الجندي المصري الذي أوجع إسرائيل وهز قوة عسكرية عظمى

الجندي محمد صلاح (من صفحته على الفيسبوك)

3 يونيو 2023، سيكون يومًا آخر محفورًا في الذاكرة الشعبية المصرية والعربية، كما أنه لن يُنسى في إسرائيل.

ففي فجر هذا اليوم، اجتاز الجندي المصري، محمد صلاح، بمفرده، السياج الحدودي الفاصل بين مصر وإسرائيل (أرض فلسطين التاريخية المحتلة)، وقتل ثلاثة جنود إسرائيليين.

هذا اليوم، هو السبت الأسود الجديد على الاحتلال، انقلبت إسرائيل كلها رأسًا على عقب؛ حكومة ومعارضة ورئاسة وأحزابًا، مدنية ودينية عنصرية ومتطرفة، وسكانًا شتاتًا يستوطنون فلسطين بقوة السلاح، والدعم الأمريكي، والهوان العربي.

وقسوة ما حصل كانت أشد على جيش الاحتلال الذي اكتشف جوانب ضعف في بنية المراقبة والرصد والاستشعار، بعد أن كان يعتقد أنه قوة عسكرية ساحقة في الشرق الأوسط.

جيش يُقهر مرارًا

الجندي محمد صلاح، وصفه مصريون وعرب بأنه “فخر العرب الحقيقي”، قياسًا على إطلاق نفس الوصف “فخر العرب” على محمد صلاح نجم كرة القدم العالمي، هذا العسكري الشاب أوجع إسرائيل، وفضح مجددًا مقولة الجيش الذي لا يُقهر، التي يتوالى سقوطها منذ انتصار أكتوبر 1973، كما تسقط أمام ضربات المقاومة، وصدها لكل عدوان صهيوني.

شهر يونيو يُذِّكر مصر والعرب بآلام هزيمة 67، وفي الذكرى السنوية الـ56 للنكبة الثانية، قد يرى البعض أن ما فعله هذا الجندي تأكيد بأن إرادة الجيش، وقدرة الجندي، لم تُهزم في هذه المعركة، وإنما الهزيمة كانت للسياسة، والإدارة المرتبكة، والحكم المستبد.

أما احتفال إسرائيل بالانتصار في حرب الأيام الستة فإنه يأتي مختلطًا بأجواء الذهول من الاختراق الجريء لمنظومتها العسكرية على الحدود المصرية، كما يُخيم عليه الحزن؛ مما يجعلها تُعيد حساباتها في هذا الجانب، وليتها لا تتجاهل الحسابات الأهم، وهي أن القدرات العسكرية مهما كانت قوية فإنها لا تصمد أمام من يريد استهدافها، وأن العيش في سلام حقيقي أجدى كثيرًا من إنفاق المليارات على تحصينات قابلة للانهيار.

دوافع الجندي

الجندي محمد صلاح، ابن الـ22 عامًا، يعيش في منطقة عين شمس بالقاهرة، ويحل يوم مولده في الثلاثين من هذا الشهر، والشاب الذي يرتدي ملابس أنيقة، حسب الصور المنشورة له في صفحته على الفيسبوك، والممتلئ حيوية ونشاطًا وإيمانًا بالله، قد يكون خرج عن قواعد الالتزام بالأوامر والتعليمات والانضباط، لكن غالبًا هناك دوافع جعلته يتصرف بهذه الطريقة، ويغامر بحياته، (بيان الجيش المصري قال إنه كان يطارد مهربي مخدرات)، وهناك واقعتان لجنديين سابقين هما: سليمان خاطر عام 1985، وأيمن حسن عام 1990، ولهذا تظهر أهمية التحقيق الشامل لمعرفة الدوافع والخلفيات، وضمان عدم تكرار ذلك مستقبلًا، فهناك التزامات متبادلة بين مصر وإسرائيل، وتأمين الحدود مسؤولية مشتركة.

احتفاء شعبي بالجندي

تابعت ردود الأفعال الشعبية على مواقع التواصل الاجتماعي، ووجدت طوفانًا من الاحتفاء بالجندي، ولم أجد تعليقًا واحدًا سلبيًّا، ولست أبالغ فيما أقوله.

ودخلت على صفحته على الفيسبوك فوجدت التعليقات تنهال على منشوراته وتدعو الله له بالرحمة والجنة وقبوله شهيدًا، بخلاف الأوصاف الكثيرة التي يتم خلعها عليه.

قبل كشف إسرائيل عن اسمه، لم يكن يتفاعل مع صفحته إلا عدد محدود من أصدقائه، أما اليوم فهي مزار لكل من يأخذ علمًا بها، ففي آخر منشور له بتاريخ 26 مارس الماضي، نشر صورة له وهو فوق حصان في منطقة صحراوية، وأرفق بها هذا الدعاء: “اللهم كما أصلحت الصالحين أصلحني واجعلني منهم”، وقد حاز 122 ألف إعجاب خلال ساعات، وعلّق عليه بالرحمات والجنان له 32 ألفًا، وتمت مشاركته 22 ألف مرة، والعدد في تزايد.

وله تدوينه منشورة في 19 مايو 2021 كتب فيها: “الله يقف مع فلسطين”، ردًّا على تصريح لمايك بنس نائب الرئيس الأمريكي السابق ترامب بأن “أمريكا تقف مع إسرائيل”، وغالبًا استندت تل أبيب إلى هذا المنشور وإلى منشورات أخرى تتضمن دعوات دينية عفوية بسيطة يرددها كل مسلم بأن الجندي له توجه قومي وجهادي، ودعمت استنتاجها بما ذكرته عن العثور على مصحف في ملابسه.

كراهية إسرائيل

الحقيقة التي لا مفر منها أن رفض إسرائيل وكراهيتها يتزايدان عربيًّا، ولدى أجيال حديثة العهد لم تعايش فترات الحروب الكبرى معها، وهذه الكراهية منبعها ممارساتها الشنيعة في الاحتلال وسفك دماء الشعب الفلسطيني، والتاريخ الدموي مع العرب.

ووقت كتابة هذا المقال أمس كانت إسرائيل تقتل طفلًا فلسطينيًّا عمره 3 سنوات فقط، كما أن دماء شهداء عدوانها الأحدث على غزة لم تجف بعد، وهي اعتداءات متكررة، بجانب القمع والقتل في الضفة، وانتهاك القدس والمقدسات.

ويلفت الانتباه أن 44 عامًا من التطبيع المصري معها، لم تغير مشاعر المصريين بالنفور منها، وانضمام 5 دول عربية أخرى لركب التطبيع لم يحولها إلى صديق، بل يزداد رفضها.

الصمت الإعلامي

واللافت هو الصمت الإعلامي في مصر اتجاه الحدث، ولذلك كان الاعتماد على الإعلام الإسرائيلي في كشف ومتابعة تفاصيل العملية، ومعرفة معلومات حول الجندي، كما أن التصريح باسمه كان مصدره إسرائيل، وليس مصر، وأسلوب التعامل الشديد التعتيم على كل ما يتعلق بالجندي لم يكن مناسبًا، في حين أن إسرائيل تناقش كل صغيرة وكبيرة بشأن ما جرى، وترتفع لغة النقد داخلها ضد إجراءات المراقبة والحماية الضعيفة على الحدود.

اللافت ثانيًا، أن الاستقبال الشعبي للجندي اتسم بالإشادة الواسعة، ليس في مصر، وحدها بل فلسطينيًّا وعربيًّا كذلك، ودلالة ذلك أن إسرائيل المحتلة الدموية إذا أرادت العيش بسلام فعليها أن تحمل غصن الزيتون، وتتخلى عن البندقية، فلن تحميها البندقية مهما كانت حديثة التصنيع سريعة الطلقات، فالسلام العادل هو المنقذ الوحيد لها من الرعب الكامن بداخلها.

جندي واحد بسلاحه القديم هزّ كيان قوة عسكرية عظمى، هذا هو الدرس البليغ.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان