الهجرة غير الشرعية.. أطفالنا بين الحلم والموت

تعرّضتُ لحالة من الحزن والصدمة عندما شاهدت فيديو نشرته قناة 24 الليبية على وسائل التواصل الاجتماعي، يُظهر القبض على 25 طفلًا مصريًّا في أحد المخازن بمدينة طبرق، كانوا يستعدون للهجرة إلى إيطاليا عبر قارب صيد متهالك.
هذا الفيديو أثار حالة من الصدمة لديّ، خاصة بعد الحوادث المؤسفة التي شاهدناها عندما غرقت سفينة هجرة قبالة سواحل اليونان قبلها بأيام، ولقي فيها العديد من المصريين حتفهم غرقًا.
فالأطفال الذين تم ضبطهم في الفيديو هم في سنّ اللعب والطفولة، وهو أمر محزن أن يتعرضوا للموت في قوارب متهالكة تجعل نهاية طفولتهم غرقًا، وأجسادهم طعامًا للأسماك، في الوقت الذي يستمتع فيه غيرهم من الأطفال بالسواحل والنوادي.
آلاف الأطفال يُهرّبون شهريًّا
ولكن الصدمة زادت عندما علمت أن هناك آلافًا من الأطفال يُهرّبون إلى ليبيا شهريًّا من محافظات مختلفة في مصر، ويوضعون في مخازن في عملية تعرف بـ”التخزين”، قبل نقلهم إلى دول أوروبا في رحلة مليئة بالمخاطر عبر قوارب متهالكة، فتصبح رحلة الحياة لبعضهم، ورحلة الموت للآخرين.
والأمر الغريب أنه خلال مقابلة الأطفال في الفيديو، كان الكثير منهم مصممين على تكرار التجربة، وطالب بعضهم بعدم تسليمهم للسلطات المصرية، وتوفير فرص عمل لهم؛ وبعض هؤلاء الأطفال يبلغ عمره 11 عامًا، وأكبرهم لا يتجاوز 16 عامًا، ويخاطرون من أجل تحقيق حلم أفضل في الحياة، ولكنهم لا يدركون أن هذا الأمر قد يكون نهايتهم.
الهجرة إلى إيطاليا واليونان
وبحسب تقديرات منظمة الهجرة الدولية في مصر، غرق 587 شخصًا في البحر المتوسط؛ بسبب الهجرة غير الشرعية عام 2018، في حين أفادت اللجنة الوطنية لمكافحة الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر بأن حوالي 1773 شخصًا لقوا حتفهم عام 2017؛ بسبب الهجرة غير الشرعية.
وبلغ عدد المهاجرين المصريين الذين هاجروا بشكل غير شرعي إلى إيطاليا عام 2017 نحو 988 مهاجرًا، وفي العام نفسه تم تسجيل 1773 وفاة لمهاجرين غرقوا أثناء محاولتهم عبور البحر المتوسط، بينهم 151 طفلًا لم يتجاوزوا سنّ الـ18 يمثلون نسبة 58% من المهاجرين غير الشرعيين المصريين، وفقًا لإحصائيات أعلنتها اللجنة الوطنية لمكافحة الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر.
وقد كان الشعب المصري من الشعوب التي تكره الغربة، وتتمسك بأرضها، عكس شعوب أخرى، وإذا ما اضطرته الظروف إلى السفر فهو دائمًا سفر مؤقت؛ إذ يعتبر المصريين أن الهجرة مرحلة مؤقتة، وأنهم سيعودون إلى وطنهم في النهاية.
لكن يبدو أن الأمور تغيرت بشكل كبير بعد حركة الضباط في 23 من يوليو 1952، وما تلاها من تحولات سياسية، فمنذ ذلك الحين، بدأ المصريون يعرفون تجربة السفر والغربة بصورة أكبر، سواء كان ذلك بسبب الهروب من الأنظمة السياسية المضطربة، أو بحثًا عن فرص عمل أفضل.
12 مليون مصري بالخارج
ويُقدر عدد المصريين المهاجرين إلى الخارج -وفقًا للإحصائيات الرسمية- بحوالي 12 مليون مصري، ويتوزعون في دول العالم، خاصة في دول الخليج، مثل السعودية، والكويت، والإمارات، وقطر.
ومع الظروف الاقتصادية الصعبة التي تواجهها مصر، أصبحت الهجرة غير الشرعية خيارًا للكثيرين، حتى الأطفال، فقد أصبحوا يفضّلون المغامرة والخطر على مستقبلهم الغامض بدلًا من الاستمرار في ظروف صعبة، وفرص محدودة في بلادهم.
وتواجه مصر تحديًا كبيرًا في التعامل مع هذه الظاهرة المؤلمة، فالأطفال الذين يُهرّبون ويخزّنون في مخازن قبل رحلتهم المميتة يمثلون نسبة كبيرة من الهجرة غير الشرعية، وعلى الرغم من القوانين الصارمة والعقوبات المشددة التي وضعتها الحكومة المصرية؛ فإن هذه الظاهرة لا تزال مستمرة.
ورغم قوانين مكافحة الهجرة غير الشرعية وتهريب المهاجرين، التي عدلها مجلس النواب بهدف تشديد العقوبات على المتورطين في جرائم التهريب، وتوسيع نطاق التجريم للمساهمين في هذه العمليات الإجرامية؛ فإن ذلك نه لم يقدم حلًّا شاملًا يركز على معالجة الأسباب الجذرية لهذه الهجرة، مثل توفير فرص العمل والتعليم، وتحسين ظروف الحياة في مصر.
حلّ جذري
لا يمكننا السكوت على هذه المأساة، فكل طفل يغادر وطنه بحثًا عن حياة أفضل يستحقّ الحماية والدعم، كما أن استمرار الجهود المبذولة لمكافحة الهجرة غير الشرعية ضرورة ملحّة، وعلى الجميع أن يعملوا معًا؛ لإنهاء هذا الظاهرة القاسية، وإيجاد بدائل آمنة ومستدامة للشباب والأطفال في مصر.
فعلى الرغم من حالات الغرق والوفاة التي شهدناها جراء الهجرة غير الشرعية؛ فإن مراكب الهجرة لا تزال تحمل آمال آلاف المصريين في تحقيق حلمهم، والعثور على فرص عمل خارج البلاد.
لذا، يطرح موضوع هجرة الأطفال العديد من الأسئلة المحيرة حول تفكير هؤلاء الأطفال وأهاليهم، وما الذي يجعلهم يخاطرون بهذه المغامرة المميتة؟
لا يمكننا أن نستمر في السماح لأطفالنا بأن يكونوا ضحايا لهذه الهجرة المأساوية؛ لأن الأطفال سيحلمون، ولن نستطيع منعهم من الحلم في حياة أفضل، والأهالي يتمنون، ولن نستطيع أن نمنعهم من التمنّي، ولكن يجب علينا تعزيز الوعي، وتوعية الأطفال وأهاليهم بمخاطر الهجرة غير الشرعية، والبحث عن بدائل آمنة وقانونية.
وبدلًا من أن يتخذ النظام من الهجرة غير الشرعية وسيلة للضغط من أجل مكاسب سياسية، أو مادية، أو فرض نفسه؛ على الحكومة أن تستثمر في تحسين البنية التحتية، وتعزيز الفرص الاقتصادية؛ لكي يتمكّن الأطفال من بناء مستقبلهم داخل وطنهم بدلًا من المخاطرة بحياتهم في هجرات الموت.
هل فقد الأطفال الحلم هنا ولذا فهم يبحثون عنه هناك؟