بعد توقف 21 عاما.. الولايات المتحدة تعاود إقراض مصر

 

كثرت في الآونة الأخيرة التقارير الدولية التي تعبّر عن مخاوفها من قدرة الحكومة المصرية على الوفاء بسداد ديونها الخارجية، في ظل استمرار مشكلة نقص الدولار وتفاقم حدتها، إلى حد إلغاء قيام المصريين بالسحب من كروت الائتمان خارج البلاد، وتأخر سداد مستحقات جهات دولية موردة للقمح، ومستحقات شركات بترولية عاملة في مصر، واستمرار التضييق على الواردات لخفض الطلب على العملات الأجنبية.

وتشير بيانات البنك المركزي المصري لبلوغ قيمة سداد أقساط وفوائد الدين الخارجي، متوسطة وطويلة الأجل بالسنوات الخمس من العام الحالي وحتى 2017 نحو 100 مليار دولار، بخلاف 31 مليار دولار لأقساط وفوائد القروض الخارجية قصيرة الأجل في العام الحالي، جرت العادة على تجديدها وتحمل فوائدها التي تتجاوز 623 مليون دولار في السنة.

وتوزعت أقساط وفوائد الدين متوسط وطويل الأجل ما بين 22.9 مليار دولار في العام الحالي، و28 مليار دولار في العام المقبل، و18.3 مليار دولار في عام 2025، والقيمة نفسها في العام التالي، و12.7 مليار دولار في عام 2027، وهي مبالغ متوقع زيادتها في تلك السنوات المقبلة في ظل استمرار الاقتراض حاليًا.

وقسم البنك المركزي مستحقات الدين الخارجي متوسطة وطويلة الأجل في العام الحالي البالغة 22.9 مليار دولار، إلى 11.6 مليار دولار في النصف الأول من العام الذي أوشك على الانتهاء آخر الشهر الحالي، و11.3 مليار دولار في النصف الثاني من العام.

وتوزعت مستحقات النصف الأول ما بين 4.2 مليارات لمؤسسات دولية وإقليمية، و2.5 مليار دولار لدول أجنبية وبنوك وطنية في تلك الدول، و1.88 مليار دولار سندات مستحقة حل أجلها، والباقي للدول الخليجية الثلاث: الكويت 2 مليار دولار والإمارات 802 مليون دولار والسعودية 134 مليون دولار فقط كلها فوائد، حيث قامت السعودية بترحيل آجال سداد أقساط قروضها لمصر ليبدأ سدادها في أكتوبر/تشرين الأول عام 2026.

ورغم بقاء حوالي ثلاثة أسابيع فقط لنهاية النصف الأول من العام، فما زالت هناك حوالي 6 مليارات دولار مستحقة خلالها.

أما مستحقات النصف الثاني من العام الحالي فتوزعت كالتالي 4.4 مليارات دولار للمؤسسات الدولية والإقليمية، و2.3 مليار دولار للدول الأجنبية والبنوك الوطنية فيها، و1.4 مليارات دولار سندات مستحقة، والباقي للدول الخليجية الثلاثة بواقع 2 مليار دولار للكويت في شهر سبتمبر/أيلول، و1.1 مليار دولار للإمارات و136 مليون دولار للسعودية كفوائد.

ولأن مصر بحاجة للمزيد من القروض لسداد الأقساط القديمة فإنها مضطرة للالتزام بدفع ما عليها من مستحقات بمواعيدها، وهو ما شهدناه في فبراير/شباط الماضي بطرح صكوك سيادية بقيمة 1.5 مليار دولار بفائدة حوالي 11%، في اليوم نفسه لاستحقاق سند خارجي بقيمة 1.25 مليار دولار، كانت قيمة الفائدة عليه عند صدوره أقل من 6%.

فما بالنا بالفترة الحالية التي انخفض فيها تصنيف مصر والنظرة المستقبلية لها لدى وكالات التصنيف الدولية؟ حتى أن وكالة موديز رغم تخفيضها لتصنيف مصر قد وضعتها قيد المراجعة تمهيدًا لخفض جديد للتصنيف!

قروض من مؤسسات ودول وبنوك

ومن هنا فقد أكد رئيس الوزراء ووزير المالية الالتزام بالسداد، وذكر وزير المالية أن الأمر يتم بشكل شهر فشهر، أي بحشد الطاقات لسداد الأقساط والفوائد المستحقة بشكل شهري، والاستعداد للأقساط المقبلة من خلال التجهيز للحصول على أموال جديدة، حيث ذكر أنه سيتم طرح سندات الباندا في السوق الصينية بالربع الثالث من العام الحالي بقيمة نصف مليار دولار، والتجهيز للحصول على قروض من بنك التنمية التابع لدول البريكس، ومن مؤسسات التمويل الدولية وجهات أخرى منها سيتي بنك.

وهكذا يمكن تحديد المسارات التي تسير بها الحكومة المصرية لسداد ما عليها من مستحقات خارجية بمواعيدها كالتالي:

أولًا- الاستمرار في الاقتراض: حيث شهد العام الماضي زيادة أرصدة القروض بنحو 17.4 مليار دولار، إلا أن ما تم اقتراضه خلال العام كان أكبر من ذلك، ليشمل 14.9 مليار دولار من أربع دول عربية هي: السعودية والإمارات بواقع 5 مليارات دولار لكل منهما، و4 مليارات دولار لقطر و900 مليون دولار لليبيا، كما تم الاقتراض من 13 دولة حوالي 3 مليارات دولار منها 1.5 مليار أخرى من الإمارات، و861 مليون من روسيا و620 مليون للصين و344 مليون للولايات المتحدة و224 مليون لكندا.

كما تم اقتراض 2.3 مليار دولار أخرى من 11 مؤسسة دولية وإقليمية، أبرزها 1.5 مليار دولار من بنك الصادرات الأفريقي و377 مليون من البنك الدولي و155 مليون من البنك الأوربي لإعادة الإعمار، بخلاف طرح سندات الساموري في اليابان بنصف مليار دولار.

وخلال العام الحالي تم طرح الصكوك السيادية بقيمة 1.5 مليار دولار، واقتراض 1.5 مليار دولار من المؤسسة الإسلامية لتمويل التجارة، و336 مليون دولار من الوكالة اليابانية للتعاون الدولي، و1.99 مليار يورو من بنوك أوربية عدة، و269 مليون يورو من هيئة الصادرات الإيطالية و250 مليون يورو من الوكالة الفرنسية للتنمية، و110 ملايين يورو من البنك الأفريقي للتنمية، و78 مليون يورو من بنك الاستثمار الأوربي، بخلاف قروض أخرى لجهات وبنوك حكومية.

سيارات وذهب وفائدة مرتفعة للمغتربين

ثانيًا- بيع الأصول: قامت الحكومة ببيع حصص من شركات عامة لصندوقين سياديين إماراتي وسعودي في العام الماضي، كما تم بيع حصص من شركات أخرى لشركات خليجية، وفي العام الحالي تم بيع غالب أسهم شركة باكين، ويجري التجهيز للإعلان عن صفقات عدة مع جهات خليجية، لبيع حصص بشركات اتصالات وحاويات ومياه معدنية وتوزيع الوقود وغيرها.

ثالثًا- تنمية الموارد الدولارية: من خلال اتخاذ عدد من التسهيلات للمستثمرين، فيما يخص الترخيص من خلال الرخصة الذهبية التي تجب موافقات الجهات الحكومية كلها، والتجهيز حاليًا لتأسيس شركة استثمارية للمغتربين، وبعض التسهيلات في مجال السياحة لزيادة الإيرادات وهو ما تكرر بقناة السويس.

رابعًا- البحث عن موارد إضافية: باتخاذ إجراءات متعددة المجالات منها جلب المغتربين لسيارات من الخارج من دون جمارك، أو بنسبة 30% منها نظير إيداع قيمة تلك الرسوم بالدولار لمدة 5 سنوات، والتوسع في بيع قطع أراض ووحدات سكنية للمغتربين بالدولار، وتسهيل الحصول على الجنسية المصرية مقابل دفع مبالغ معينة، والسماح بإدخال الذهب بلا جمارك، والتفكير في طرح وعاء ادخاري دولاري للأجانب والمغتربين بفائدة مرتفعة.

خامسًا- تقليل المدفوعات الدولارية: بخفض قيمة الواردات السلعية، ففي العام الماضي وحسب بيانات البنك المركزي انخفضت قيمة الواردات بالربع الثاني من العام، إلى 21.3 مليار دولار بنقص 2.3 مليار دولار عن الربع الأول، وفي الربع الثالث بلغ الانخفاض 2.2 مليار عن الربع الثاني، وفي الربع الرابع بلغ الانخفاض 1.1 مليار عن الربع الثالث، وخلال العام الحالي أشارت بيانات جهاز الإحصاء لانخفاض قيمة الواردات بنسبة 30% في الربع الأول منه بالمقارنة للمدة نفسها من العام الماضي.

زيادة الاحتياطيات من القروض الجديدة

وهكذا نتوقع استمرار الحكومة المصرية في السداد على الأقل حتى نهاية العام، لأسباب متعددة أبرزها أن الدول الغربية والحلفاء في دول الخليج، يرون أن تكلفة مساندة النظام المصري أقل من تكلفة سقوطه، ولهذا سيتدخلون في الوقت المناسب لمساندته، ومن ضمن تلك الشواهد عودة الولايات المتحدة لإقراض مصر وهو أمر لم يحدث منذ عام 2001 كآخر بيانات متاحة من قبل البنك المركزي المصري، حيث كانت تكتفي بالموافقة على إقراضه من المؤسسات الدولية والإقليمية.

حيث قامت بالعودة إلى الإقراض في الربع الثالث من العام الماضي بنحو 260 مليون دولار، وفي الربع الرابع بنحو 195 مليون دولار، والعبرة هنا ليست بمبلغ 456 مليون دولار تم إقراضها لمصر في النصف الثاني من العام الماضي، ولكن بالرسالة الدلالية التي يعطيها هذا القرض للمؤسسات الدولية المقرضة لمصر، مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وغيرهما بما لها من قوة تصويتية بها.

ولعل النبرة الهادئة التي يتعامل بها الصندوق حاليًا مع مصر أحد الشواهد على ذلك، حين تتحدث مديرة الصندوق عن عدم التزام مصر بتعهداتها في خطاب النوايا المصاحب للقرض الأخير، فيما يخص مرونة سعر الصرف بيع الأصول والدور الأكبر للقطاع الخاص في الاقتصاد، وعدم تحديد موعد لزيارة خبراء الصندوق لمصر التي كان مقررًا لها حسب الاتفاق قبل منتصف مارس/آذار الماضي، فيما تشير الشواهد السابقة لحدوث أمور مشابهة مع دول أخرى كان يتم مواقف أكثر حدة.

ربما كان انشغال الدول الكبرى بالحرب الروسية الأوكرانية أحد عوامل التهدئة إزاء الملف المصري، إلى جانب أحداث السودان والتقارب السعودي الإيراني ومشاكل اليمن ولبنان وسوريا وليبيا وفلسطين، ولهذا شهدنا استمرار قروض من فرنسا واليابان وكندا وكوريا الجنوبية في العام الماضي، وكذلك في العام الحالي من كل من فرنسا وإيطاليا وبنوك إقليمية ووطنية أوربية وإفريقية للدول الغربية قوة تصويتية بها.

بخلاف القروض التي لم يتم الإعلان عنها بعد، الذي تشير إليه شواهد الارتفاع المستمر بالاحتياطيات من النقد الأجنبي في البنك المركزي المصري للشهور الخمسة الأولى من العام الحالي بشكل مستمر، وبقيمة إجمالية 657 مليون دولار خلال الشهور الخمسة.

 

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان