أداء متراجع للإعلام الاقتصادي المصري رغم أنفه

أشار أحد المواقع الاقتصادية العربية قبل أيام إلى توقف بعض مصانع إنتاج الحديد المصرية، وعمل مصانع أخرى بأقل من طاقاتها الإنتاجية منذ شهور عدة، وذلك بسبب نقص الدولار الذي يتم من خلاله استيراد الخامات اللازمة للإنتاج، وأن الإنتاج بمصانع الحديد يختلف من شهر إلى شهر حسب توافر الدولار.
وبالطبع سيلوم البعض الإعلام الاقتصادي المصري لعدم تعرضه لمثل تلك القضية الحيوية، التي ستؤثر بدورها في أسعار حديد التسليح، وبالتالي على تكاليف المشروعات الإسكانية، في بلد يتم فيه عقد قران نحو مليون شاب سنويًا، بما يعني الحاجة إلى مليون وحدة سكنية جديدة، بالإضافة إلى كم آخر من الوحدات السكنية لمقابلة الطلب الناجم عن إخلاء البيوت القديمة المتهالكة، أو ممن تحسنت ظروفهم المعيشية ويخططون للانتقال إلى وحدات أفضل خاصة للعائدين من الخارج، إلى جانب الطلب على العقار للاستثمار والتحوط من التضخم المرتفع.
لكن وسائل الإعلام ربما تكون بريئة من التقصير، لأنها تعمل في ظروف غير طبيعية، تطول بها قائمة المحظورات بما تشمله من عدم تناول قضية زيادة الأسعار للسلع والخدمات، أو وجود طاقات عاطلة بالشركات الإنتاجية، إلى غير ذلك من أمور تقع تحت عنوان عريض وهو التشكيك في إنجازات الجمهورية الجديدة، ومن هنا فإنهم يؤثرون السلامة بالبعد عن كل ما يمكن أن يعكر صفو مزاج المسؤولين!
في ضوء ما يتلقونه من لوم متكرر، حتى عندما ينشرون نص الأخبار التي تصلهم عبر البريد الإلكتروني من الوزارات الاقتصادية، ثم يجد المسؤول أن رد الفعل للخبر لم يكن مناسبًا فيلوم الصحيفة لأنها نشرت الخبر!
عقوبة الحجب الإلكتروني للمواقع الصحفية
ولم يعد عقاب الصحف غير الملتزمة بالتعليمات منع الإعلانات الحكومية عنها كما كان يحدث في عهد الرئيس مبارك، ولكن تتعدد أشكال العقوبات بداية من حظر بث الموقع الإلكتروني على شبكة الإنترنت، وحتى الإدراج بقائمة الإرهابيين بما تشمله من عقوبات مكملة، كما تصل إلى حد السجن كما حدث لرئيس تحرير إحدى الصحف الذي ظل في السجن 11 شهرًا، بسبب خبر مكث على الموقع الإلكتروني للجريدة ثلث ساعة فقط قبل حذفه.
ولن يكون رئيس تحرير الوسيلة الإعلامية أكبر من هشام رامز محافظ البنك المركزي الأسبق، الذي فقد منصبه لمجرد تصريحه بأن تفريعة قناة السويس تسببت في مشكلة نقص الدولار عام 2015، رغم صحة كلامه فقد جرى إلحاقه نائبًا لرئيس أحد البنوك بلا صلاحيات لمدة طويلة عقابًا، حتى تم تعيينه رئيسًا لأحد البنوك، الأمر الذي ألزمه الصمت منذ ذلك الحين وحتى الآن.
وهكذا أصبحت وسائل الإعلام الاقتصادي تتفادى نشر كل ما يعكر صفو مزاج المسؤولين، حيث أشارت بيانات البنك المركزي إلى تراجع أرصدة الودائع في البنوك بالعملة المحلية، في شهر إبريل/نيسان الماضي عما كانت عليه في شهر مارس/آذار، رغم أن أرصدة الودائع تتضمن قيمة الفوائد المتراكمة عليها، أي أنه حتى ولم تتم أية إيداعات جديدة فإن الرقم الإجمالي للودائع سيواصل الارتفاع، لأنه سيتضمن قيمة فوائد جديدة على الأرصدة القائمة للودائع.
لكن وسائل الإعلام الاقتصادي عزفت عن نشر الخبر حتى لا يلحقها الضرر، رغم أن مهمتها الطبيعية هي تناول هذا الحدث للوصول إلى أسبابه وتداعياته على الدولرة، في ظل وجود سوق موازية لسعر صرف الدولار منذ 16 شهرًا، وأثره في تمويل البنوك للجانب الأكبر من عجز الموازنة، وأثره في سعر الفائدة من خلال رفعه لاجتذاب الودائع التي تعد الشريان الرئيس لمواد البنوك.
مبادرة تمويل الصناعة لم تنفّذ بعد
قضية أخرى تتعلق بقرار الحكومة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي نقل مبادرات التمويل المدعمة، من البنك المركزي إلى وزارة المالية والوزارات الأخرى كالإسكان والسياحة، ووقف مبادرة تمويل الصناعة والزراعة والمقاولات بفائدة 8%، ثم خرج علينا وزير المالية بمبادرة لإقراض الصناعة بفائدة 11% بقيمة 150 مليار جنيه، وهللت وسائل الإعلام بالمبادرة الجديدة التي أصبحت أحد قواسم حديث المسؤولين عن رعاية الدولة للقطاع الخاص، لكنه لم يقل أحد أن المبادرة لم يتم تفعيلها حتى الآن.
وهو الحدث نفسه مع وثيقة ملكية الدولة، التي بمقتضاها تتخارج الدولة من بعض الأنشطة الاقتصادية لإفساح المجال للقطاع الخاص، التي أعلن عنها رئيس الوزراء في منتصف مايو/أيار من العام الماضي، وذكر أنه جرى عرضها خلال الفترة السابقة لإعلانه على القطاع الخاص، ووعد بصدورها في نهاية الشهر، لكن الصدور تأخر حتى نهاية العام، وبعدها راحت وسائل الإعلام تتغنى بوثيقة ملكية الدولة، التي أعطت دورًا أكبر للقطاع الخاص كأحد إنجازات الجمهورية الجديدة، لكن لم يقل أحد أن الوثيقة لم تنفّذ الآن.
ولن يصدق أحد أن المؤتمر الاقتصادي الذي تم عقده في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لم يوجه الدعوة لحضوره إلى الصحيفتين الاقتصاديتين اليوميتين اللتين تصدران في البلاد، وكان عليهما متابعة الجلسات من خلال شاشات الفضائيات.
فإذا كان هو الموقف الرسمي تجاههما، فهل يمكن لهما أو لغيرهما من العاملين في الإعلام الاقتصادي تناول الأداء الاقتصادي للدولة؟ كأداء المشروعات القومية في المجالات المختلفة، مثل عدم انعكاس مشروعات الثروة الحيوانية على أسعار المنتجات الحيوانية، ومثل ذلك مع المشروعات الزراعية وأثر الصوبات في أسعار الخضر، أو حتى معدلات استخدام القطار السريع الواصل إلى العاصمة الإدارية، أو معدلات تعاملات الجمهور مع المقار الحكومية التي انتقلت إلى العاصمة الإدارية.
منظمات الأعمال تؤثر السلامة أيضًا
وتأتي قضية انخفاض الطاقات الإنتاجية بالشركات منذ فبراير/شباط من العام الماضي، بسبب نقص الدولار وعدم استطاعة الإفراج عن المواد الخام ومستلزمات الإنتاج الموجود في الموانئ بالفعل، وهي المشكلة التي وعد رئيس الدولة بحلها أكثر من مرة، وقال رئيس الوزراء أوائل العام الحالي إنه تم حلها.
لكن المشكلة مستمرة حتى الآن في القطاعات الإنتاجية كلها، التي تعتمد على مستلزمات مستوردة مثل الصناعات الهندسية ومواد البناء، لكن الإعلام الاقتصادي يصمت عنها، ليظل الانطباع العام لدى الجمهور أنه تم حلها، كما قال رئيس الوزراء في يناير/كانون الثاني الماضي.
رغم أن استمرار ارتفاع أسعار الدواجن واللحوم والأسماك حاليًا أحد الشواهد العملية على استمرار المشكلة، ولهذا قمت بالطواف على بعض المواقع الإلكترونية لتنظيمات رجال الأعمال، للتعرف إلى شكل تناولها لمشكلة نقص الطاقات الإنتاجية بسبب استمرار نقص الدولار، فوجدت غيابًا تامًا لتلك المشكلة أو لغيرها من مشاكل الصناعة في موقع اتحاد الصناعات، بل إن الصفحة الرئيسة تتضمن أخبارًا منشورة منذ عام 2019.
أما موقع الاتحاد العام لجمعيات المستثمرين ففيه عطل، ولا يتضمن موقعه على شبكة الفيس بوك شيئًا من ذلك، والأمر نفسه لجمعية رجال الأعمال المصرية ولجمعية رجال أعمال الإسكندرية، وفي موقع الاتحاد العام للغرف التجارية فيما عدا خبر من الغرفة التجارية بمحافظة الجيزة، تطالب خلاله الغرفة البنك المركزي بتوفير العملة للتيسير على المستوردين لاستيراد مستلزمات الإنتاج.
خلال فترة الرئيس مبارك كانت المراكز الاقتصادية البحثية تتناول القضايا الاقتصادية المثارة على الساحة، بما يتيح للإعلام الاقتصادي مادة ثرية من تنوع آراء المتخصصين، كما تسهم في زيادة التعلم الذاتي لدى المحررين الاقتصاديين، وتتيح لهم فرص الحوار مع المسؤولين، عندما كان الدكتور عاطف صدقي يذهب إلى جمعية الاقتصاد والتشريع، ليتحدث للحضور ويرد على استفساراتهم، وهو ما كان يتكرر في معهد التخطيط القومي.
وأذكر أنني وغيري طالما سألنا الدكتور عاطف عبيد عندما كان رئيسًا للوزراء، وغيره من وزراء المالية وقطاع الأعمال العام والتخطيط والاستثمار والسياحة ومحافظ البنك المركزي ورؤساء البنوك وغيرهم، في تلك الندوات التي كانت تقام بكليات جامعات القاهرة وعين شمس والأزهر ومراكزها البحثية ومركز الدراسات الاقتصادية، لنقل الأسئلة المثارة بالشارع للمسؤولين وتلقي إجاباتهم لنقلها للجمهور.
إلا أن شيئًا من هذا لم يعد موجودًا، حتى قال أحد مسؤولي اجتماعات المحور الاقتصادي في الحوار الوطني الدائر حاليًا، إن الحضور للجلسات يجلسون بجوار بعضهم، لكنهم لا يعرفون بعضهم بعضًا.