الحنين لـ”سليمان خاطر”.. فماذا تعرف عنه؟

أتذكّر أنه في عام 1986 عندما كنت طالبًا في المرحلة الجامعية، وكنت مشروع أديب وقتها قبل أن “تندهني نداهة” الصحافة؛ أنني كتبت قصة قصيرة عن الجندي المصري البطل سُليمان خاطر، وكانت بعنوان “الشهيد”، وكتبت القصة بصورة رمزية، لم أذكر فيها اسمه؛ بسبب الظروف الأمنية وقتها، وناقشتها في الجماعة الأدبية، ولاقت استحسانًا، وفهم الجميع الرمز الذي يتمنّاه كل مصري وعربي ومسلم في أنحاء العالم.
سليمان خاطر جديد
ما جعلني أتذكّر تلك القصة هو الحنين والشوق الذي بدَا للجميع في مختلف وسائل التواصل لإعادة نموذج سليمان خاطر من جديد، عقب قيام مجنّد في الشرطة المصرية بقتل 3 من جنود المحتل الصهيوني، وإصابة آخرين قبل أن يُستشهد.
ومنذ الإعلان عن العملية دشن المصريون والعرب على منصات التواصل وسومًا عديدة؛ تضامنًا مع الشهيد، ومنها (#جندي_مصري) و(#سليمان_خاطر) و(#الشهيد_البطل) و(#الجندي_المصري) و(#سليمان_خاطر_جديد).
وقالوا “إن سليمان خاطر لم يمت، ولكنه بُعث من جديد”، وإن “سليمان خاطر قد أنهى أحلام التطبيع مبكرًا”، وها هو جندي آخر يؤكد ذلك مرة أخرى، ليعلم الجميع أن التطبيع الشعبي مع الكيان المحتل صعب المنال، فهناك دماء بيننا، وكما قال الشاعر أمل دنقل في قصيدته المشهورة: “لا تصالح.. ولو منحوك الذهب.. أترى حين أفقأ عينيك، ثم أثبت جوهرتين مكانَهما.. هل ترى؟!.. لا تصالح على الدم.. حتى بدم.. لا تصالح.. ولو قيل: رأس برأسٍ”.
وفور الإعلان عن الحادثة تذكّر الجميع سليمان خاطر، وطالبوا بمعرفة اسمه، فانتشرت على مواقع التواصل فيديوهات وصور لبعض المجندين المصريين على أنهم هم مَن قاموا بهذا العملِ البطوليِّ؛ ولكن كل هذه الصور والفيديوهات كانت غير صحيحة بالمرة، حتى ذكرت إذاعة تل أبيب أن اسم الشهيد هو محمد صلاح 22 عامًا، وأنها سلّمت جثمان البطل لمصر، فانتشرت صور للشهيد محمد صلاح أغرقت مواقع التواصل الاجتماعي كلها تفتخر بالبطل، وما قام به.
التعتيم على اسم البطل
وأعتقد أن السلطات المصرية لم تكن لتفصح عن اسم البطل؛ حتى لا يكون أيقونة للشباب، كما حدث مع سليمان خاطر، فيكفيهم سليمان خاطر واحد! رغم أن الصهاينة أعلنوا عن قتلاهم بالصور والأسماء، وبكَوا عليهم، أما سليمان خاطر الجديد فأرادوا أن يكون لا بواكي له!
والحقيقة، إن الجميع على مواقع التواصل -بعيدًا عن إعلام الدولة- ترحّموا على الشهيد، وأطلقوا عليه اسم “سليمان خاطر الجديد”، ودشنوا وسومًا عنه.
ونحن ربما لن نعرف معلومات عن سليمان خاطر الجديد؛ بسبب التعتيم، ولكن نعرف سليمان خاطر ابن محافظة الشرقية؛ الجندي المصري الذي أطلق النار على مجموعة من الإسرائيليين عند نقطة حراسته عندما أرادوا عبور الحدود، فقتل منهم 7، وحدث ذلك في أكتوبر عام 1985.
وربما تكون مشاهدة سليمان خاطر لآثار قصف القوات الجوية الإسرائيلية لمدرسة بحر البقر التابعة لمحافظته عندما كان صغيرًا لها تأثير على كراهيته للعدو، ووجدها فرصة لأخذ ثأر هؤلاء الأطفال الذين استشهدوا في القصف، والذين بلغ عددهم 30 طفلا غير المصابين.
سليمان خاطر
ورغم أن سليمان وقتها كان في الخدمة العسكرية، إلا أنه كان ملتحقًا بكلية الحقوق بجامعة الزقازيق، نظام التعليم المفتوح، وكان هذا السبب الذي أدى إلى منع تجنيد أصحاب المؤهلات في الخدمة بالأمن المركزي، ولكن منذ سنوات يتم تجنيد المتعلمين في الأمن المركزي.
وقد سلم سليمان نفسه، وتم تحويله لمحاكمة عسكرية، رغم طلب محاميه محاكمته أمام محكمة الجنايات، وتم رفض هذه الطلبات.
وكعادة الإعلام المنافق، وصفته الصحف الموالية للحكومة بـ “المختل عقليًا”، فيما رأت فيه صحف المعارضة حينها أنه بطلها الذي تحلم به، كما أُقيمت مؤتمرات وندوات؛ للتضامن معه، ومع قضيته.
وحكمت المحكمة العسكرية على سليمان خاطر بالأشغال الشاقة المؤبدة لمدة 25 عامًا، وذلك في ديسمبر 1985، وبعد قضاء بضعة أيام في السجن الحربي نقل لمستشفى السجن بدعوى علاجه من البلهارسيا، وفي 7 من يناير 1986 نشرت الصحف خبرًا عن وفاة سليمان خاطر منتحرًا.
قتل أم انتحار؟
وأتذكّر وأنا طالب -حينذاك- إعلان السلطات أنه مات منتحرًا، وتعدّدت الروايات في الصحف والمجلات عن طريقة انتحاره، والوسيلة التي استخدمها في الانتحار؛ ما جعل أسرته تطالب بتشريح جثته من خلال لجنة مستقلة لكي يعرفوا أسباب وفاته، وللأسف تم رفض الطلب؛ ما جعل معظم المعارضين والمتعاطفين مع سليمان يرجحون أنه قتل.
وبعد أن عُرف خبر موت سليمان خاطر خرجت المظاهرات الطلابية من جميع الجامعات المصرية، بالإضافة لطلاب المدارس الثانوية؛ معترضين على قتله، وأتذكر حينَها أن المظاهرات استمرت أيامًا؛ ما دعاني لكتابة قصة الشهيد (التي ذكرتها في بداية المقال)، فقد كنت أحتفظ بجميع الصحف التي تتكلم عن سليمان خاطر حينذاك.
ومن العجب أنه منذ أيام خرجت تقارير من الكيان تعبّر عن سعادته بتغيير إيجابي حدث في مناهج التعليم المصرية، وخلوّها من التعصب والكراهية ضدهم؛ ولكن جاءت حادثة مقتل جنود الصهاينة، واستشهاد الجندي المصري؛ لتؤكد أن الشعب المصري والشعوب الإسلامية كافة لهم رأي آخر في مسألة التطبيع مع الكيان، وأنهم لم ولن ينسوا دماء شهدائهم.