“عجول” الأنابيب و”عقول” السياسة وأم كلثوم

مؤخرا نشرت مجلة “العلم” القاهرية أن عددا من العلماء بالمركز القومي للبحوث بمصر نجحوا في إنتاج عجول “أنابيب”، من خلال أجنّة معملية محسَّنة وراثيا واستخدام تقنية نقل الأجنّة في مزرعة النوبارية للحيوانات غرب القاهرة، وهو الأمر نفسه الذي يمكن أن يتم مع الأبقار والجمال والأغنام والماعز.
وتأتي هذه المحاولة في ظل ارتفاع أسعار اللحوم بشكل عام واستيراد مصر لها من دول إفريقية، وكذلك بمناسبة عيد الأضحى حيث الإقبال الشديد على شراء الأضاحي، وهو ما يؤدي إلى مزيد من ارتفاع الأسعار.
سامحكم الله
حسنا فعل المركز وعلماؤه في محاولته العلمية التي تُعَد تطورا طيبا في مجال تحسين السلالة، ليس في مجال عجول الجاموس فقط، ولكن أيضا في الأبقار والجمال والماعز والأغنام، وهي علميا مقدَّرة بالتأكيد ونرجو البناء عليها.
إلى هنا والخبر عادي، ولكن رحت أقلب المجلة مرة أخرى من أول صفحة إلى آخر صفحة كي أعثر على خبر يشعرني بالفرحة في ظل زحمة الذكاء الاصطناعي، وأن يتعلق بالتوصل إلى اختراع عقول أو رؤوس سياسية كما حدث في اختراع أطفال الأنابيب قبل سنوات، وهو ما أدخل الفرحة على الكثيرين، وكذلك خلية النعجة دوللي، ولكني لم أجد، فقلت لنفسي: سامحكم الله أيها العلماء بالمراكز، فلماذا لا تجتهدون في هذا الأمر وتقدموا لنا اختراعا في هذا السياق يعيد الثبات إلى عقولنا وينقذنا من الجنون مما يفعله هؤلاء؟
أدمغة الأنابيب وخلايا دوللي
كنت أطمح أن هؤلاء العلماء يستغلون اختراع الأنابيب أو النعجة دوللي، ويحاولون الاستفادة لإعادة تخليق واختراع أدمغة سياسية جديدة من رفات ساسة عظام مثل نهرو وتشرشل ومانديلا وغيرهم، وقادة وطنيين أمثال سعد زغلول ومصطفى كامل وعبد القادر الحسيني وعبد القادر الجزائري وسوار الذهب وغيرهم، ليتم استبدالها بأدمغة ساسة هذا الزمن الذين أورثونا الكوارث، وأنه بهذا الاختراع يختار كل سياسي في زمننا هذا الخلية من السياسي الذي يرغب أن يكون مثله، حتى لا يكون هناك حجة ويعود إلى رشده وصوابه، ويصبح شخصا آخر بمجرد وضع الخلية له أو هكذا نتمنى.
ويبدو أن هذا الاختراع مطلوب نظره في ظل الحديث المتسارع عن الذكاء الاصطناعي على مستوى العالم، فهناك ساسة كادوا يوردوا العالم الهلاك وبلادهم الدمار رغم أنها دول متقدمة، على سبيل المثال ترمب وما فعله أثناء تنصيب بايدن وما جرى من اقتحام رجاله الكونغرس، وما تلاه من أحداث وصلت إلى حد محاكمته مؤخرا كأول رئيس أمريكي يتعرض لذلك، مهددا تجربة ديمقراطية تجاوزت مئتي عام، ورجل مثل هذا أول مَن يحتاج إلى اختراع مِن هذا النوع، أيضا هناك بوتين رغم عبقريته المخابراتية فإنه أوصل العالم إلى حرب ثالثة بتهور بالغ، وهي الحرب التي أوشكت أن تشمل العديد من الدول، كل هذا يأتي في سياق جنون العظمة، وهناك ماكرون وتصرفات مراهق سياسي يهدد باريس كمنارة للحرية والعلم وفرنسا كواحة للديمقراطية في ظل تعصبه الديني، أيضا في آسيا زعيم كوريا الشمالية الذي يهدد العالم بصواريخه كل يوم ويطلق صواريخ تجريبية خطيرة كل ساعتين.
غلمان السياسة
أما في عالمنا العربي فحدّث ولا حرج، فهناك مراهقو سياسة استيقظوا ليجدوا أنفسهم على رأس السلطة، ولكن لا يعرفون قيمتها ويتصرفون معها وكأنها دراجة أو سيارة خاصة بهم.
وهناك رؤساء راحلون حكموا بلدانهم كانوا أول من يحتاجون إلى هذا الاختراع نظرا للحمق الذين تصرفوا به، وهو ما كلف بلادهم وشعوبها الكثير، فأحدهم وصل به الأمر إلى أنه صدّق فعلا أن المكرونة تُزرع على سبيل المثال، والآخر كان “شاويشا” وحكم دولتين بمؤهلات لا ترقى إلى مدير منطقة وظل في السلطة سنوات طويلة وانتهى به حمقه الى دمار دولته وشعبه بل ودمار نفسه ومقتله لأنه صدّق أن خصمه سيأمنه ولكن كانت النهاية، أما ثالثهم فهو لا يزال على قيد الحياة تاجر الجمال الذي لا يملك أي مؤهلات والذي صار نائبا لرئيس مجلس الحكم في بلده وتقاسم السلطة معه ولكن لم يقنع بذلك وجر بلاده إلى حرب مدمرة من أجل الاستحواذ على السلطة كاملة .
ألا يستدعي كل هذا من علماء الذكاء الاصطناعي والمركز القومي للبحوث أن يبحثوا لنا عن حل لتجنب كوارث هؤلاء وينقذوا العالم من حماقاتهم عبر عقول أنابيب أو خلايا دوللي أو أي طريقة أخرى؟! عموما نحن في الانتظار، إذ يبدو أنه لم يعد هناك حلول سوى ذلك على الأقل في بلاد بعينها.
إضاءة أخيرة
هناك عبارة شهيرة عن كوكب الشرق أم كلثوم عندما كانت في حفل باليمن، وخاطبها واحد من الجمهور مُبديا إعجابه الشديد بها، قائلا لها “يا جاموس (قاموس) المغنى يا ست” باللهجة اليمنية، والمعنى يختلف كثيرا باللهجة المصرية، فردت عليه بسرعة بديهة “بس فين العجول (العقول) اللي تفهم”، وأيضا المعنى هنا يختلف باللهجة المصرية، ورغم أن الرجل لم يكن يقصد شيئا إلا المديح فإن الرد أظهر سرعة البديهة لدى أم كلثوم، وأيضا كشف اختلاف المعنى 180 درجة باختلاف اللهجات، خاصة أن هناك بلادا تقيّف الجيم وأخرى تهمز القاف والعكس.
ختام المقال ربما يوضح ويضيء بعض المعاني.