الصين تحتفي بأكبر حزب ديمقراطي في العالم.. فهل تصدّق؟!

شبان ينتظرون فرصة عمل في مكتب توظيف بمدينة شنغهاي

 

يفتخر الحزب الشيوعي بأنه أكبر تجمّع سياسي وحزبي ديمقراطي في العالم. يستمد الحزب فخره من قوة تشكيلاته وتعداد أعضائه، وتغولهم بأكبر تجمع بشري، وإدارة ثاني أقوى اقتصاد، وبناء جيش تنمو قوته بسرعة هائلة، يسعى لإدارة عالم جديد ذي قطبين أو قطب واحد، تصبح فيه الصين مركزا للكون.

يُصدر الحزب إحصاءات دورية عن أعداده، في الأول من يوليو/تموز، احتفاء بالذكرى السنوية لتأسيسه. أعلن الحزب بمناسبة بلوغه 101 عام عن إضافة 1.33 مليون عضو جديد، ليصل تعداده إلى 98.04 مليونا ويقترب من 100 مليون عضو.

اختار الحزب الأعضاء الجدد من بين 21 مليون شخص تقدموا للحصول على العضوية، تمت تصفيتهم من بين 10.3 ملايين شاركوا بأنشطة طوعية، مؤكدا أن زيادة الطلب دليل على جاذبية الحزب للكثيرين. بيَّن حرصه على أن تكون العضوية الجديدة، معبّرة عن كل الأجناس والأعراق والنوع، ودرجات التعليم والعمر، ليكون تمثيل كل فئة أكثر توازنا.

طفرات العضوية

تُظهر الإحصاءات رفع نسبة العضوية على أساس العرق من 7.6% إلى 10.5%، ومنح نسبة أعلى للأقليات النسائية. مع تفضيله الأقل من 35 عاما، بنسبة 54.7% بالعضوية القائمة منح 51.4% للأعضاء الجدد، خاصة حمَلة الشهادات الجامعية وما بعدها. ارتفعت نسبة النساء إلى 29.9%، بزيادة 0.5% عن العام الماضي. رصدت تحليلات أجراها باحثون بجامعة شنغهاي للدراسات الدولية، أن الطلاب الذين انضموا إلى الحزب بلغ عددهم 936 ألف عضو، يأتي من بعدهم، المزارعون بنحو 367 ألفا والتقنيون 358 ألفا والمديرون 271 ألفا والعمال 157 ألفا وأبناء الأعضاء بالحزب والتنظيمات الحكومية 123 ألفا وباقي الفئات 228 ألف عضو.

تشير الدراسة إلى أن عدد الأعضاء، وفقا للفئات العمرية لمن هم أقل من 30 عاما، بلغوا 12 مليونا و440 ألف شخص، وما بين 31-35 عاما 11.5 مليونا، ومن 36-40 عاما 10.35 ملايين، وما بين 41-45 عاما 8.97 ملايين، وما بين 46-50 عاما 9.29 ملايين، وما بين 51-55 عاما 8.89 ملايين، وما بين 56-60 عاما 9.15 ملايين، وتظل الأغلبية العددية في العضوية لمن هم فوق 61 عاما بنحو 27.36 مليون شخص.

تُمثل تلك الزيادة بأعداد الحزب الثانية من نوعها، بعد إضافة الرئيس شي جين بينغ 23.81 مليون عضوية منذ وصوله إلى السلطة عام 2013. جاءت الطفرة الأولى أثناء الفترة من 1978-2012، بعدد 60.53 مليونا، شهدت ذروتها عقب انتفاضة الطلاب، وارتكاب الجيش مجزرة ضد المطالبين بالديمقراطية، قُتل فيها الآلاف بميدان تيانانمين، وسط العاصمة بيجين، في 4 يوليو 1989.

للعمال والفلاحين.. وداعا

رصدت التحليلات تغييرا جذريا بهيكل الحزب، حيث قلّت أعداد العمال والفلاحين، لصالح أصحاب الياقات البيضاء، ومن ممثلي القرى والبلدات الصغيرة، لحساب المناطق الحضرية والمقاطعات.

يَعُد قادة الحزب الشيوعي الأرقام الهائلة خير دليل على صحة تجربتهم بالممارسة الديمقراطية “ذات الخصائص الصينية”. يحرّم دستور النظام على أي أحزاب أو قوى مناوئة للحزب السعي إلى الحكم. يرفع شعار الدولة في خدمة الحزب، وأن الحزب يعمل لتجديد شباب الأمة، يأمر كل فرد بالإيمان بمبدأ “الكل في واحد”. يختار الحزب أعضاءه، ولا حيلة لأحد لدخوله إلا بترشيح من داخله، ولو كان ذا قربى.

يُصدر الحزب القوانين، ويحوّل كلمات زعيمه الروحي شي إلى نصوص دستورية وعبارات إرشادية تُكتب على الأحجار بمداخل المدن والطرق ومؤسسات الدولة، والكتب المدرسية، لاستنفار الحشد الشعبي، وليظل القائد مهيمنا على الاقتصاد والوظائف والتكنولوجيا والإنترنت كي يجهز الدولة للحرب، لتصبح الصين بعدها “كوكبا آخر”.

يلعب الحزب الشيوعي بكل الأوراق لينال سكوت الشعب، الذي يديره عبر عقد اجتماعي ضمني، يعتمد على التسلسل الوظيفي وهرم اجتماعي متدرج، ظل سائدا بالعصر الإمبراطوري، عندما أزاله بعنف في خمسينات القرن الماضي، انتشرت مجاعات هددت البلاد بعودة سريعة إلى حرب أهلية، مع أطماع من 14 دولة تشترك معها في حدود شاسعة، بعضها مزقتها الحروب الأهلية وأخرى طامعة في أراضيها وثرواتها.

أوهام أمريكية

أقر الشيوعيون نظاما رأسماليا عام 1979، للخروج من المجاعات وإعادة السيطرة الاجتماعية، بدفع الناس إلى المشاركة في بناء اقتصاد قوي يمكّنهم من العيش، في ظل وعود بغد أفضل، وفرصة أكثر رخاء للأبناء ومستقبل مزهر للأحفاد.

سمح الشيوعيون بأعضاء جدد، بعد أن كانت العضوية قاصرة على قادته من أمراء الحرب الأهلية وأبنائهم، ليضمنوا بناء يهيمن على مؤسسات الدولة، الاقتصادية والمالية والعسكرية والعلمية. سعوا لدمج شخصيات لامعة، من أصحاب المليارات والخبرات الدولية والشركات، ليثبتوا للعالم أن الحكم الاستبدادي يمكنه أن يُنتج دولة فاضلة قوية اقتصاديا وعسكريا، تمارَس الديمقراطية على مستويات عدة تعبّر عن فئات المجتمع.

ساعدت الولايات المتحدة الصين الشيوعية على الاندماج مع النظام الرأسمالي الغربي، مع احتفاظها بمبادئها الماركسية اللينينية، مفترضة أن رفع المستوى المادي للمواطنين سيسهم في توسعة الطبقة الوسطى، ويدفع إلى نمو أصوات المطالبين بمساءلة الحكومة، وإنشاء مؤسسات وجماعات ضغط “تنحي المستبدين جانبا، وتدفعهم إلى الانتقال الديمقراطي”.

أزمة الشرعية

في ظل انتعاش اقتصادي متواصل على مدار 40 عاما، تمكن الحزب الشيوعي من بسط سيطرته من أعلى إلى أسفل على الاقتصاد، وتشديد الرقابة على المجتمع، إلى أن بدأت الأزمات الاقتصادية تلوح في الأفق بعنف، تنامت مع معدلات بطالة قياسية، خاصة بين الشباب، تدفع الأسواق والشركات إلى الركود والانكماش، وزيادة الدين العام، وانخفاض تعداد السكان. يتعرض رأسمال الحزب الشيوعي للتآكل، مع توقع تراجع اقتصادي لسنوات قادمة، وتغيرات هيكلية اجتماعية هائلة، فالآباء الذين صبروا على الجوع وبذلوا الغالي والنفيس، لم يحصلوا على معاشات لائقة ولا يقدرون على شراء سكن وتدبير عمل لأبنائهم، الذين يمتنعون عن الإنجاب خشية الفقر. يدرك الحزب مواجهته لأزمة شرعية، في ظل انهيار العقد الاجتماعي الضمني.

يسعى البعض لعضوية الحزب الشيوعي، ليس بحثا عن الديمقراطية، ولكن سعيا وراء منفعة عاجلة أو وظائف ومناصب آجلة وثروات فاسدة. تظل الأكثرية المتضررة البعيدة عن الحزب، تُمثل هاجسا مخيفا لقادته، في ظل واقع يُظهر أن الصين بلغت ذروتها، وتواجه تراجعا، بما يعني نهاية العقد الذي كتبوه منذ 100 عام، لم يتحقق بعدُ انفرادهم بالسلطة.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان