صناعة السياحة فن وليست فهلوة.. الـ”توك توك” في كاراكوف!

قلعة فافل

ما الذي يجعل مدينة أوربية تقع في جنوب بولندا، يتراوح عدد سكنها بين 800 ألف ومليون نسمة تستقبل في العام 14 مليون سائح فيما قبل الجائحة، والآن 10 ملايين سائح، وفق تقارير السياحة في المدينة؟! ليس هذا فحسب بل إنها تأمل المزيد والتوسع وفتح المجال للسياحة العربية التي تعاني من الاستغلال والخداع في دول أوربية أخرى.

لا شكوك تحيط بالسائح

إنها مدينة كاراكوف السياحية الجميلة التي لا شك أننا سنجد فيها الإجابة عن الأسئلة السابقة، ونتعرف من خلال جولة فيها كيف وصلت إلى هذا الرقم الذي لم تصل إليه بلدان بها الكثير من الآثار العالمية!

الأمر لا يتوقف على الآثار التي يسافر من أجلها السائح، بل أيضا على المناخ المحيط بها، فمثلا خلال ثلاثة أيام من الحركة والتجوال في كراكوف من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها لم أر فيها عربة شرطة، ولا أحد يستوقفك لرؤية هويتك أو طلب جواز سفرك بما يعني الشك فيك، لا أحد يمنعك من التصوير، لا تحرش ولا تسول… المدينة آمنة للغاية ومراكز التسوق عامرة، وفيها أحدث الموضات؛ مما يجعلها وجهة مهمة لسياحة التسوق، والأسعار فيها أرخص من ألمانيا المجاورة وباقي دول أوربا الغربية.

المطاعم الشهية عنصر جذب سياحي

المطاعم فيها متنوعة للغاية وبأي نقود معك يمكن أن تتناول وجبتك. فمثلا بعيدا عن المطاعم الراقية يمكن تناول الطعام الشعبي في ما يسمى “مقهى اللبن” وهو سلسلة مقاه من الإرث الشيوعي تقدم الأكل الشعبي البولندي الرخيص مثل البيروجي، وكيكة البطاطا، والشربة والبيجوز… وكان إبان الحكم الشيوعي يقدم مع كل وجبة لترًا من اللبن للمساعدة على تغذية الناس.

كان هناك 40 ألف مقهى تقلص عددها الآن إلى 150 فقط، ويمكن للسائح أيضا أن يتناول البيتزا الخاصة بأهل المدينة والتي تسمى سباكنكي (Zapiekanki) وهي رغيف من عيش فينو كبير محمص توضع عليه تشكيلة من الخضار أو اللحوم بسعر زهيد للغاية.

من مطار ميونيخ إلى كاركوف المسافة ساعة واحدة بالطائرة، وبما أن السفر داخل نطاق دول تشنغن يعتبر سفرا داخليا، فلا ضباط جوازات ولا أحد يطلع على بطاقة أو جواز سفر، إنها الثقة المفرطة في مواطني الاتحاد الأوربي، وحتى في الفندق يكفي أن تملأ الاستمارة من دون النظر في بطاقتك.

يستشعر السائح أنه موثوق به، وأن كل شيء آمن ومريح، فليس هناك أسوأ من الإجراءات البوليسية التي تراقبك، وتنظر إليك بعين الشك. وهذا من أهم الأمور التي تلعب دورا في عملية “التطفيش” السياحي!!

ساحة المدينة القديمة نقطة تواعد الناس

المدينة جميلة وقديمة وبها إرث ثقافي وتاريخي رائع، فهي أول مدينة أوربية وضعت تحت وصاية اليونسكو، مبانيها قديمة وجميلة ويرجع بعضها إلى 1000 عام، والآخر إلى القرن الثالث عشر الميلادي، وبغض النظر عن المباني التاريخية كالقلاع والقصور الملكية والكنائس والجامعات، فإن قلعة فافل ذات القباب الملونة التي بُنيت إحداها من الذهب الخالص هي القلعة السياسية والثقافية لبولندا خلال القرن السادس عشر، وهي رمز الهوية الوطنية البولندية.

قلب المدينة النابض في ساحة المدينة القديمة المعروفة بـرينيك جلوفوني (Rynek Główny) يرجع إلى القرن الـ13، الساحة عظيمة الاتساع ممتلئة عن آخرها بشتى أنواع البشر، محاطة بالمطاعم والمقاهي من كل جانب، بها أعداد غير محدودة من أسراب الحمام التي تنزل على يديك ورأسك أينما ذهبت، هي المكان المثالي ونقطة التقاء الناس، وفي الماضي كانت المقر التجاري للمدينة، وكانت البضائع التي تعرض فيها هي الحرير والتوابل والجلود والشمع، وذلك خلال القرن الخامس عشر. أما الآن فالسياح يشترون منها الهدايا التذكارية ويتذوقون الطعام المحلي في أكشاكها.

الـ”توك توك “والحنطور في كاركوف

العربات التي تجرها الخيول والتي تشتهر بها المدينة موجودة في الساحة القديمة ويمكن للسائح القيام بجولة بها تضفي على زيارته نوعا من التميز، وهي إلى حد كبير تشبه جولات عربات الحنطور في مصر في الأماكن السياحية ولا سيما الأقصر!

ليس هذا فحسب بل إن التكتوك المكشوف يؤدي دورا آخر في المدينة، وهو مزوّد بدليل إلكتروني، فعندما تضع السماعة في أذنك ستستمع إلى شرح كل ما يقودك إليه السائق.

لا شك أن قلب المدينة القديم هو أشهر مكان سياحي يذهب إليه السياح، ويحيط به حزام أخضر دائري بالكامل، فعندما يتعب السائح يجلس على إحدى الأرائك تحت ظلال الأشجار الوارفة.

توك توك

معسكر الاعتقال النازي ومنجم الملح

أجمل ما في المدينة هو هذا التداخل بين السياسة والمعارك التاريخية والدينية وبين الطبيعة التي سطرت فصولها في الخريطة السياحية لكاركوف، فبعيدا عن معسكر الاعتقال النازي الشهير أويسشفيتز والمحرقة التي جرت داخله، فإن منجم الملح فيليتشكا هو أحد أروع الأماكن التي تستحسن زيارتها، تبدأ الرحلة بالنزول 850 خطوة على درج إلى عمق 100 متر.

نمر في الجولة عبر أدواره المتعددة بعمق 300 متر، فنشاهد العديد من الغرف والآثار والأعمال الفنية داخله وكلها مصنوعة أو منحوتة من الملح.

المنجم به فندق وصالة أفراح، الأجواء داخله صحية، وكثير من الذين يعانون أزمات في الجهاز التنفسي يذهبون للاستشفاء به.

اكتُشف هذا المنجم في القرن الـ13، واستُخرج منه الملح على مدار 700 سنة. وقد زاره منذ سنة 2007 تاريخ وقف العمل به 41 مليون سائح، ويسمح الآن بالتجول فيه على مساحة 3 كيلومترات من أصل 300 كيلومتر هي مساحة المنجم الكلية.

الحنطور
المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان