مشاعر الحج والوفاء لنبي الله إبراهيم وآله

في الإسلام وفاء عجيب وكبير لكل الرسالات السماوية السابقة، وتقدير لكل أنبياء الله، لا نكاد نجده في دين آخر غير الإسلام، وفي العبادات في الإسلام ربط وثيق بين الإسلام والأديان السماوية السابقة، وبخاصة نبي الله إبراهيم عليه السلام، فيكاد يكون الحج ومشاعره في معظمه تذكيرا بآل إبراهيم عليه السلام، سواء الأب، نبي الله إبراهيم، وابنه نبي الله إسماعيل، وزوجه السيدة هاجر.
ارتباط مشاعر الحج بآل إبراهيم
وهو ارتباط لا يخفى على متأمل، وله دلالات غاية في الأهمية، ففي مشاعر الحج نلمح هذا الارتباط بآل إبراهيم عليه السلام، فالطواف حول الكعبة، وهو أول ما يبدأ به الحاج من أعمال، وهو البيت الذي بناه نبي الله إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام: يقول تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (البقرة: 127).
ثم يقوم الحاج أو المعتمر بالسعي بين الصفا والمروة، وهو تذكير بما فعلته السيدة هاجر زوج إبراهيم وأم إسماعيل عليهما السلام، حيث تُركت في واد غير ذي زرع، وظلت تطوف تبحث عن ماء لابنها الرضيع، وهو يتضور جوعا باكيا، وبعد السعي سبعة أشواط، انفجر الماء من تحت قدم ابنها، وشُرع هذا الطواف للمسلم في الحج والعمرة، قال تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} (البقرة: 158).
وماء زمزم الذي يُسن للحاج والمعتمر الشرب منه، فهو النبع الذي فجّره الله عز وجل تحت قدم الطفل إسماعيل عليه السلام. ورمي الجمرات، وبعضها ركن من أركان الحج، فهو تذكير بما فعله نبي الله إبراهيم، حين أمره الله عز وجل بذبح ابنه، وقد لقيه الشيطان ليصرفه عن ذلك، فرجمه إبراهيم عليه السلام بالحجارة، فلما أيس منه، حاول مع إسماعيل عليه السلام، فرماه بالحجارة. ثم كان الفداء بذبح عظيم، كما قال تعالى: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاء الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} (الصافات: 103-107)، فسُنت الأضحية استنانا بنبي الله إبراهيم مع ابنه إسماعيل، فصارت هديا للحاج، وأضحية لمن لم يحج.
فكل هذه المشاعر التي نقوم بها في الحج، هي أفعال مرتبطة بإبراهيم عليه السلام وآله، وهو تجسيد لمعنى الاتصال والوفاء لمن سبقوا على طريق الإيمان والرسالات، وكثير من العبادات والشعائر تسير في نفس الخط الإيماني الواضح.
تكامل وبناء لا هدم وإنهاء
ما ذكرناه من هذا الارتباط بين الإسلام في مشاعر الحج، وآل إبراهيم عليه السلام، وعبادات أخرى لها ارتباط أيضا برسل وأنبياء، تنفي كل ما يتهم به أعداء الإسلام ديننا بأنه دين استئصالي، أو يعادي الأديان، وهو كلام ينطلق من افتراءت لا حقائق، فإن إيمان المسلم لا يتحقق إلا بالإيمان بالرسل جميعا، وبالرسالات جميعا، قال تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} (البقرة: 285)
وإن أي انتقاص لأي نبي من أنبياء الله ورسله، فهو كالانتقاص من محمد صلى الله عليه وسلم، والنيل من عرض السيدة مريم عليها السلام يُعد من الردة عن الإسلام، شأنه شأن النيل من عرض السيدة عائشة رضي الله عنها، ولا يُعلم أتباع دين يتسمون بأسماء كل الأنبياء كالمسلمين، فمن أسماء المسلمين: عيسى وموسى وإبراهيم ويعقوب وإسحاق ويوسف، وهو تسامح نابع من دين المسلم.
لأن النبي صلى الله عليه وسلم بيّن أن رسالته ليست إلا جزءا من البناء الكبير للإيمان الذي بناه من قبله الأنبياء والرسل، فقال: “مثلي ومثل الأنبياء من قبلي، كمثل رجل ابتنى بنيانا، فأحسنه وأكمله، إلا موضع لبنة من زاوية من زواياه، فجعل الناس يطيفون به ويعجبون منه، ويقولون: ما رأينا بنيانا أحسن من هذا، إلا موضع هذه اللبنة. فكنت أنا تلك اللبنة”، فلم يقل صلى الله عليه وسلم: رسالتي هي الإيمان، وما سبقني من رسائل فهي أقل، بل بيّن قيمة من سبق من أنبياء ورسالات، وأن رسالته أشبه بلبنة، فهي أتت لتتكامل، وليست لتنقض أو تهدم ما سبق، وتبني مجدها ورسالتها على أنقاضه. وقال في حديث آخر: “إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق” معترفا بأن الأخلاق سبقته، وأنه جاء ليتممها، ويصلح ما فسد منها.
لسنا أعداء للسامية
كما أن شعائر الحج بيّنت أن المسلمين ليسوا كما يتهمهم الغربيون أو الصهاينة، بأنهم أعداء السامية، إذ إن نظرتهم لأبي السامية إبراهيم عليه السلام كانت بهذا الشكل، بل إن التشهد الذي في الصلاة، في نصفه الأخير، يسمى: الصلاة الإبراهيمية، وفيها يتم الصلاة والسلام على نبي الله إبراهيم، والدعاء له ولآله بالبركة مع آل محمد صلى الله عليه وسلم وسلم جميعا. كما أننا ساميون أيضا لأننا العرب أبناء إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، وليس في ديننا ولا شعائره أو عباداته ومبادئه ما يدعو المسلم إلى الانتقاص من دين أحد، أو النظر إليه نظرة انتقاص، بل إن ذلك ممنوع ومحرَّم في ديننا، سواء كان الاعتداء على الناس بالقول أو الفعل، أو الإشارة والتلميح.
وقد حاول البعض استغلال هذا الجانب في الإسلام، والارتباط بنبي الله إبراهيم، ليولف من ذلك توليفة لا تتفق مع أي دين، بأن يجتمع أتباع الديانات السماوية تحت شعار: الإبراهيمية، وهي دعوة كفانا الرد عليها شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، فوجّه إليها ضربة قاضية، فميز بين اقتدائنا بنبي الله إبراهيم، حين قال تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ} (الممتحنة: 4)، وبيّن أن نميع الأديان لنخلطها خلطا عجيبا لا يتفق مع أي دين منها.
وهي دعوات سبق أن حاولها الرئيس السادات، بعمل ما يسمى: مجمع الأديان، ورد عليه وقتها الإمام الأكبر الدكتور عبد الحليم محمود، والدكتور محمد البهي الذي كان وزيرا للأوقاف ومديرا لجامعة الأزهر، وكلما خرجت هذه الدعوة الخبيثة من مكان، انبرى لها علماء الأزهر والإسلام بالرد والتفنيد.