غموض يحيط باختفاء وزير الخارجية الصيني!

وزير الخارجية الصيني في آخر ظهور له مع وزير الخارجية الأمريكي ( 19 يونيو)

لم يظهر وزير خارجية الصين تشين غانغ منذ قرابة الشهر. يثير غياب كبار المسؤولين في الدول الشمولية، عن الأنظار الغمز واللمز، عشنا بعض أحداثها، عندما اختفت هالة زايد وزير الصحة السابقة عدة أسابيع، بحجة مرض مفاجئ، ثم اتضح بعد أشهر أن وراء الاختفاء قضية فساد كبرى ارتكبها نجلها وزوجها السابق ومدير مكتبها.

في الدول الديمقراطية، يتحول اختفاء مسؤول إلى قصص إخبارية ساخنة تُناقش على الملأ، لتفسير ما يحدث للجمهور، لكن في الصين يتعاملون مع غياب مسؤول حكومي كبير بسرية بالغة، دون تقديم أي تفسير بما يربك الصحفيين ومن يتعامل مع بيجين.

لم يظهر الوزير علنا منذ 25 يونيو الماضي، بعد أن التقى بوزير خارجية فلسطين رياض المالكي في بيجين 15 يونيو ومن بعد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بليكن 18 يونيو، ومسؤولين من سريلانكا وفيتنام. تُظهر الصور الرسمية، الوزير الغائب، في آخر ظهور علني له، يسير مبتسما جنبا إلى جنب مع نائب وزير الخارجية الروسي أندري رودينكو، الذي توجه إلى بيجين، للتشاور حول تداعيات محاولة انقلاب مرتزقة ” فاغنر” ضد الرئيس بوتين.

 

الوزير الغائب

 

غياب طويل بشكل غير عادي لمسؤول رفيع المستوى بدولة كبرى، يدير منصبا يتطلب السفر والظهور بمقابلات دائمة مع نظرائه الأجانب، جعله حدثا إخباريا يومية بأكبر الصحف ووسائل الإعلام الدولية، عدا الصينية التي تتجاهل القضية برمتها. عندما سأل مراسل جريدة “فايننشيال تايمز” البريطانية المتحدثة باسم الخارجية الصينية عن غياب الوزير لمدة 3 أسابيع، وعدم حضوره اجتماع وزراء خارجية رابطة دول جنوب شرق آسيا” آسيان، والاعتذار عن مشاركته بمؤتمر بالاتحاد الأوربي قبل يومين من انعقاده 5 يوليو الجاري، ردت باستعلاء أقرب للتوبيخ، قائلة”: ليس لدينا معلومات نقدمها”، وأضافت “تسير الأنشطة الدبلوماسية الصينية وتنفذ كالمعتاد”. ثم عادت ففسرت غياب الوزير لأسباب صحية، ثم حذفته الرقابة، بعد نشره بلحظات.

الإجابة الفارغة، تركت فسحة واسعة للشائعات، حول وجود علاقة بين الوزير ومراسلة تلفزيونية، ظهر معها بعدة لقاءات أثناء عمله سفيرا بواشنطن، لمدة 17 شهرا، واستمرت عقب توليه الوزارة. هناك من يتوقع أنه سقط بشباك الاقتتال الداخلي بين قادة بالحزب يخشون صعوده المفاجئ، بعمر 57 عاما، رغم عدم وجود مواهب سابقة له إلا لقربه من ” شي”.

في طي الكتمان!

 

اختار شي جينبنغ “تشين” باعتباره أحد الذئاب المحاربة التي رباها بأجهزة الحزب، وأطلق بعضها بالخارجية، للرد بعنف على خصومه بالغرب، وليواجه بقسوة كل من تسول له نفسه أن يقلل من شأن ” الأمة العظيمة التي يريد لها شي أن تكون مركز الكون.

تتسرب الشائعات دون رد، من بيجين، التي تسير على النهج، كما فعلتها من قبل عندما اتهمت لاعبة التنس الأولمبية بينغ شواي نائب رئيس الوزراء زانغ جاو لي، باغتصابها، أخفوها عن الأنظار، حتى عادت معتذرة عما بدر منها، بينما كان المسؤول يشارك في اجتماعات علنية بالحزب، إلى أن أبعده الحزب عن منصبه، بعد الحادث بـ 8 أشهر.

يعتبر الحزب الشيوعي المعلومات مصدر قوته، وأن خروجها بدون إذن منه، إساءة للنظام السياسي والأمن القومي للدولة. يفضل الحزب أن تبقى المعلومات خلف الأبواب المغلقة، وأن ما يخص قادته ومسؤولية، يجب أن يظل في طي الكتمان للأبد.

يتخذ “شي” إجراءات صارمة ضد خصومة على الملأ، ظهرت جلية عندما طلب من حراسه طرد الرئيس السابق هو جينتاو محمولا، من اجتماعات اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، لاعتراضه في أكتوبر الماضي، على إبعاد شي بعض أقاربه من عضوية اللجنة. اختفى هو جينتاو، ولم يعلم الشعب الأحداث، إلا من اطلع عليها بالخارج. تعكس تصرفات شي أمراض الأنظمة الشمولية، التي تبدو متماسكة من الخارج، بينما تتآكل من الداخل، وتتجه حيثما يريد ويقرر الزعيم الروحي، دون سواه.

 

اختفاء الرئيس!

 

يتعرض كثير من المسؤولين للاختفاء بشكل دوري وفجأة، ويعاودون الظهور بعد مدة، بنفس الطريقة. فمنهم من قضى نحبه ومنهم من انتظر المحاكمات، بتهم تتعلق بالفساد أو الاعتداء الجنسي، بعد انتشار فضائحهم على الإنترنت.

اختفى ” شي” نفسه، قبل توليه السلطة مباشرة عام 2012، دون تفسير رسمي، تكرر ذلك في يوليو 2022، ظهر بعدها أنه كان يزور لمدة أسبوعين، منطقة شينجيانغ” تركستان الشرقية” ذات الأغلبية المسلمة، أرادها أن تكون شديدة السرية.

يعيش كبار المسؤولين بالحزب بمجمعات سكنية خاصة، متعددة الأماكن والمستويات، بصحبة عائلاتهم وأخرى لاستقبال ضيوف الحزب وثالثة لمقابلة الأجانب. دُعينا إلى بعضها فرأيناها أشبه بقصور العصور الوسطى، تسير على نمط القصر الإمبراطوري بالمدينة المحرمة، حيث الحاشية والفخامة والخدم. منهم من يحب اقتناء المحظيات ويتخذ الخليلات وسيلة لتهريب المال الفاسد. تراقب السلطات المسؤولين عن كثب وتفضل عدم المساس بهم، طالما الروائح الكريهة لا تنتشر خارج الأسوار، فإذا ما تسربت أو مثلت خطرا عليها، فمثواهم السجن أو الاختفاء عن الأنظار للأبد.

 

قضية المحارب الذئب

 

تظل قضية اختفاء الوزير حدثا فريدا لأهمية منصبه، وعلاقته الوثيقة بالرئيس شي، الذي صنعه على عينه، ضمن مجموعات الذئاب المحاربة بالحزب. عندما حصل شي على فترة ولاية ثالثة أكتوبر الماضي، قفز به إلى عضوية المكتب السياسي للحزب، فوزير للخارجية، ثم عينه بمرتبة مستشار بالحزب، وهي مناصب رفيعة بمجلس الوزراء والحزب، احتاجت من سلفه وانغ يي رئيس لجنة العلاقات السياسية بالحزب حاليا جهدا متصلا 17 عاما، تخطاها “تشين” بأقل من عامين.

يطلق عليه حساده أنه يقفز إلى أعلى المناصب بطائرة عمودية، ليعكس اختفاؤه المزيد من الغموض، فإما أن الرئيس فشل في اختيار الشخص المناسب، أو أنه ارتكب جرما لا يغتفر أو ربما يعود فجأة كما اختفى دون تبرير.

تصنع الصين نموذجا سيئا في تعامل الدول مع نموذج السرية حول شؤون الحكم، بما يهدر حق الناس في المعرفة وقيمة الشفافية والمساءلة أمام الشعب وأجهزة الرقابة وعلى رأسها وسائل الإعلام. تزيد إجراءات السرية خطرا علينا عندما يجري النظام الشيوعي صفقات مالية واقتصادية وأمنية، مع أنظمتنا فلا ندري عنها شيئا، بينما يرى البعض الصين نموذجا يحتذى.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان