مصر 24.. وديمقراطية الانتخابات الرئاسية

بدأ الحديث في مصر منذ فترة عن الانتخابات الرئاسية المقبلة، فالعام القادم 2024 هو عام الاستحقاق الرئاسي، كان المفترض أن تجري هذه الانتخابات في 2022، لكن التعديلات الدستورية في 2019 منحت الرئيس الحالي عامين إضافيين على مدته الأصلية، وهي 4 سنوات، بعد زيادة المدة الرئاسية في التعديلات إلى 6 سنوات.

لست مع الفترة الرئاسة الطويلة، 4 سنوات مدة مناسبة، نموذج ذلك أمريكا، فالرئيس يُنتخب لأربع سنوات، وقد يُعاد انتخابه فترة ثانية، ولا ثالث لهما. وكانت مدة الرئاسة 7 سنوات في فرنسا حتى عام 2002، حينما خفضها الرئيس شيراك إلى 5 فقط.

الأنظمة الديمقراطية تميل إلى تقصير فترة الرئاسة بهدف مواصلة تداول السلطة في آجال معقولة، وحتى لا يبقى الحاكم طويلًا في مقعده، ولكي يسابق الزمن في العمل والخدمة والإنجاز.

العودة إلى الوراء

4 سنوات رئاسية في مصر، ويجوز إعادة انتخاب الرئيس فترة أخرى مماثلة وكفى، كان ذلك أحد أهم إنجازات دستور 2012 بعد ثورة يناير، وتعديل هذا الدستور في 2014 أبقى فترتي الرئاسة دون تغيير، وجاءت تعديلاته لتعيد مدة الرئاسة إلى ما كانت عليه أيام الاستفتاءات الرئاسية طوال نصف قرن قبل أن يقوم مبارك بتعديل الدستور في 2005 ليستبدل بالاستفتاء الانتخاب، ويخفض فترة الرئاسة إلى 5 سنوات بعد أن كانت 6 سنوات.

في تعديلات 2019 عدنا إلى الوراء، لم نحافظ على المنجز الثوري، ولم نجعل مدة الرئاسة كما كانت في تعديلات مبارك، وكأننا نسير إلى الوراء، فلا نود الحفاظ على أيّ مكتسب.

 

انتخابات في موعدها

ستشهد مصر انتخابات رئاسية العام القادم، في موعدها المعتاد وفقًا للدستور والقانون، وليست هناك انتخابات مبكرة كما يتردد، ولا معنى لتبكيرها لأن الفترة الرئاسية الثانية للرئيس الحالي شارفت على الانتهاء، الانتخابات المبكرة أن تكون بعد سنة مثلًا من بدء الرئيس لولايته، كما كان شعار يونيو 2013، وكان ما كان من الإطاحة بالرئيس مرسي، أو تكون بعد سنتين أو ثلاث أو حتى أربع سنوات، لكنها لا تكون قبل عدة أشهر من النهاية الطبيعية للمدة الرئاسية.

ليس المهم الضجيج حول الانتخابات الرئاسية، العالم كله يشهد انتخابات رئاسية، أو برلمانية، لكن كم انتخابات تجذب أنظار العالم؟ في المقدمة الغرب الديمقراطي كله، وبعده أمريكا اللاتينية، ثم دولة هنا وهناك في آسيا وإفريقيا، وهما القارتان اللتان لم تغادرا بعد دائرة الحكم المطلق كلّيًّا.

العام الحالي شهد انتخابات رئاسية في تركيا كانت حديث العالم، فقد جرت الإعادة فيها لأول مرة، ولم يكن أحد قادرًا على تحديد الفائز حتى الصندوق الأخير، والفائز حصل على هامش محدود فوق الـ50%، وهي انتخابات ديمقراطية في كل إجراءاتها وجوهرها، كذلك كانت انتخابات البرازيل في 2022، فلم يكن هناك قطع بمن سيفوز حتى الصوت الأخير.

لم يتسرب أي شك في هاتين التجربتين، كما لا يتسرب الشك في انتخابات أمريكا، ودعكم من غوغائية ترمب، وكذلك فرنسا 2022، والانتخابات التشريعية في بريطانيا 2019، وإيطاليا 2022، وكل أعراس الديمقراطية في أوروبا، ذلك أن شروط الانتخابات الديمقراطية، وليست الهزلية، تتوفر فيها.

شروط الانتخابات الديمقراطية

هذه الشروط لم تتوفر كلها كما يجب في الانتخابات بمصر بعد ثورة يناير إلا في تجربة 2012، التي سجلها تاريخ الانتخابات في هذا البلد تحت إشراف المجلس العسكري الحاكم، مثلما سجل التاريخ انتخابات البرلمان عام 1924 وفاز بها حزب الوفد، وكذلك استحقاقات تالية كان آخرها عام 1950 قبل إطاحة يوليو 1952 بالملك والأحزاب والحياة السياسية، وإلغاء هذه التجربة المهمة واستبدال حكم الرئيس الفرد والتنظيم السياسي الأوحد بها.

ومنذ تأميم الحياة السياسية بمصر لم يحدث انفراج انتخابي إلا في النصف الثاني من عهد السادات حيث أتاح حراكًا سياسيًّا وحزبيًّا، وجرت انتخابات تشريعية معقولة أدخلت أصواتًا معارضة لأول مرة في البرلمان.

وطوال حقبة مبارك كانت الانتخابات البرلمانية تشهد مدًّا وجزرًا من حيث النزاهة النسبية؛ فكانت المعارضة تدخل البرلمان، لكن في حدود معينة غير مزعجة لسلطوية الحكم.

انتخابات 2012 وما بعدها

بعد ثورة يناير كانت التجربة الانتخابية مشهودة لما فيها من حرية كاملة في إجراءاتها ومضمونها، وهي كانت ابنة مرحلتها فأفرزت نتائج ربما لا تعبر عن مجموع الشعب المصري، ولكنها عبرت عن القوى السياسية الجاهزة لاقتناص الفوز، وغالبًا ما كانت النتائج ستختلف والخريطة ستتغير مع توالي الاستحقاقات وصعود الديمقراطية الناشئة؛ حيث يزداد الوعي وتتضح حقيقة ووزن كل تيار سياسي عبر العمل والقدرة على الإنجاز والفعل السياسي.

تراجعت التجربة، وعدنا إلى المسار السابق على يناير، بل ربما أقل منه في الانفتاح والتسامح  السياسي، ومما يثير الدهشة أن الانتخابات الرئاسية الوحيدة خلال نصف قرن بعد يوليو 52 وقبل يناير 2011 بعد إلغاء نظام الاستفتاء جرت في 2005 وشهدت متنافسين عديدين ضد مبارك أتيحت لهم حرية الحركة وفرصة مخاطبة الجمهور، بينما لم تكن هناك تنافسية بين مرشحين متعددين في تجربتي 2014، و2018، فقط كان هناك مرشح معروف أنه الفائز، ومنافس لاستكمال الشكل الدستوري والانتخابي، لكن المنافس في الأولى كان أكثر جدية من المنافس في الثانية، بينما في 2012 كان هناك مرشحون كثر من الأوزان السياسية والحزبية الثقيلة ومن الشخصيات الوازنة، وكان كل واحد منهم يستحق أن يكون رئيسًا، ونتيجة هذا الماراثون ظلت مجهولة في الجولتين حتى الصندوق الأخير، لهذا لست منبهرًا بتركيا أو غيرها، فقد سبق أن حققت مصر هذا الانبهار.

الانتخابات الديمقراطية تقوم على مبادئ أساسية هي: الحرية والتنافسية والعدالة والنزاهة والشفافية وحياد السلطة وأجهزة الدولة، وهنا ستكون النتائج، أيًّا كانت، معبرة عن إرادة الناخبين، وإذا وقع أيّ إخلال بهذه القيم فإنها لا تكون انتخابات ديمقراطية كاملة وجادة.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان