انقطاع الكهرباء.. هل تنتهي الأزمة اليوم أم أنها أكبر وأعمق؟!

لحظة البدء في كتابة هذا المقال انقطع التيار الكهربائي، منذ أسبوعين وانقطاع التيار مستمر في مصر، يحدث ذلك مرات عديدة ليلًا ونهارًا.

في أول الأمر كان التصور أنه انقطاع طارئ، وتكراره قد يكون بسبب إجراء إصلاحات في محولات توزيع التيار مثلًا، خاصة أننا في الريف تحديدًا لنا تاريخ في انقطاع الكهرباء في أي وقت ودون استئذان.

هذه الأيام، ومع استمرار الانقطاعات في كل ضواحي المنطقة بالتبادل، فإن الأمر كان لافتًا للانتباه، ولم يكن هذا معتادًا خلال السنوات الأخيرة، وكل من لاحظ ذلك وتأفف منه كان يتصور أن المشكلة تقتصر على منطقته أو الحي الذي يقطن فيه، حتى ظهر أن المشكلة عامة تشمل البلاد كلها.

انقطاعات مبرمجة

اتضح أن الانقطاعات ليست طارئة ولا مؤقتة ولا تخضع للظروف القاهرة، بل خطة مبرمجة وجارٍ تنفيذها، لكن لم تتحدث بشأنها وزارة الكهرباء، ولا الحكومة إلا بعد أيام من مصاعب الحياة في ظل غياب التيار، والبرلمان في إجازة، وفي حالة غياب عن دوره في تمثيل الشعب والنيابة عنه في قضاياه وفي رقابة السلطة التنفيذية ومحاسبتها. قضية مباغتة الناس بقطع التيار عنهم دون إعلامهم مسبقًا ودون مبررات قوية مقنعة تستحق استجوابات برلمانية ومساءلة الحكومة.

عدم الحديث عن خطة قطع التيار وعدم التبرير نابع من عدم اعتبار الناس، هي قرارات أو تعليمات فوقية سواء مكتوبة أو شفوية، فالناس لا يعنون شيئًا لدى الحكومة، وما دامت الإرادة العامة لا أثر لها في الاختيار، فلن تكون هناك حاجة إلى وضع المواطن في الحسبان قبل اتخاذ القرارات أو رسم السياسات.

لا يحدث هذا في الديمقراطيات، ذلك أن الحكومات منتخبة ويجري تغييرها، وهي تعلم أن وجودها مرهون بإرادة شعبية، وصحيح أيضًا أنه تجري انتخابات في الأنظمة الأخرى، لكن غالبًا لا تتوفر لديها القيم الأساسية للديمقراطية والآليات الجادة للانتخابات من جهة الحرية والتنافسية والعدالة والنزاهة والشفافية والانفتاح.

الكهرباء ليست ترفًا

لم يعد التيار الكهربائي ترفًا، بل يستحيل الاستغناء عنه، فهو خدمة أو سلعة استراتيجية لا تقوم الحياة اليوم إلا عليها، وهو أحد أهم منجزات العقل البشري والحضارة الحديثة. والمشهد العام لمصر ليلًا في مختلف المحافظات وأجزاء من القاهرة حيث الظلام يُوحي بالأسى الحقيقي.

ويُقاس مدى تطور الدول أو استحقاقها امتلاك مشروع تنموي جاذب للاستثمار الداخلي والخارجي أن يكون لديها خدمة كهرباء تقليدية ومتجددة ممتازة وكفأة وتتسم بالديمومة وتتحمل كل الأوضاع والظروف مهما كانت ضغوطها، وليس ذلك بحداثة الشبكات فقط، وإنما الأهم توفر متطلبات إنتاج الكهرباء. ومعظم محطات التوليد في مصر تعتمد على الغاز، وقيل في تبرير تخفيف الأحمال -اسم التدليل لقطع التيار- إن كثافة استخدام الكهرباء بسبب الحر تساهم في استهلاك كميات كبيرة من الغاز، وسبق أن قيل لنا إننا حققنا الاكتفاء الذاتي من الغاز ونصدر منه ولدينا المزيد من المخزونات وأحرزنا نتائج ثمينة في هذا القطاع، لكن يبدو أن هناك إغراقًا في التفاؤل، ومخاصمة الواقع المجرد.

لا اقتصاد ولا صناعة ولا إنتاج ولا تجارة ولا نشاط عامًّا ولا حركة عمل وحياة وأمان ولا مستوى عيش جيدًا إلا بتوفر خدمة التيار الكهربائي بشكل مضمون ومستمر لكل القطاعات والمرافق والأنشطة، ولكافة الناس في بيوتهم وخارجها.

لماذا تظهر هذه المشكلة المُؤرقة حاليًّا؟

لا أحد تحدث بشكل مباشر وواضح وصريح عن مبررات تخفيف الأحمال على المحولات والشبكات، وإنما الاجتهادات التي تأكد صوابها أن الانقطاعات هدفها توفير الغاز الطبيعي الذي تعمل به محطات التوليد لتصديره للخارج لجني العملات الصعبة، ذلك أن أزمة عدم توفر الدولار مستمرة وتزداد تعقيدًا.

وعندما يكون الحصول على الدولار هو الهدف فإنه للأسف علاج قاصر يتسبب في صنع أزمات جديدة حيث يُربك حياة الناس ويُعطّل النشاط العام وحركة الاقتصاد الخاص من متاجر ومحلات ودكاكين ومعارض وورش وأعمال صغيرة ومتوسطة كثيرة جدًّا علاوة على المرافق الخدمية من توقف أو تأثر خدمات المياه والصرف والمستشفيات وغيرها، وهي رسالة سلبية للاقتصاد الكلي والاستثمار.

تأثير هائل وأضرار واسعة على كافة القطاعات وفي مختلف المرافق والأنشطة الفردية والخاصة والعامة، ومجمل الخسائر إذا تم إحصاؤها ستفوق كثيرا حجم الغاز الذي يتم توفيره من تخفيف الأحمال لبيعه بالخارج.

أما الآثار السلبية على الناس وحياتهم فحدث عنها ولا حرج مما لم يحدث مثله من قبل طوال عقود حتى عندما كانت الشبكات متهالكة ولم يكن الوقود متوفرًا.

توفير الغاز وقطع التيار مع اشتداد الحر

الحكومة تتفاخر باكتشاف وتطوير حقول الغاز وإحراز أهداف اقتصادية وتجارية في هذا القطاع، لكن هل يُعقل أن تضنّ بهذا المورد عن إمداد المحطات باحتياجاتها منه لتشغيلها لأجل مواطنيها؟ هل الناس مُطالبون بتحمل عذابات انقطاع التيار مع الحر الشديد ولهيب الأسعار؟!

الشعب أولى بالاستفادة بموارده، وأما محاولات الحكومة لتوفير العملات الصعبة، فلا يجوز أن تكون على حساب مواطنيها، وهي لم تستشر شعبها عندما كانت تُنفق، ربما دون حسابات دقيقة، ما لديها من حصيلة، أو تقترض، بتوسع دون انضباط، لمشروعات ليست كلها ضرورية وعاجلة في خطة تنمية تبدو غير مدروسة بشكل كاف.

ليس معقولًا، في ختام العشرية التي بدأت بشعار الجمهورية الجديدة، وباستعراض متواصل لإنجازات عديدة منها الكهرباء والغاز، أن ينقطع التيار في صيف لاهب، فلا بقيت الجمهورية القديمة على حالها، من حيث العيش المُحتمل، ولا بلغنا رفاهية الجمهورية الجديدة، حسب شعاراتها المتداولة، إذ ليس في صالحها إظلام البيوت والشوارع ليلًا، أو إعاقة سير الحياة نهارًا.

رئيس الوزراء قال يوم الأربعاء الماضي إن الانقطاعات ستتوقف منتصف هذا الأسبوع، فهل بالفعل ستنتهي هذه (الغُمّة) الثقيلة اليوم، أم أن الأزمة أكبر وأعمق من أي مواعيد؟!

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان