ثورة يوليو وتدمير مصر.. خربوها الأحرار!

جمال عبد الناصر

أعجبك العنوان.. شفى غليلك تجاه الأربعين ملكا الذين أطاحوا بملك وجاؤوا بذواتهم ملوكا بحد تعبير المؤرخة التاريخية تحية كاريوكا! أم إنه أراحك وجعلك تنام قرير العين، فأنت إذن لست مسؤولا عن هذه الأوضاع السيئة التي يمر بها الوطن.

إن كنت تعتبر الوطن هو مصر، أم كما اعتبره الوطن العربي كله من المحيط إلى الخليج، إن كنت من الداعين إلى الفرعونية ومصر للمصريين فقد خربوها الأحرار، ومنذ أن رضيت “إنجي بنت أفندينا بعلي ابن الجنايني” والسيارة تعود إلى الخلف، وغابت عن مصر الموضة الفرنسية، حلاق الشعر اليوناني، وملاك بنزايون، عدس، وريفولي، ارتحت الآن ها أنا معك أقول لك نم قرير العين، وضع على يوليو وتنظيمها وضباطها كل مساوئ الوطن.

انس ما بيننا وبينها من سنوات أقامت دولًا، وهدمت أخرى، أضاعت ممالك ومزقت أممًا، لا يهم كيف بنوا أبناء هذه الدول الأمة ونهضتها، وتقدمها، مادام لدينا شماعة العودة 70 عاما إلى الوراء لنضع تكاسلنا على أعناق من خرجوا ليلة الثالث والعشرين من يوليو ليقيموا جمهورية العسكر الممتدة حتى اليوم، أما نحن فمفعول به، مواطنون، ونخبة، مثقفون وجهلة، مبدعون، ومفكرون، الجميع مفعول به، لا يحركون شيئا من مكانٍ إلى آخر.

يعاتبني صديقي دائما بل يعايرني بناصريتي، “هو في لسه حد كده”.. ابتسم كعادتي مع من يفتح معي هذا النقاش، فصديقي لا يصدق أنني لست ناصريا، بل وطنيا مصريا كما قال المفكر الأهم في عصرنا الحديث: جمال حمدان” الناصرية هي الوطنية الخالصة، ولا يملك أي رئيس وطني أن يخرج عنها فإن خرج فقد خرج عن الوطنية المصرية.”

نعم هو أيضا جمال ولكنه المفكر الأبرز مع كوكبة مروا على الوطن بعد وفاة عبد الناصر وآمنوا بما كان يحمل من أفكار ومشروع. يقفز صديقي ليقول لي: “أي مشروع تتحدث عنه؟ فيوليو وضباطها مسؤولون عما نحن فيه”، فهو يعتقد أن استمرار حكم الملكية وعصر مصر الذهبي في الربع الثاني من القرن العشرين كان كفيلا بجعل مصر حتة من أوربا، وهل حلمنا أن نكون قطعة من أوربا أم قوة كالاتحاد الأوربي؟ ثم هل أصبحت الممالك من حولنا قطعة من ديمقراطية أوربا؟ انظروا فقط إلى الممالك المجاورة، كل من سار عكس طريق يوليو وعبد الناصر لعلكم تجدون إجابة لي.

أزمة يوليو الحقيقية

لم تكن أزمة ثوار يوليو عبد الناصر، واسمح لي أن أجرح شعورك الملكي ولا أقول عسكر يوليو، ولا ملوك يوليوـ أنهم يريدون أن يكونوا ملوكا، فما أسهل أن تكون ملكًا على مملكة خربة، يتعلم فيها 10% من أبنائها تعليما أوربيا فاخرا باللغة الفرنسية، ويعزفون البيانو، ويمضون أشهر صيفهم بالمنتزه، والإسكندرية، والآن يذهبون إلى الساحل والعلمين، والعاصمة الإدارية ليقيموا فيها، أما باقي الشعب فهو يعاني من الفقر والجهل والمرض. ما أسهل أن تكون ملكا ويكون حولك أربعون ملكا يمتلكون الأرض بالإقطاعية الملكية، وباقي الضباط كل واحد فيهم يمتلك عزبة ويعطيه عبد الناصر حق ملكية الأرض ومن عليها.

لا تصدقني، معك حق فأنت تستقي معلوماتك من الأفلام السينمائية وكتاب الغرب وأفكار كل من عادوا المشروع الوطني عبر التاريخ، لذا سأحيلك إلى رواية كتبها أحد الذين انتقدوا يوليو بضراوة: الدكتور خليل حسن خليل من فضلك عد إلى روايته (الوسية) لترى كيف كانت مصر قبل يوليو.

أما إذا كنت ترى في أن ضباط يوليو عسكرًا استولوا على سلطة ملك كان ولي النعم ورجلا فاضلا وطيبا، أقول لك ما كان أسهل على عبد الناصر أن يصبح ملكا مثله ويجعل لك أحزابا سياسية يستمر فيها الوفد صاحب الشعبية الأولى ويحكم شهرين، ويقيل الملك حكومته التي يستطيع فيها أي عضو في مجلس الشعب أن ينتقد الملك، لكن الوفد لن يحكم في سنوات حكم عبد الناصر الـ 16 إلا عامين، كما حكم في عصر الملك من 1923 حتى 1952، سهلة وبسيطة المسألة.

إذن لماذا لم يختار عبد الناصر والضباط ذلك؟ أقول لك إنه المشروع، مشروع فيه تعليم للجميع، لا تتعجل وتقول لي تعليم فسد، أليس هذا التعليم هو من أنتجك أنت شخصيا، ستقول لي ” أنا مختلف” سأصدقك يا أخي وأتفق معك أنت مختلف، فكم مختلف مثلك 15% مثلا من المتعلمين في عصر يوليو، فلماذا لم تغيروا الواقع باختلافكم؟ كانوا الضباط 40 ملكا، أما أنتم حسب إحصائيات التعليم في نهاية عصر يوليو عبد الناصر فتقاربون مليون ونصف المليون مختلف، لماذا ظللتم 70 عاما ولم تغيروا الوضع؟

المشروع يا صديقي مشروع التصنيع، لا تتعجل وتقول لي كنا بلدا زراعيا نصدر القطن طويل التيلة وإنتاج مصانع الغزل والنسيج إلى أوربا، أقول لك نعم كنا بلدا زراعيا، فهل نقصت الرقعة الزراعية في عهد يوليو؟ لا تجب سريعا، ارجع إلى مصادر موثوق فيها وأجب. قل لي لماذا تحزن وتصرخ حين يبيعون مصانع يوليو عبد الناصر؟ لماذا تصرخ الآن وهم يشردون عمال مصانع الحديد والصلب والألمنيوم، الكتان، الغزل والنسيج، المشروع يصيب الأعداء في مقتل فيذهبون إلى حرب من يقوم بالتصنيع.

سأقول لك يا صديقي إنه المشروع: الثقافة، لا تتعجل وتقول لي ثقافة فاسدة، وإلا أنت تتهم كل من تتبع أفكارهم الذين يهاجمون يوليو وثوارها.. إنهم نتاج مشروع ثقافي وتعليمي فاسد، أقول لك إن مشروع يوليو الثقافي.. قاده أناس أنت تقدرهم.. منفصلون عن يوليو، وإذا ربطهم لك مع يوليو، قلت حالة فردية.

نجيب محفوظ والآلاف مثله

ولن أعدد لك أسماء، هل لديك معلومة مثلا أن نجيب محفوظ كان مديرا للرقابة مثلا في عصر عبد الناصر؟ لا تتفاجئ هناك الآلاف مثل محفوظ، لكنك لم تربط بين كونهم مسؤولين في عهد ناصر، وبين أنك تراهم مفكرينك أو معلمينك أو الذين ساهموا في جعلك تقول إن يوليو وعسكرها هم سبب خراب مصر، الواقع أنني أحب هؤلاء جميعا وأقدرهم ولكني آخذ منهم ما يبني معي مشروعا عربيا إسلاميا كبيرا كمشروع جمال عبد الناصر.

سأقول لك إنه المشروع القومي، لا تتعجل وتقول لي: أنا مصري وليس لي مشروع قومي، لأني سأقول لك ما كان أحمس؟ ولماذا جاء الهكسوس إلى مصر؟ ولماذا جاء التتار، المغول، الصليبيون، الإنجليز، الفرنسيون؟ لماذا جاء الصهاينة إلى مصر أيضا؟

 هل جاء بكل هؤلاء عبد الناصر لكي يقنعك أنك لا تنفصل عن أمتك؟ لماذا تتفاعل مع انتفاضة أهلنا في فلسطين؟ وتفرح بمحمد صلاح البطل المصري الذي قتل خمسة صهاينة يحتلون فلسطين، لا تتعجل يا صديقي وتقول لي ليس علاقة لي بالقومية فأنا إسلامي وما الإسلام إلا قومية إسلامية واحدة بلغة عربية واحدة.

هل اخترع ثوار يوليو جغرافيا جديدة لمصر أم تاريخا جديدا؟ أم هذا تاريخك، وتلك جغرافيتك، هل تعرف وأنت تقول إنك مسلم أنني أقرا الآن كتاب يتحدث عن الفتوحات العثمانية في إفريقيا، وقواعد الحكم هناك، في إريتريا والحبشة، نعم الحبشة: إثيوبيا حاليا.

هل تقول لي إن عبد الناصر وضباط يوليو أضاعوا رصيد الذهب المصري في حروب اليمن والكونغو، والجزائر وحروبنا في فلسطين، أقول لك إن عبد الناصر وضباط الجيش كانوا في فلسطين أيام الملك الذي كنت تتمنى أن يظل، وهزمت سبعة جيوش عربية وأقيمت دولة الكيان الصهيوني عام 1948، وكان ضباط الجيش ضحايا مثل الشعب بسبب الأسلحة الفاسدة. عبد الناصر لم يخترع الكيان الصهيوني، ولم يستدعه في 1956، بل هو من جاء مع الإنجليز ليستردوا حكم مصر، ومع الفرنسيين ليستردوا قناة السويس، إن كنت لا تمانع في عودة فرنسا إلى القناة والإنجليز إلى حكمك.

فلا تصرخ الآن فها هي القناة سيتم تأجيرها، وسيعود الصهاينة يمتلكون قصورا وشركات وأراضي مصرية ومصانع وشركات ومؤسسات، فلا تصرخ يا عزيزي، فقد طردهم الضباط الأحرار وعلي ابن الجنايني، ولكنهم سيعودوا الآن.. استقبلهم كما استقبلوهم أهل العراق الأمريكان بالأحضان، وانتظر من يحكمك على أسنة دبابات الصهاينة، فكل ما فعله عبد الناصر وثوار يوليو الآن يعود إلى أعداء الأمة وأعداء عبد الناصر.

فلا تحزن على انقطاع الكهرباء، فسد عبد الناصر سيصبح مجرد أثر يُسمى سد أسوان، وغازك وكهربائك ستذهب إلى الكيان الصهيوني المحتل وأنت تمضي أيام صيفك الحار والكهرباء منقطعة، أما مياه النيل فستذهب عن طريق سحارات سرابيوم إلى الكيان أيضا ويكون نصيبك 22 مليار متر مربع بعد أن كان 55 مليار، واجلس أنت لتلعن الأحرار وجمال عبد الناصر وحملهم صمتك سبعين عاما، أو خمسين عاما على الأقل.

لا تجعلوا من عبد الناصر شماعة الكسل

لست معنيا بالدفاع عبد الناصر، فناصر ويوليو لا يزالان حاضرين في عقولكم أكثر من عقول شركائه في المشروع، عبد الناصر ويوليو سيظلان في مرمى السهام ما بقي مشروع عربي، أو إسلامي في الحياة، وما بقي الصراع الغربي مع أمتنا، سواء حكمها خليفة عثماني، أم أيوبي، أم مملوكي، أو حكمها حاكم وطني، بينما سيكون على الرحب والسعة أن يحكمها ملك، اوملوك، سلاطين، أو حاكم وأسلافه ممن يضعون أوراق اللعبة كاملة في أيديهم.

لا تجعلوا من عبد الناصر شماعة الكسل، التخاذل، الخوف، والعجز الذي يحيط بكم، ولا تنظروا للماضي بل المستقبل، إن لم تجد مشروع يوليو وجمال عبد الناصر أمامك بكل تفاصيه، فاعتبر ما قرأته مجرد تخاريف ليلة صيفية حارة جدا في إسطنبول، التي صارت تحتضننا بينما كانت قاهرة عبد الناصر تحتضن كل ثوار العالم في عصر يوليو الذي انتهي سبتمبر 1970 بوفاة جمال عبد الناصر الذي سيظل مشروعه يؤرق كل أعداء الأمة، ويقلق منام الكسالى من أبناء أمتنا العربية، وكذلك الحكام الذين يرتمون في أحضان الصهاينة والأمريكان، والغرب.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان