتنامى “ويجهضها” بضراوة الواقع العربي الذي “يتنفس” عشق فلسطين دومًا، وتتوارث الأجيال “بغض” الصهاينة وحب كل أشكال المقاومة واحترامها وتقديرها “وتقديسها” بدءًا من الحجر ووصولًا للصواريخ.

رصدنا استقبال الأمة العربية من الخليج للمحيط بالحب والفخر لبطولة المصري محمد صلاح الذي قتل أربعة من جنود إسرائيل، وأثبت أن العرب وأن فرّقتهم بعض الخلافات وباعدتهم المسافات “والتهمت” بعضًا من إرادتهم تتابع الأزمات والنكبات إلا أن الجسد العربي يمرض ولا يموت أبدًا.

التطبيع يعني أن تكون العلاقة بين الشعوب طبيعية “وكأن” لم تكن هناك أية مشاكل..

نتوقف طويلًا عند كلمة “وكأن”، فهل يمكن أن نقولها على علاقتنا مع إسرائيل؟ هل يمكن القول يومًا وكأن لم تكن هناك دماء زكية أزهقت بلا أي ذنب؟ ولا أجيال نشأت تحت القصف وتهدمت البيوت فوق الرؤوس وتم سجن الآلاف “وأهدرت” أعمارهم وهم بالسجون؟!

هذا ما يتمناه النظام الحاكم في إسرائيل والمستوطنون وكل من يعيش غصبًا على أرض فلسطين الأبية التي “تلفظ” الغاصبين ومعها كل العرب والمسلمين في كل زمان ومكان، ونتوهم أحيانًا أن القضية الفلسطينية “تراجعت” وسط زحام المشاكل الاقتصادية والاجتماعية وتراكماتها في معظم البلاد، وتأتي حرب على غزة أو انتفاضة بالقدس أو شهيد بطل رائع كالشهيد المصري محمد صلاح فيزيح “بلطف” الأوهام، وينير بعذوبة العقول والقلوب، ويبدد الشوائب عنها “بحزم”، ويروي بدمائه الطاهرة شجرة التحرير التي ستثمر حتمًا ولو بعد حين.

فخر العرب

 

جسّد الشهيد إرادة الشعوب العربية من الأجيال كلها، فاحتفى به الجميع حتى أشد مؤيدي الأنظمة التي قامت بالتطبيع مع إسرائيل وجدناهم يمجدونه سرًا وعلانية وفي الجلسات الخاصة وعلى صفحات التواصل الاجتماعي فيما يشبه الإجماع الوطني العربي، مما يبعث الحيوية والانتعاش في الجسد العربي “المثخن” بالانتكاسات لأسباب مختلفة، والمتعطش لتنفس الأمل الذي يأخذ بالأمة لما يليق بها.

من المهم تأمل ظاهرة فرحة الشباب العربي تحت سن 21 بالشهيد محمد صلاح الذي شهدت صفحته الشخصية على الفيس بوك تفاعلًا متزايدًا بعد معرفة استشهاده والتعليقات المتعاطفة والمؤيدة “والمنبهرة” ببطولته، واعتباره فخر العرب “الحقيقي”، فيجدد الوعي العربي ويجعله “يحسن” اختيار من يمثله، ومن يستحق أن يكون “بطله” بعيدًا عن لاعبي الكرة والممثلين.

يُقال بالعربية بطل، لأن الأشداء يبطلون عنه أو أن دماء الأقران تبطل عنه، فلا يدرك لهم ثأر، وفي معجم أكسفورد فالبطل hero هو المحارب العظيم والمقاتل الشجاع، وكان الشهيد محمد صلاح بطلًا بالمفهومين العربي والإنجليزي، فلم يكتف بقتل اثنين من الجنود الإسرائيليين، وظل” ثابتًا بمكانه حتى جاء آخرون “وأكمل” مهمته كمحارب عظيم ومقاتل شجاع وهو ما يجب علينا جميعًا فعله، كل في مجاله، فعلينا الثبات في وجه المصاعب التي لا تخلو منها أي حياة، وعدم السماح لأي بادرة من الانكسار بالتسلل لنا، فالحياة ستنتهي في لحظة بلا أي إرادة منا، فلنعمل على توديع الحياة برأس مرفوع وبنفس “راضية” على مشوارها بالدنيا، وببسمة “انتصار” على كل ما يجذبنا للتخلي عما يميزنا.

المهر والثمن

البطولة لا تأتي فجأة. لا تقفز على عقل لم يمتلئ بها ولا على قلب لم ينبض بها. البطولة “تراكمات” تصنعها أحلام وتمتزج بالوعي وتنضج “بالمثابرة”، وعندما تأتي اللحظة المناسبة تمسك “بالدفة” لتسيطر على الأمور ببراعة وشجاعة تتحدى المخاوف كلها وتسحقها، وكيف لا تفعل وهي “توقن” بطريقها وتتحمل برضى تام “المهر” الذي حتمًا ستدفعه لتصل إلى مبتغاها، وهل يوجد نصر بالكون بلا ثمن “غال”؟!

من المؤكد أن الشهيد محمد صلاح امتلك “بذور” البطولة منذ صغره، ورفض استقبال كل ما يلوث عقله وفطرته السليمة، وحافظ على قلبه “قويًا” وعلى وعيه نظيفًا وسليمًا ورتب أولوياته في الحياة، فتخلى “بإرادته” عن كل ما يجعله يتراجع كخوفه على أسرته التي يعولها وعلى أحلامه كشاب في الحب والزواج والإنجاب، ولفظ “اللامبالاة” كلها، واحتضن فقط رغبته في تحقيق غايته، وهو من أهم أسرار الانتصار “الحقيقي” في الحياة بعد الاستعانة بالرحمن بالطبع.

للانتصار تعريفات كثيرة منها التغلب على الخصوم والفوز في المعارك والتغلب على التحديات، وتحويل الأهداف لواقع وعدم الاستسلام للمعوقات التي لا ينجو منها أي إنسان في الدنيا.

فعل الشهيد محمد صلاح ذلك كله، “ونستطيع” نحن أيضًا تحقيق الانتصارات اليومية في تفاصيل الحياة، فنسارع بطرد التوقف عند الصغائر التي “تستنزف” طاقاتنا وتسرق زهوتنا وتصرفنا عن فعل ما “يقربنا” لتحقيق أهدافنا.

نستطيع تطويع الخوف وجعله “خادمنا” وليس سيدًا علينا كما فعل محمد صلاح، فلا شك أنه فكّر كثيرًا فيما فعله وداس على خوفه، فلا أحد منا لا يخاف، واستخدم “الحذر” بذكاء حتى تمكن من أداء مهمته وانتصر فيها.

استطاع الشهيد محمد صلاح تجاهل كل ما سمعه وما قرأه طوال عمره من محاولات التطبيع “ورفض” الإنصات لها أو منحها ثانية من عمره “ومنعها” من التسلل له والتأثير السلبي في عقله وقلبه ثم تصرفه. نستطيع جميعًا ويمكننا أيضًا تجاهل “كل” ما ومن يضرنا الاهتمام به ويؤخر خطواتنا في الحياة ويعرقل انتصاراتنا.

عندما نقول الانتصارات اليومية فنعني بها الانتصار على كل ما يخصم منا وكل ما يضعف إرادتنا، وكل ما ومن يحاول زرع الإحباط والشعور بقلة الحيلة في أعمارنا وعدم إهدار ثانية في الحديث معهم، فالأسهل دومًا هو جذبنا للأسفل بينما تجاهلهم بصدق هو السبيل لمواصلة الصعود للأعلى حيث نستحق وننتمي ولنصنع انتصارات يومية تتشابك وتتضافر لتنير العمر وليصبح لنا، ولا نسمح أبدًا أن يكون علينا.

 

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان