23 يوليو 1952. هل أنصت الإخوان إلى دروس التاريخ؟

جمال عبد الناصر والمرشد العام للإخوان حسن الهضيبي وعدد من قيادات الجماعة

يقول ابن خلدون – رحمه الله – في مقدمته  «اعلم أن فنّ التاريخ فن عزيز المذهب جم الفوائد شريف الغاية، إذ هو يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم، والأنبياء في سيرهم، والملوك في دولهم وسياستهم، حتى تتمّ فائدة الاقتداء في ذلك لمن يرومه في أحوال الدّين والدنيا».

لكن عندما يتحول التاريخ إلى أداة للتعبئة والحشد وإثبات التفوق، تحدث الكارثة، لأنه هنا يتم تجاوز الحقائق إلى روايات “شعبوية” مصنوعة بعناية لضمان ولاء الأتباع. عندها سيضيع الهدف الذي أشار ابن خلدون إليه، وهو فائدة الاقتداء.

ما بين يوليو 1952 ويوليو 2013 واحد وستون عاما كانت كفيلة بأن يتعلم الإخوان الكثير والكثير مما أفضى بهم في النهاية من شركاء أصليين في حركة الضباط أو “الانقلاب العسكري”، إلى جماعة “محظورة” يقبع آلاف منها في السجن فيما لزم آخرون بيوتهم، بينما تمكن نفر منهم من الفرار إلى خارج مصر، ذات المشهد الذي تكرر بعد أكثر من ستة عقود، بعد ثورة فتية نجحت في إجبار مبارك على الرحيل، وعاد الإخوان ليتصدروا المشهد باعتبارهم الجماعة الأكبر عددا والأقدم نشأة، حيث نجحوا في حيازة أغلبية البرلمان (الشعب ثم الشورى) قبل أن يتمكنوا من الفوز برئاسة الدولة، لكن النهاية كانت أشد إيلاما من نهاية تجربة يوليو 1952!! حينها اكتشفنا أن القوم لم يستوعبوا دروس التاريخ؟؟؟

غياب الإستراتيجية الحاكمة

في التجربتين تلاحظ بوضوح غياب الإستراتيجية الحاكمة؟ ففي يوليو 52 تتساءل ما الذي دفع الإخوان إلى موافقة الضباط على الانقلاب العسكري وما يتبعه من إجراءات معروفة من الإطاحة بالدستور (ثمرة ثورة 1919) وحل الأحزاب وتعطيل الحياة السياسية؟ وذلك بعيدا عن سردية تحقيق الاستقلال إذ عملت معظم حكومات ما قبل 1952 جاهدة على تحقيق ذلك الهدف.

في حواري الصحفي معه عام 2008 قال لي الراحل أحد رائف – رحمه الله – صاحب الكتاب الشهير “سراديب الشيطان” إن عبد الناصر لم يستطع تنفيذ الانقلاب إلا بعد ذهابه لمقابلة المرشد العام للإخوان الأستاذ حسن الهضيبي في الإسكندرية حيث كان يقضي إجازته الصيفية. وبعد مناقشات وافق المرشد، رغم أن الملك فاروق استقبل الهضيبي عام 1951 في قصر القبة بالقاهرة عقب توليه رئاسة الجماعة بعد عودتها مجددا بعد حلها سنة 1948، وقال الهضيبي عقب اللقاء: “زيارة كريمة لملك كريم”.

كانت نظرة الإخوان للأحزاب نظرة سلبية، عبر عنها البنا بقوله في رسالة المؤتمر الخامس: “والعلاج الحاسم الناجح أن تزول هذه الأحزاب مشكورة فقد أدت مهمتها وانتهت الظروف التي أوجدتها” ومع مساعدة العسكر للاستيلاء على الحكم فقد واتتهم الفرصة للتخلص من تلك الأحزاب، لذا لم يكن مستغربا أن تلاقي قرارات الحل ترحيبا واسعا من الجماعة حينها.

أوصل الإخوان ضباط يوليو 1952 إلى الحكم، وظنوا أن الأمر قد دان لهم، فعبد الناصر هو ابن التنظيم الخاص، وهو الذي قاد الضباط الأحرار بعد رحيل قائده الإخواني حسين لبيب، ومعظم الضباط مروا على التنظيم مرورا مختلفا عدا زكريا محيي الدين، بل إن الضابط خالد محيي الدين الذي اشتهر بالضابط الأحمر لاعتناقه الشيوعية كان أحد هؤلاء المارين، ويتعجب جمال البنا في شهادته قائلا: كيف فرط الإخوان في ذلك الضابط الخلوق المؤدب؟!!

اندفع الإخوان مع الضباط للإطاحة بالنظام الملكي – الذي لم يكن مثاليا – لكن كان يمكن تطويره بمزيد من النضال السياسي المدني للوصول إلى نظام ملكي دستوري، لكن البلاد دفعت إلى المجهول وتم العصف بجميع مكاسب الحركة الوطنية قبل وبعد ثورة 1919.

الإستراتيجة الغائبة درس لم تستوعبه الجماعة فعادت في 2012 لتكرر الخطأ وتقرر الدفع بمرشح رئاسي، وحمل مجلس الشورى العام على التصويت لصالح قرار المشاركة دون أن تملك أجوبة حقيقية للأسئلة الصعبة في ذلك الاستحقاق، حيث وقفت أمامها فيما بعد عاجزة عن التعامل معها.

الفشل في التعامل مع الأزمات

كان عبد الناصر (الفرد) أكثر ذكاء وفهما لمتطلبات الدولة من الإخوان (الجماعة والتنظيم)، فعقب رحيل الملك، شرع في السيطرة على الدولة بتوليه رئاسة الوزراء ووزارة الداخلية حيث عكف على دراسة كل صغيرة وكبيرة في دولة الباشا “محمد علي” تمهيدا لتطويعها لصالحه فيما بعد.

كل هذا بينما الإخوان تعصف بهم الأزمات والانقسامات تارة بين الهضيبي والنظام الخاص، أو بينه وبين آخرين من جهة أخرى، وتفشل الجماعة في وضع تصور تتصرف بمقتضاه مع الضباط، فالهضيبي كان قاضيا فيه من شدة القضاة وصلابتهم وليس مرونة السياسيين وانفتاحهم على البدائل والحلول ومعرفة كيفية الترجيح بينها.

ذات الأمر الذي تكرر بدءا من أواخر عام 2012، إذ ظلت الأزمة السياسية تكبر يوما بعد يوم ومخاطر التدخل العسكري تزداد والجماعة عاجزة عن قراءة المشهد فضلا عن استنبات البدائل.

كانت نذر الإطاحة بحكم “الجماعة” تتجمع في سماء مصر يراها الصغير قبل الكبير، إلا الجماعة نفسها التي كانت تؤكد أن كل شيء على ما يرام بل إن الرئيس مرسي نفسه أكد للرأي العام علانية يوم 26 يونيو 2013 أن الجيش “فيه رجالة زى الذهب”!!

يقول محمود عبد الحليم في كتابه: “الإخوان المسلمون.. أحداث صنعت التاريخ” في عبارة جامعة يصف ما آلت إليه أحوال الجماعة عام 1954:

(وما كنا نملك شيئا بعد أن صار هو “أي عبد الناصر” يملك جميع أوراق اللعب في يده ونحن لا نكاد نملك منها شيئا).

ويعيد التاريخ نفسه، ففي 3 يوليو 2013، عادت الجماعة لتفقد كل شيء بعد أن امتلك “ضابط” آخر جميع أوراق اللعبة.

إنها دروس التاريخ التي لم ينصت إليها الإخوان والتي كلفتهم وكلفت الشعب المصري الكثير!!

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان