هوامش على حياتنا

(1) وضاقت الناس بالأخبار السيئة

لم تعد ابنتي، الطالبة الجامعية، تريد أن تسمع مني تعليقات عن مآسي الحرب في السودان وغرق عشرات المهاجرين قبالة السواحل اليونانية ومنهم مصريون من أبناء قريتي أبراش ومشتول السوق في محافظة الشرقية، لا تريد مني أن أحدثها بقلق عن “فاتورة” السلع الأساسية التي ترتفع كل أسبوع ولا أن أحكي لها بأسى عما يتعرض له الفلسطينيون علي يد قوات الاحتلال في جنين، بل العكس هي تدعوني لمشاركتها في مشاهدة لقطات مرحة على “تيك توك”: فيديوهات لكلاب وقطط أليفة تحوّل أصحابها إلى أثرياء بسبب متابعة الملايين حول العالم لهذه الحيوانات وأعجابهم بسلوكها المدهش والمضحك، كما عرضت عليّ “فيديو” لسيدة مصرية شابة تدعى “أم خالد” لديها 2 مليون ونصف مليون متابع، يعيشون معها تفاصيل حياتها اليومية العادية التي لا تخلو من طرفة وفكاهة. ابنتي ليست وحدها التي تحاول الابتعاد عن سماع الأخبار السيئة والمحبطة، بل يشاركها في ذلك ملايين حول العالم، ولقد توصلت دراسة عالمية إلى أن عدد الأشخاص الذين يهتمون بالأخبار السياسية انخفض بنحو الربع خلال السنوات الست الماضية، وجاء في تقرير صادر عن معهد رويترز التابع لجامعة أكسفورد، أن نسبة الجمهور المهتم بالأخبار حول العالم، قد انخفض من 63% في عام 2017 إلى 43%، كما أن أكثر من ثلث سكان العالم (36%) يتجنبون الأخبار أحيانًا أو في كثير من الأحيان، وقال معدو التقرير إن هناك أدلة على أن الجمهور يواصل بشكل متعمد تجنب الأخبار المهمة مثل الحرب في أوكرانيا وأزمة غلاء المعيشة لتفادي سماع الأخبار غير السارة من أجل حماية صحتهم العقلية. هناك حالة من فقدان اليقين والقلق تجتاح العالم، يحاول الناس أن يهربوا منها إلى مساحات الترفيه والخفة المتاحة. ظاهرة تهم علماء الاجتماع وعليهم دراستها ورصد نتائجها.

(2) كل شيء قابل للإصلاح والعلاج إلا الموت

هناك مثل مصري يقول: “اللي انكسر مبيتصلحش”، هذا المثل بمثابة حكم ببقاء الواقع السيء. هناك أفراد وشعوب كاملة تطبق هذا المثل في حياتها، يتعايشون مع الانكسارات والهزائم على أنها قدرهم، ليس لهم فيها يد وليس لديهم قدرة على إصلاحها، ينتظرون معجزة الرب للخروج من التيه، وهناك أفراد وشعوب ترفض الاستسلام لواقع تجده لا يليق بها ولا يمثلها، يجتهدون في التفكير في كيفية إصلاح المعطوب، ويبحثون عن حلول لدى أصحاب العلم والخبرة مع توفير الأدوات اللازمة للإصلاح.

الدول العربية التي مرت بثورات الربيع العربي، معظمها يعاني من أزمات اقتصادية طاحنة، جزء من الأزمة كان نتاج تداعيات هذه الثورات من عدم استقرار وعنف وظهور جماعات إرهابية أرادت تفكيك هياكل الدولة، لكن الجزء الأكبر من هذه الأزمة الاقتصادية سببه أن أنظمة الحكم الحالية في هذه الدول ما زالت تسير على نهج تفكير أنظمة الحكم السابقة نفسه التي ثارت عليها الشعوب، وهو أن إصلاح العيوب الهيكلية في الدولة مستحيل، لأن “اللي اتكسر مابيتصلحش” ويكفي التعايش مع الكسر بعكاكيز، وعادة ما تكون هذه  العكاكيز مساعدات ومنح وقروض!!!.

مثل هذه الأنظمة لا تؤمن بأن لكل مشكلة حلًا عدا الموت، وأن المطلوب يسير، وسبقتنا دول في تجربته، وهو الاستعانة بأصحاب العلم والمعرفة وليس أهل الثقة، مع توفير الأدوات اللازمة للإصلاح وتمهيد تربة التغيير. الفقر ليس قدر بلداننا العربية كما أن الثراء ليس قدر الدول العظمى، لكن الدول والشعوب تحصد ما تزرعه.

(3) العطاء والتضحية كافيان لإنقاذ البشرية

مدينة “أمريتسار” تعد أحد معاقل طائفة السيخ في شمال الهند، فيها معبد كبير لهذه الطائفة يقدم 100 ألف وجبة مجانية يوميًا للمحتاجين على مدار الأسبوع وطوال العام. الوجبات مكونة من العدس والخبز وحساء الحمص، وهذه الوجبة رغم بساطتها تكفي لسد الجوع، ولهذا اشتهرت “امريتسار” بلقب “المدينة التي لا يجوع فيها أحد”، لماذا لا توجد مئات المدن حول العالم تطعم كل جائع؟ رغم أن عبارة: “حب لأخيك كما تحب لنفسك” موجودة بصيغ مختلفة في الأديان السماوية كلها وغيرها من نحل وملل، فهذه العبارة تتناقلها الألسن ولا توقر في القلب، ولو كانت عالقة في قلوبنا حقًا لما بقي جائع أو محتاج على كوكب الأرض.

المسلمون في بقاع الأرض جميعهم سيحتفلون الأسبوع المقبل بمشيئة الله بعيد الأضحى المبارك، أعاده الله علينا باليمن والبركات، وهو إحياء لسنة أبينا إبراهيم، في يوم واحد يتم إراقة دم ملايين الأضاحي تقدم لحومها للفقراء والمحتاجين، مشهد عظيم يذكرنا بطاعة سيدنا إبراهيم لأمر ربه بذبح ابنه، وهذا هو جوهر هذه السنة المباركة: مهما كانت أن أوامر ربك صعبة على نفسك عليك طاعتها والله كفيل بك بعد ذلك، هل هذا فهمنا للذبح في عيد الأضحى؟ أم أنه تحول إلى طقس نقوم به بحكم العرف والعادة؟ مد يد العون للفقراء والمساكين واجب على كل مسلم قادر طوال العام وليس فقط في رمضان وعيد الأضحى.

قال تعالى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} آمل أن أجد يومًا عشرات المدن في بلاد الإسلام وغيرها تقدم وجبة للمحتاجين طوال العام دون تفرقة أو تمييز، فكلنا عباد الله، وكل عام وحضراتكم بخير وعلى الصراط المستقيم.

 

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان