إيران وأفغانستان.. تنشيط جبهة جديدة في حروب المياه

طالبان في قصر الحكم

يبدو أن جراب الحاوي، أو بمعنى أوضح أجندة الغرب، لا تخلو من البديل أو ربما البدائل، فما إن تخمد نار هنا حتى تشتعل أخرى هناك، وما إن يتراجع الطلب على السلاح من هنا حتى يتزايد الطلب من هناك، فما إن هدأت جبهة إيران والعراق، حتى اشتعلت جبهة الكويت والعراق، وما إن هدأت جبهة الاتحاد السوفييتي وأفغانستان، حتى اشتعلت جبهة الولايات المتحدة وأفغانستان، والولايات المتحدة والعراق، وهكذا دون توقف.

وقد بدا واضحًا كذلك أن الغرب والولايات المتحدة معًا لا يكتفيان حاليًّا بجبهة روسيا وأوكرانيا، أو حتى الصراع الداخلي في كل من السودان وليبيا وسوريا واليمن، فما إن اتجهت إيران إلى التهدئة على هذا الصعيد أو ذاك، وما إن التقطت أفغانستان أنفاسها بعد الانسحاب الأمريكي، حتى ظهرت بوادر فتح جبهة مواجهة جديدة بين الجارتين هذه المرة، أفغانستان وإيران، والسبب المياه. وعلى الرغم من أنها قضية قديمة تمتد أكثر من مئة عام، فإن الأزمة مختلفة هذه المرة.

شحّ المياه

المواجهات بين إيران وأفغانستان خلال الأسابيع والأيام القليلة الماضية أخذت طابعًا عسكريًّا، أسفر عن سقوط قتلى بين الجانبين، بعد تبادل القصف على الحدود بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة لأسباب واهية. وكان شحّ مياه نهر “هلمند” القادمة من جبال “الهندكوش” بأفغانستان لتصب في بحيرة “هامون” الإيرانية السبب المباشر في التطورات الحالية بين البلدين، على الرغم من وجود اتفاقية موقعة بينهما قبل 50 عاما، وتحديدًا عام 1973 تحكم مياه النهر، وتنصّ على وصول نحو مليار متر مكعب سنويًّا إلى الجانب الإيراني.

تصريحات الجانبين ساخنة دون سبب منطقي، فالأفغان يلوّحون طوال الوقت بالحرب والغزو والانتصار على “الفرس” بعد انتصار على السوفييت والأمريكان من وجهة نظرهم، وفي المقابل تهدد إيران طوال الوقت بإغلاق الحدود وحرمان الأفغان من النفط وصادرات أخرى وطرد اللاجئين الأفغان من أراضيها، وغير ذلك من العقوبات.

الأفغان يتحدثون هذه المرة عن المياه مقابل النفط، والإيرانيون يتحدثون عن حقوق في المياه تحكمها اتفاقية رسمية. إيران تسعى إلى مجرد الاطلاع على تفاصيل سدّ “كمال خان”، وأفغانستان تعلن نيتها إقامة 20 سدًّا أخرى على مختلف الأنهار هناك، إلى غير ذلك من أطروحات على الجانبين تؤكد أن التحرش سيّد الموقف.

ويأتي ذلك أيضا في الوقت الذي تسعى فيه إيران إلى الاهتمام بمحافظة سيستان بلوشستان التي تفتقد إلى التنمية والخدمات، وذلك في أعقاب احتجاجات كبيرة شهدتها المحافظة أكثر من مرة، في حين ذكر البرلمان الإيراني أن نحو 25% على الأقل من سكان المنطقة قد انتقلوا إلى مناطق أخرى خلال الأعوام القليلة الماضية، لأن كمية المياه الواردة عبر النهر خلال تلك السنوات لم تزد على 4% فقط مما كان يرد في السابق، أو مما هو متفق عليه.

لكن ما يجهله الكثيرين هو أن الأزمة الإيرانية الأفغانية، كانت في حاجة إلى وقود لا أكثر، إذ كانت نارًا تحت الرماد طوال سنوات الجهاد الأفغاني وما بعدها، وهنا تكمن المشكلة القابلة للاشتعال بمجرد النفخ في الكير، الذي يبدو أنه وجد الكثير من أدوات النفخ الآن، ويكفي أن القوات الأمريكية حينما انسحبت من أفغانستان في أغسطس 2021 خلفت وراءها أسلحة بدون مقابل، تقدر قيمتها بنحو 7 مليارات دولار، تتضمن طائرات ومعدات عسكرية وأجهزة اتصالات، فضلًا عما تصل قيمته إلى 18 مليار دولار من الأسلحة والمعدات التي قدمتها لقوات الأمن الأفغانية.

ومع انسحاب القوات الأمريكية، لم يخف المراقبون في حينه دهشتهم من ترك هذه الأسلحة بأيدي مقاتلي طالبان، ولم توجد إجابات في حينه، كما أبدى المراقبون دهشتهم من تسويات إيرانية في منطقة الشرق الأوسط لقضايا مزمنة دون إبداء امتعاض أمريكي على مستوى الحدث، من دون إجابات في حينه أيضا، إلا أن اشتعال الجبهة الإيرانية الأفغانية الآن قد يجيب عن هذه الأسئلة وغيرها، خصوصًا بعد سقوط عدد من القتلى الإيرانيين، وهجرة كثير من سكان المناطق الحدودية، وسط دعوات شعبية، وأحيانًا رسمية تطالب بالانتقام.

حل النزاعات بين الدول الإسلامية

أعتقد أنه قد آن الأوان للتوصل إلى آلية لحل النزاعات بين الدول الإسلامية والعربية، من خلال منظمة التعاون الإسلامي، أو من خلال مجموعة عواصم تتعهد بذلك، وهي في مهدها، قبل أن تتطور الأوضاع إلى مواجهات مسلحة بهذا الشكل الذي ينذر بعواقب وخيمة على دول الجوار بالدرجة الأولى، وربما على المنطقة كلها، في وجود قوى كبرى اعتادت إذكاء الصراعات في أنحاء العالم لأسباب لم تعد تخفى على أحد، إلا أن قراءة التاريخ ليست أولوية عربية وإسلامية في العقود الأخيرة كما هو واضح.

على أية حال، يجب أن يوضع في الاعتبار أن التغيرات المناخية في العالم -كل العالم- قد ألقت بظلالها على كميات المياه ومسارات الأنهار وغير ذلك مما اعتادت عليه هذه الدولة أو تلك، مما سوف يوجد الكثير من النزاعات في مواطن عديدة، خصوصًا مع إقامة الكثير من السدود، التي تضررت منها العديد من البلدان، مثل العراق وسوريا ومصر والسودان وباكستان وإيران، وهو الأمر الذي يوجب أيضا وضع قواعد وآليات منظمة لإدارة مثل هذه الأزمات في ضوء مثل هذه التطورات الجديدة، حتى لا نفاجأ بما لا تحمد عقباه على أكثر من صعيد في آن واحد.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان