مُخيم جنين الفلسطيني.. وسيناريو إحراق دبابات ميركافا “الإسرائيلية” وطواقمها

تتوالى الهزائم والانكسارات لجيش الاحتلال الإسرائيلي، الذي باتت الأكاذيب والهالات التي أحاط نفسه بها؛ تنكشف وتتعرى، رغم امتلاكه أحدث الأسلحة الفتاكة، و”تكنولوجيا المراقبة المتقدمة” للفلسطينيين، والتجسس عليهم برا وبحرا وجوا، التي لم تمنع خيبة للاستخبارات الإسرائيلية، في الوقوف على مستجدات أساليب المقاومة الفلسطينية، أو التنبؤ بعملياتها ومن ثم إحباطها. أوهام “الردع” التي يُروّج لها الاحتلال الصهيوني، تتآكل وتتلاشى أمام إرادة أفراد مقاومين غير مؤهلين أصلا للقتال، ولا يمتلكون العتاد اللازم لمواجهة جبروت هذا الكيان الغاصب، لكنهم رجال يمتلكون إرادة صلبة وعزيمة لا تلين، وإيمان بالحق الإنساني في العيش بحرية وكرامة في وطن مستقل، لا بد أن يتحرر يوما من هذا الاحتلال المتوحش.
نسف الآلية المصفحة وقصف المروحية الإسرائيلية.. ومستوطنة النخبة
مُخيم جنين الصامد (12 ألف لاجئ حسب جهاز الإحصاء الفلسطيني) المحاصَر، لقن هذا “الجيش الجبان” الذي لا يجيد سوى قتل المدنيين العُزل بالطائرات الحربية والقنابل الموجهة بالمسيّرات، درسا قاسيا، خلال اقتحامه المُخيم فجر الاثنين، مدعوما بالطائرات المروحية التي قصفت المخيم، مما أسفر عن استشهاد ستة فلسطينيين بينهم طفل، وإصابة عشرات آخرين. أبطال المخيم من “كتيبة جنين” لم يتركوا القوات الإسرائيلية التي شنت هجوما عنيفا على المُخيم تهنأ بجريمتها، بل روعوها بأن أوقعوها في كمين “ملغوم”، وفجروا اللغم عن بُعد، مما أسفر عن نسف آلية إسرائيلية (مركبة مُصفحة متطورة جدّا للجنود)، وإعطاب سبع آليات أخرى، وإصابة سبعة جنود، بخلاف إطلاق النار على طائرة مروحية وإعطابها (حسب بيانات جيش الاحتلال نفسه). لم تكد تمر ساعات على اقتحام المخيم، ليأتي رد المقاومة، بعملية فدائية باقتحام لـ”مستوطنة عيلي” وسط الضفة الغربية، التي تُعَد مستوطنة لـ”النخبة”، وقتل أربعة مستوطنين وإصابة غيرهم بجروح خطيرة، واستشهاد منفذي العملية، ومثل هذه العمليات تثير الرعب في كل المستوطنات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية المحتلة.
كتيبة جنين.. ومحاكاة سيناريو نسف دبابات ميركافا الإسرائيلية وإحراقها مع طواقمها في جنوبي لبنان
ما زاد من ترويع هذه الصدمات التي أحدثتها المقاومة لجيش الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين، أنها حلت بالإسرائيليين، قبل أن تفيق أدمغتهم من آثار الصفعة المؤلمة التي نالتهم من الجندي المصري البطل محمد صلاح، الذي قتل ثلاثة جنود إسرائيليين وأصاب اثنين، قبل استشهاده في اشتباك بالرصاص مع قوة عسكرية إسرائيلية مدعومة بالطيران، رغم ضآلة تسليحه وتقادمه. مشكلة الجيش الإسرائيلي في عملية اقتحامه لمخيم جنين (الاثنين فجرا) أنها أعادت إلى أذهان قادة الاحتلال السيناريو المرعب الذي عاشوا ويلاته في جنوبي لبنان على أيادي المقاومين في حزب الله، وهو ما دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي أريل شارون (2001- 2006) إلى الانسحاب من جنوبي لبنان عام 2000 المحتلة عام 1982، بعد تعاظم الخسائر لقواته هناك. كمين “كتيبة جنين” هو محاكاة لما جرى في حرب لبنان الثانية (12 يوليو/تموز- 14 أغسطس/آب 2006) التي شنتها إسرائيل على جنوبي لبنان لتحرير أسيرين من قبضة “حزب الله”، وهُزمت وانسحبت قواتها تجر أذيال الخيبة دون تحرير أسراها. مقاتلو الحزب كانوا قد دأبوا في هذه الحرب الأخيرة على نصب الكمائن الملغومة لدبابات ميركافا (فخر الصناعة الحربية الإسرائيلية)، فكانت تنفجر وتتطاير محترقة مع طواقمها، تماما مثلما فعل مقاتلو جنين حين نصبوا الكمين بالعبوة الناسفة للآليات الإسرائيلية، مما أربك الجيش الإسرائيلي وأفشل أهدافه من اقتحام جنين.
العقدة الإسرائيلية.. ومسار الصراعات
تكمن عقدة إسرائيل في غرور القوة والتسلح بأحدث ما أنتجته الصناعات الحربية، والدعم الأمريكي والغربي الأعمى، مما أدى إلى توهم العصابة الصهيونية المُسماة إسرائيل، أنها في مأمن وحصانة من المساس بها، ظنّا من قادة الاحتلال الإسرائيلي، الجديرين بزعامة عصابة وليس دولة، أن أعمال الإرهاب والقتل اليومي والاعتقال والتشريد للفلسطينيين، يمكن أن تحقق لهم الأمن والأمان. لا يدرك هؤلاء الجبناء قاعدة بسيطة جدّا مفادها أن “الصراعات لا تسير حتما حسب إرادة أحد أطرافها مهما امتلك من قوة”، إذ قد تصنع الظروف أو الأقدار ما قد يقلب مسار الصراع رأسا على عقب، فانتصار الصهاينة بما يملكونه من قوة جبارة ودعم غربي على الفلسطينيين أصحاب الحق والأرض ليس حتميا، ما دامت هناك مقاومة وتمسُّك بالحق الفلسطيني، فالغلبة والنصر في النهاية سيكون لأصحاب الحق، وسترحل إسرائيل يوما عن فلسطين الأبية، مثل رحيل الاحتلال البريطاني لمصر، الذي دام 74 عاما (1882-1956)، والانسحاب المُهين للقوات الأمريكية والبريطانية (الأقوى من إسرائيل) عن أفغانستان عام 2021، بعد احتلال لمدة 20 عاما، وغيرها الكثير من الحالات التي لا يتسع المقام لحصرها.
نيوتن ورد الفعل.. وقانون العنف
على الإسرائيليين وداعميهم والمطبّعين معهم، إدراك أن الآونة الأخيرة تشهد إرساء قواعد جديدة، تتخطى “قانون الفعل ورد الفعل” لعالم الرياضيات والفيزياء الإنجليزي الشهير إسحاق نيوتن (1643-1727)، ومُلخصه أن لكل فعل رد فعل مساويا له في القوة ومعاكسا له في الاتجاه. هذا القانون لنيوتن يكاد يسري على البشر وردود أفعالهم، لكن لا يمكن لإسرائيل ممارسة كل هذا التوحش والعنف مع الفلسطينيين، دون أن يكون لهم رد فعل مناسب، ما عدا “العنف” فله قانون آخر، إذ يُنتج عنفا أكبر. إذا كان “رد الفعل الفلسطيني” عاكسا لفارق الإمكانات والقوة والتسلح لصالح جيش الاحتلال، فمع الوقت يتنامى، ويصير مؤلما للاحتلال، ويحقق الردع للصهاينة وجيشهم، وسينتصر الشعب الفلسطيني المقاوم في النهاية. وقديما بشرنا الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي (1909-1934) بالنصر قائلا:
إذا الشعب يوما أراد الحياة … فلا بد أن يستجيب القدر
ولا بد لليل أن ينجلي … ولابد للقيد أن ينكسر