كراهية الإسلام وليست الحرية.. الغرب وحرق المصحف

هزيمة مدوية للدول الغربية، هكذا هلل البعض، ووصف نتيجة التصويت على مشروع قرار لإدانة أعمال الكراهية الدينية بما في ذلك حرق المصحف الشريف، الذي تقدمت به باكستان نيابة عن منظمة التعاون الإسلامي، واعتمده مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، يوم الأربعاء، الثاني عشر من يوليو/ تموز 2023، بأغلبية 28 عضوا من أصل 47، كان من بينهم جميع الدول الإفريقية الأعضاء، إضافة إلى أوكرانيا والصين، وذلك ضمن أعمال الدورة العادية الـ53 لمجلس حقوق الإنسان، التي اختتمت أعمالها في الرابع عشر من يوليو الجاري.
لكن الحقيقة أنه لا أثر ملزم لقرار إدانة أعمال الكراهية وحرق القرآن الكريم، إذ لا يتجاوز أثر مثل هذا القرار عتبة الأثر المعنوي؛ إذ ليس هناك قوة ملزمة للعمل به، وتنفيذه على أرض الواقع.
وقد نص القرار الأخير على إدانة “أي دعوة وإظهار للكراهية الدينية، ومنها ما حدث مؤخرا، من أنشطة علنية ومتعمدة، من حرق للقرآن الكريم”.
وتضمن القرار دعوة الدول إلى اعتماد قوانين تسمح بمحاسبة المسؤولين عن مثل هذه الأفعال. وفي كل الأحوال تعد القرارات الصادرة من مجلس حقوق الإنسان بمثابة توصيات لا أكثر ولا أقل، وطالما لا تتقاطع مع مصالح الدول الكبرى فإنها لا تتجاوز قيمة المداد الذي كتبت به.
موقف غربي متستر بدعوى حرية التعبير
على جانب آخر، وبالنظر إلى موقف الدول الغربية، فلم يكن مستغربا دعوة الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، والاتحاد الأوربي إلى التصويت ضد القرار.
وقد رفض القرار 12 دولة من أصل 47 عضوا بمجلس حقوق الإنسان؛ هي جميع الدول الأوربية الأعضاء، إضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وكوستاريكا. وقد امتنعت عن التصويت 7 دول، من بينها المكسيك، التي كان تعليق مندوبها قبل التصويت أقرب إلى رفض القرار، حيث أكد موقف بلاده، الذي يعتبر أن انتقاد الأديان في حد ذاته لا يشكل تحريضا على العنف والتمييز.
وقد كان لافتا كلمات السفيرة الأمريكية “مشيل تايلور” التي عبرت بوضوح عن الموقف الأمريكي والغربي، الذي يتستر بدعاوى حرية التعبير، ولا يقيم في الحقيقة وزنا لمشاعر المسلمين في أنحاء العالم اتجاه تدنيس أقدس ما لديهم؛ وهو القرآن الكريم، حيث أعربت السفيرة الأمريكية بلغة دبلوماسية عن الأسف للاضطرار للتصويت ضد نص القرار الذي وصفته بأنه غير متوازن، والذي يتعارض مع موقف بلادها بشأن حرية التعبير، بحسب قولها.
خريطة التصويت ودلالات مهمة
من ناحية أخرى، هناك دلالات تشير إليها خريطة التصويت على قرار إدانة أعمال الكراهية الدينية وحرق القرآن، أهمها، أن نسب التصويت تؤكد أن العالم منقسم إلى قسمين: قسم يقوده الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية الكبرى، يريد فرض قيمه المستحدثة، المخالفة للثوابت والقيم الإنسانية على سائر العالم، ويرفض ما عداها تحت دعوى الحرية، وقسم آخر يرفض تلك القيم الغربية التي تهدم أركان القيم والثوابت الإنسانية، وليس موضوع الشذوذ الجنسي، وحقوق الشواذ والمتحولين جنسيا ببعيد عن ذلك أيضا.
ورغم أن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة يتكون من 47 دولة فقط، تنتخبها الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة، البالغ عددها 193 دولة، بأغلبية مطلقة، فإن الدول المصوتة، ونسب التصويت، بين الموافقة، والاعتراض، والامتناع عن التصويت على قرار إدانة الكراهية الدينية وحرق القرآن، تعد مؤشرا على حالة الاستقطاب التي تشهدها الساحة الدولية، والرفض للسلوك الغربي، علمًا بأن قرارات المجلس ليس لها أي صفة إلزامية، ولا توجد آلية لتفعيل تطبيق القرارات، مما يجعله مجرد ساحة للانتقاد، والتشهير، ومسرحا للاستقطاب السياسي، هذا فضلًا عن هيمنة الدول الكبرى والأكثر نفوذًا وثراءً، حيث لم يُصدر المجلس قرارا يدين أو يفضح انتهاكات دول كبرى كالولايات المتحدة وبريطانيا، رغم انتهاكاتهما في بعض بلدان العالم كالعراق وأفغانستان.
لذلك فالقرار الصادر بإدانة أعمال الكراهية الدينية وحرق القرآن، لا يتجاوز عتبة القاعة التي صدر فيها، وساحات المواقع الإخبارية التي تداولته، ما دامت الأغلبية المصوتة لا تملك قدرة الضغط على الدول الرافضة، التي تحمي تلك الممارسات المنتهكة للمقدسات بدعوى حرية التعبير.
حقيقة الموقف الغربي من الإسلام
الموقف الغربي واضح، فحرية التعبير مطلقة لا حدود لها عندما يتعلق الأمر بمقدسات المسلمين، ولكن لا مجال لتلك الحرية عندما تتجاوز إلى غير المسلمين، فمقصلة القوانين جاهزة، وتهم معاداة السامية على سبيل المثال حاضرة لمن يفكر في أن يشير مثلا إلى موضوع المحرقة النازية أو يشكك فيها.
حرق المصحف وإهانة مقدسات المسلمين، والسخرية من النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك أعمال الكراهية والعنف اتجاه المسلمين في الغرب، تتجاوز مرحلة كونها أعمالا فردية، إلى مرحلة ظاهرة ملموسة تتصاعد وتنتشر في الغرب، نتيجة عوامل عديدة، عقدية وسياسية واقتصادية، وتبرق برسالة تخويف للمسلمين، بأنه لا مكان لهم في أوربا.
كما أن هناك حقيقة مهمة لابد أن ندركها، وهي أن الغرب عموما أصبح يحتضر سياسيا، واقتصاديا، وأخلاقيا، ويُعد خلقُ حالة العداوة والصراع مع الإسلام تحديدا ملاذا للنخبة الحاكمة، خاصة اليمين المتطرف، لوقف هذا الاحتضار من وجهة نظرهم.
على مدار عقود مضت عاش الغرب تنظيرا مسموما، محملا بالعداوة للإسلام، وقد تربي عليه وتشربه ساسة ومواطنون، وشكل عقيدة طاغية بعد انتهاء الحرب الباردة، حمل لواءه أمثال “صمويل هنتنغتون” مؤلف كتاب “صدام الحضارات”، و”فوكوياما” صاحب كتاب “نهاية التاريخ” وغيرهما، كما ساهم الإعلام الغربي في صناعة صورة ذهنية سلبية، صور خلالها المسلمين أعداءً متوحشين.
فقد اكتشف القائمون على الإعلام وتحديدا بعد حرب الخليج الثانية، أن تصوير الإسلام كعدو يمثل قيمة تسويقية عالية، فجرى تصدير صورة وهمية عن الإسلام والمسلمين؛ أجّجت مخاوف مرضية من خطره على الغرب وثقافته، ورسمت “كليشيهات” ثابتة في التعاطي مع الإسلام والمسلمين، تحطمت أمامها كل المحاولات المنصفة لبيان الصورة الحقيقية.
ختاما
إن رفض الدول الغربية في مجلس حقوق الإنسان قرار إدانة أعمال الكراهية الدينية وحرق المصحف بدعوى تعارضه مع حرية التعبير، إنما هو شاهد ينضم إلى غيره من الشواهد التاريخية، التي تؤكد أن علاقة الغرب مع العالم الإسلامي تحديدا هي صراع ديني، وصراع حضارات، وليست مجرد صراع مصالح سياسية واقتصادية.
إن كراهية الإسلام والخوف منه تقف بدون شك وراء كثير من المواقف الغربية اتجاه المسلمين ومقدساتهم، وهي نتيجة طبيعية وأحد مآلات خطاب الكراهية والعداوة الموروثة، التي أججها سيل من المغالطات اتجاه الإسلام والمسلمين، يحجب عن الباحثين عن الحقيقة فرصة التعرف على حقيقة الإسلام، الذي لو نظر فيه الغرب ونخبته لوجدوا فيه الحل الناجع، والمخرج الوحيد لسائر ما يعاني منه العالم من مشكلات وأزمات.