باتريك زكي يكشف خواء “الشلة” السياسية المصرية

ما إن قضت محكمة أمن الدولة العليا طوارئ في مصر، بسجن الناشط الحقوقي باتريك زكي ثلاث سنوات، حتى انتفض أعضاء الجمعيات الحقوقية، ونشطاء الحالة الثورية، وأعضاء الحوارات الوطنية، وجماعات المصالح السياسية، في تأكيد -لا أكثر- للحالة “الشللية” الراهنة تحت عنوان (النخبة)، التي كانت سببًا مباشرًا في ترهّل النشاط السياسي والحزبي، إلى الحدّ الذي أحجم معه المواطن الطبيعي عن المشاركة في أي نشاط من أي نوع، بعد أن اكتشف أن أدوار (الكومبارس والأمنجي والمشتاق) أصبحت عاملًا مشتركًا بين معظم نشطاء الساحة الآن.
ربما كان اسم باتريك زكي، أكثر رواجًا بمحرك البحث (غوغل) بمجرد صدور الحكم؛ ذلك أن كثافة التصريحات المنددة، والبيانات المستنكرة، والتهديدات المبطنة، جعلت الجميع يهتم بالحدث أو بالاسم، على الرغم من صدور أحكام أخرى بالسجن شبه يومية وبالجملة وأكثر قسوة، لم يلتفت إليها أيّ من هؤلاء، لأن من صدرت عليهم هذه الأحكام ليسوا من “الشلة”، التي تسمى حقوقية، من أصحاب الجمعيات والمنظمات والعلاقات الخارجية، والتمويل الأجنبي، إلى غير ذلك وهو كثير.
في البداية يجب التأكيد على أننا ضد أيّ حكم بسجن أيّ شخص، يتعلق بالرأي والتعبير، على الرغم من أن قضية باتريك جورج زكي تتعلق بمقال يندد فيه بالتمييز بحق الأقباط في مصر، وهو ما لا أؤيده -بصفة شخصية- على الإطلاق، خصوصًا في هذه المرحلة، أو في السنوات العشر الأخيرة، والأسباب في ذلك كثيرة، أخشى من الخوض فيها، مع الوضع في الاعتبار أيضا أنه كان قد أمضى في الحبس الاحتياطي نحو عامين من مجمل الحكم تم احتسابهما بالفعل، وهناك كثير من السجناء لم تُحسَب لهم سنوات الحبس الاحتياطي ضمن سنوات الأحكام الصادرة عليهم، ولم نسمع “للشلة” السياسية صوتًا في هذا الصدد!!
“السبوبة”
بالفعل، ودون أيّ مبالغة، كانت “الشلة” السياسية المصرية سببًا رئيسيًّا في إحجام الشباب والمواطنين عمومًا عن العمل السياسي، بعد أن اكتشف هؤلاء وأولئك أننا أمام “سبوبة” لا ترقى أبدًا إلى درجة الاهتمام، فما بالنا بالاحترام؛ ذلك أن هناك عشرات الآلاف من السجناء لا تعيرهم “الشلة” أيّ اعتبار لمجرد أنهم لا ينتمون إليها، وهناك آلاف خارج مصر منفيون قسرًا أو طوعًا، لا تذكرهم الشلة ولو من باب ذرّ الرماد في العيون أيضا لمجرد أنهم ليسوا من “الشلة”، وهناك ظلم يومي يقع على أُسر هؤلاء وأولئك لا تعيره “الشلة” أي اهتمام من أيّ نوع.
كثيرًا ما قدمت “الشلة” مذكرات تطالب بالإفراج عن بضعة سجناء أو حتى عشرات من السجناء، وكانت “الشللية” هي العامل المشترك بين معظم الأسماء، على الرغم من أن بينهم من أدين في حرق أو اعتداء أو حمل سلاح أو أعمال عنف بشكل عام، أي لا علاقة لهم بقضايا الرأي، إلا أنهم من “الشلة”، وهو ما أفقد “الشلة” مصداقيتها من جهة، وجعل الجماهير تنفضّ عنها من جهة أخرى، والأهم من كل ذلك هو أن “الشلة” بممارساتها هذه، منحت مبررًا قويًّا للسلطة بعدم الاستجابة، رغم الضغوط الداخلية، اللهم إلا بعضًا ممن تشملهم الضغوط الخارجية، كما في حالة العفو الرئاسي أمس الأول التي تصدّرها اسم باتريك، الحاصل في الوقت نفسه على جنسية إيطالية.
الحكم الصادر على باتريك زكي، جاء في هذا التوقيت ليضيف فقط إلى زيف “الشلة”، التي لا تتورع عن الكشف عن وجهها القبيح مع كل مناسبة تتعلق باعتقال أو بحُكم يصدر على أحد أعضائها، ذلك أن الأوضاع السياسية المتردية بشكل عام لا تعنيهم من قريب أو بعيد، فنجد من يهدد بتعليق المشاركة في هذا الحوار أو ذاك، ونجد من يهدد بالانسحاب من الحياة السياسية عمومًا، إلا أننا لا نجد من يغلق أبواب “سبوبته” الحقوقية، أو التبرؤ من “شلته” النخبوية.
حالة الفشل
أعتقد أننا أمام حالة من الفشل تجيز لنا أن نطالب هؤلاء وأولئك بالانسحاب من المشهد السياسي والاجتماعي المصري عمومًا، هؤلاء الذين كانوا سببًا مباشرًا في إفساد الحياة السياسية المصرية منذ عام 2011 وحتى الآن، وبينهم من كانوا كذلك منذ ما قبل ذلك التاريخ، أي في ظل الأنظمة السابقة.
أكدنا مرارًا وتكرارًا من قبل أن هذه الوجوه لم تعد تصلح لا سياسيًّا ولا نفسيًّا ولا أخلاقيًّا ولا اجتماعيًّا، نحن أمام خبرات في التسوّل والترزّق والتكسّب وعقد الصفقات داخليًّا وخارجيًّا، نحن أمام خبرات (حنجورية) تستغل الظروف أيما استغلال، آن أوان مواجهتها بل وزجرها.
لا شك في أن أي نظام دكتاتوري حاكم يجب أن يسعد بوجود مثل هذه النخبة أو “الشلة” على الساحة السياسية، بل يدعم وجودها بشتى الطرق، ذلك أنها تمنحه مبرر الوجود بل والتفوق، حال أي مقارنة معها، وهو النهج الذي سارت عليه -بنسب متفاوتة- الأنظمة المتعاقبة منذ ما بعد 1952، وبلغ ذروته الآن بمحو كل مكتسبات الماضي رغم ضآلتها، من إعلام، وثقافة، وأحزاب، وصحافة حزبية، وحياة سياسية، وأنشطة طلابية، وحركة عمالية، بل وصل الأمر إلى أن يكون السجن أو النفي هما البديل الطبيعي لكل ذلك، في عودة لعصور الاحتلال الأجنبي، أو ما هو أشد قسوة.
يجب أن نعترف بأن الحياة السياسية في مصر، في حاجة إلى إعادة صياغة من جديد، بما يتواءم مع مجريات العصر، إلا أن ذلك لن يتحقق أبدًا من خلال أو في ظل تلك الوجوه، التي احترفت الأيديولوجيات البالية، وجعلت من المصالح الآنية والشخصية منطلقًا للعمل السياسي، وإلا لما وصلنا إلى هذا الحال، الذي يتعذر ويتعثر معه البحث عن مرشح رئاسي صالح، من بين أكثر من 110 ملايين مواطن، يعلن منذ اللحظة الأولى أنه مرشح الشعب -كل الشعب- وليس مرشح “الشلة”.