فائض كبير بالكهرباء وتزايد لحالات قطعها عمدًا!

رغم وجود فائض بلغ 27 غيغاواتًا من الكهرباء بين أقصى حمل للاستهلاك صيفًا والقدرات المتاحة للتوليد، حسب التقرير السنوي للشركة القابضة للكهرباء، تقوم شركات توزيع الكهرباء بخفض الأحمال منذ بداية الشهر الحالي عن المستهلكين بأنحاء المحافظات، مما تسبب في انقطاع التيار عن غالبية المحافظات حسب موقع جريدة الشروق.
رغم موجة الحر الشديد التي تعم البلاد والتي تزيد درجتها بجنوب البلاد، وذلك لتوفير كميات من الغاز الطبيعي المتجه لتوليد الكهرباء لتصديره إلى أوربا، للاستفادة من سعره المرتفع للإسهام في سد الفجوة الدولارية الحادة التي تعاني منها البلاد، ولسد أقساط الديون المستحقة على مصر.
حيث ترى السلطات المصرية أنها تبيع الغاز الطبيعي لمحطات توليد الكهرباء بنحو 3 دولار لمليون وحدة حرارية بريطانية، في حين بلغ سعر تلك الكمية من الغاز الطبيعى بأوربا نحو عشرة دولارات خلال الشهرين الماضيين، لكن هؤلاء يتناسون أن هذا السعر فى أوربا تدخل فيه تكلفة تسييل الغاز أولا، حتى يمكن نقله بحرًا ثم تكلفة النقل من مصر إلى الدول الأوربية، ثم تكلفة إعادة تلك الكميات من الحالة السائلة إلى الحالة الغازية.
الموازنة تخلو من دعم الكهرباء منذ سنوات
ولا تعلن السلطات عن تكلفة تلك العمليات الثلاثة من تسييل ونقل وتغييز، التي من الممكن أن تزيد الفرق بين سعر بيع الكهرباء لمحطات التوليد المحلية وبيعه بأوربا، كما أنها لا تحسب القيمة المضافة التي تتحقق للبلاد اقتصاديا واجتماعيا من استهلاك الغاز في إنتاج الكهرباء بالداخل، من خلال تشغيل المنشآت الصناعية والخدمية والإضاءة ومنع حوادث الطرق وتقليل التلوث الناجم عن استخدام محطات الكهرباء للمازوت، الذي يتسبب أيضا في كثرة أعطال محطات إنتاج الكهرباء.
وإذا كانت السلطات تسعى لتصدير الغاز الطبيعي لجلب الدولار، ولا تعلن عن صافي دخله بعد استبعاد تكلفة عمليات التسييل والنقل والتغييز، فإنها ستدفع معظم ما ستحصل عليه من دولارات في استيراد المازوت ليكون بديلا لتشغيل محطات إنتاج الكهرباء.
ويرى البعض أن السلطات تسعى لمجاملة البلدان الأوربية بتوفير الغاز الكافي بديلا عن الغاز الروسي، حتى لا تتعطل المرافق التي تعمل بالغاز بها وخاصة محطات توليد الكهرباء، وحتى لا يعاني المواطن الأوربي من موجة الحر الحالية، وذلك لتساند تلك البلدان الموقف المصري في خلافه مع صندوق النقد الدولي.
ولا يزال صندوق النقد يصر على مرونة سعر صرف الجنيه أمام الدولار ويجعل ذلك شرطًا للحصول على باقي أقساط قرضه الصندوق الأخير لمصر، مما دفع السلطات المصرية إلى بدء حملة لترشيد الكهرباء لتوفير الغاز الطبيعي المستخدم في التوليد منذ شهر أغسطس/ آب الماضي ما زالت مستمرة حتى الآن، وذكرت المصادر الصحفية أنها ستستمر في الأسابيع المقبلة، مع الأخذ في الاعتبار خلوّ الموازنة العامة للدولة منذ عدة سنوات من أي دعم للكهرباء، وهو ما يصر بعض المسؤولين رغم ذلك على استمراره.
فائض الكهرباء إنجاز أم إخفاق؟
وهكذا يصاب المواطن المصري الذي يعاني من استمرار ارتفاع أسعار الكهرباء منذ عام 2014، بالحيرة بعد أن ظل خلال الأسبوع الأخير من الشهر الماضي، يسمع عن الفائض الضخم الذي حققته السلطات في إنتاج الكهرباء كأحد الإنجازات، خلال احتفالات وسائل الإعلام بمرور عشر سنوات على الثلاثين من يونيو/ حزيران 2013، بينما يتم قطاع التيار الكهربائي عن غالبية المحافظات عدة ساعات وسط موجة حرارة غير مسبوقة.
ويغيب أيّ نقاش عام حول قضية خفض توليد الكهرباء، رغم حاجة شركات إنتاج ونقل وتوزيع الكهرباء إلى أكبر قدر من تلك الكهرباء المولدة محليًّا، لسداد الالتزامات المستحقة على تلك الشركات من قروض مصرفية وديون خارجية ومستحقات للموردين إلى جانب الأجور وتكلفة الوقود.
يأتي بعد أن أعلن وزير الكهرباء فى مجلس الشيوخ في الثاني والعشرين من مايو/ أيار الماضي، أن تصدير الكهرباء يحتاج من ست إلى سبع سنوات وذلك لإنشاء الخطوط الخاصة بذلك النقل، مشيرا إلى أن تصدير الكهرباء إلى قبرص سيمر عبر اليونان لأن خطوط قبرص لا تتحمل عملية التصدير المباشر.
وها هي أخبار سعي مصر للحصول على منحة بقيمة 1.5 مليار يورو لمشروع الربط الكهربائي مع اليونان لإنشاء كابل بري يربط بين البلدين يكلف ما بين 3 و4 مليارات يورو وهي التكلفة التي لا تستطيع مصر تحملها، ومن البدائل المطروحة أن تتحمل اليونان تكلفة الكابل على أن يتم تعويضه من سعر تصدير الكهرباء إليها.
وها هي بيانات تصدير الكهرباء في العام الماضي الصادرة عن جهاز الإحصاء المصري، تشير إلى بلوغ قيمتها أقل من 109 ملايين دولار إلى ليبيا والأردن وهو ما يتم منذ فترة الرئيس مبارك، وأضيفت إلى ذلك كميات قليلة إلى السودان مؤخرا.
تراجع تصدير الكهرباء في العام الحالي
وتجري المفاوضات مع السعودية على إنشاء خط ربط كهربائي معها منذ سنوات، ويحتاج اكتمال ذلك إلى سنوات أخرى، وحتى عند ما يبدأ فستكون طاقته في حدود 3 غيغاواتات بينما يتخطى الفائض 27 غيغاواتًا ويزيد على ذلك في فصل الشتاء حيث يقل الاستهلاك المحلي.
وتشير بيانات تصدير الكهرباء خلال الشهور الأربعة الأولى من العام الحالي إلى تراجع قيمته بنسبة 43% بالمقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، حيث بلغت 27.5 مليون دولار مقابل أكثر من 48 مليون دولار.
ومن ناحية أخرى أشارت بيانات التقرير الإحصائي السنوي لشركة البترول البريطانية، إلى تراجع إنتاج الكهرباء المصرية العام الماضي بنسبة 4.2% ليصل إلى 200.8 تيراوات ساعة، مقابل 209.7 تيراواتات ساعة في العام الأسبق.
وأشار التقرير إلى التوزيع النسبي لأنواع الوقود في إنتاج الكهرباء المصرية في العام الماضي، إلى تصدر الغاز الطبيعي بنسبة 79%، ثم جاء المازوت بـ9%، والطاقة الكهرومائية بـ7%، والطاقة المتجددة من الشمس والرياح بـ5%، وذلك مقابل نسبة 83% للغاز الطبيعي في العام الأسبق و5% للمازوت خلال ذلك العام، حين كانت السلطات تتباهى باستخدام الغاز الطبيعي الأقل تلويثًا للبيئة!
كما أشار تقرير الشركة البريطانية إلى تراجع إنتاج مصر من الغاز الطبيعي العام الماضي بنسبة 5% عن العام الأسبق، ليصل إلى 64.5 مليار متر مكعب، وتم توجيه كمية 60.7 مليار متر مكعب منه إلى الاستهلاك المحلي، لتتبقى كمية 3.8 مليارات متر مكعب فقط للتصدير، لتتم الاستعانة بواردات الغاز الطبيعي من إسرائيل عبر الأنابيب لتسييله بمصر ثم تصديره، لتقوم السلطات المصرية بعدها بالتباهي بكميات التصدير المُسال، التي بلغت 8.9 مليارات متر مكعب في العام الماضي في حين أن معظمها لصالح إسرائيل.
مطلوب كيان شعبي لتبني حقوق المستهلكين
ورغم معاناة المصريين من انقطاع الكهرباء بغالبية المحافظات فلم يخرج مسؤول حكومي للرد على تساؤلات الجمهور حول السبب، وخلا موقع وزارة الكهرباء من أي إشارة إلى القضية، ونفس الأمر بموقع جهاز تنظيم مرفق الكهرباء وحماية المستهلك، المنوط به قانونا حماية حقوق مستهلكي الكهرباء، الذي يجعل قانونه وزير الكهرباء رئيسا له، وإن كان من المفترض أن يكون هذا الجهاز رقيبا على وزير الكهرباء.
وإذا كان موقع وزارة الكهرباء قد أشار إلى ارتفاع أقصى حمل للكهرباء قبل أيام إلى 35 غيغاواتًا، فإنه ما زال هناك فائض يبلغ 24 غيغا من خلال بيانات التقرير السنوي للشركة القابضة للكهرباء التي حددت الطاقة الكلية بنحو 59 غيغاواتًا في العام المالي 2020/2021، وهي آخر بيانات متاحة، رغم مرور عام مالي كامل على عام 2021/2022 الذي لم تصدر بياناته بعد.
ولم يكن الحال أفضل لدى مرفق الكهرباء الذي من المفترض أن ينشر على موقعه الإلكتروني، نشرة يومية عن استهلاك الكهرباء، ولكن آخر بيانات به تخص اليوم العاشر من مايو/ أيار الماضي.
وهو ما يدفع البعض إلى المطالبة بتكوين كيان أهلي يضم مستهلكي الكهرباء، للدفاع عن حقوقهم التي تقاعس مرفق الكهرباء في الدفاع عنها، والسعي للحد من انقطاع الكهرباء الذي يؤثر سلبيا على حياة المصريين سواء في البيوت أو المصانع والمحلات التجارية، بتعطيل الآلات والأجهزة الإلكترونية التي تعتمد على الكهرباء، وحتى مضخات المياه التي توصل مياه الشرب إلى لأدوار العليا سواء بالريف أو المدن، حيث أصبحت معاناة هؤلاء مزدوجة بانقطاع الكهرباء ومياه الشرب معًا.