المال مقابل وقف الهجرة.. هل وافقت تونس على شروط الاتحاد الأوربي؟

مهاجرون أفارقة، بينهم أطفال، ينتظرون تحت أشعة الشمس قرب معبر رأس اجدير الحدودي في المنطقة القريبة من الحدود الليبية التونسية

هل تستطيع تونس الوفاء بالتزاماتها للأوربيين بمنع الهجرة غير الشرعية؟

لقد وقع الاتحاد الأوربي ممثلا برئيسة المفوضية الأوربية “أورسولا فون دير لاين” ورئيسة وزراء إيطاليا “جورجيا ميلوني” ونظيرها الهولندي “مارك روته”، مع الرئيس التونسي قيس سعيد في 16 يوليو/ تموز الجاري، اتفاق مبادئ ينص على التعاون في مجالات وقف الهجرة غير الشرعية التي تعدّ “أهم قضية تؤرق الاتحاد الأوربي منذ سنوات طويلة”، ومن ثم التعاون المشترك في مشاريع الطاقة المتجددة، وعودة اللاجئين التونسيين الذين رفضت طلبات لجوئهم، ومساعدات أكاديمية واقتصادية أخرى متنوعة.

طرد اللاجئين إلى الحدود الليبية

الاتفاق ينص على أن الاتحاد الأوربي يمنح تونس مليار يورو على شكل قروض طويلة الأجل، مع التزام الاتحاد بدفع 105 ملايين يورو إضافية لتمويل برنامج مساعدات مالية لحوالي ستة آلاف مهاجر إفريقي موجودين على التراب التونسي، من أجل حثهم على العودة الطوعية إلى بلادهم، وكذلك 150 مليون يورو لدعم الميزانية التونسية. فهل ستكون هذه الأموال فعلا كافية لوقف الهجرة عبر الشواطئ التونسية؟ وهل لدى تونس القدرة على ذلك؟

منذ خطاب الرئيس التونسي قيس سعيّد في 21 فبراير/ شباط الماضي، الذي اتُّهم بأنه شعبوي ومعادٍ للمهاجرين الأفارقة في تونس، والذي عارض فيه بشدة الهجرة غير الشرعية في بلاده، متهمًا إياها بأنها ستغيّر التركيبة السكانية في البلاد.. منذ ذلك الوقت والأمور لا تهدأ، وثمة مشاحنات واضطرابات مستمرة بين مهاجرين أفارقة ومواطنين تونسيين، كان من نتيجتها مقتل مواطن تونسي في صفاقس، أدى إلى توتر غير مسبوق بين قوات الأمن والمهاجرين الأفارقة. وقد قام الأمن التونسي إثر ذلك بإبعاد المهاجرين إلى الحدود الليبية وتركهم في تيه الصحراء الشاسعة.

منظمة “هيومن رايتس ووش” هاجمت الإجراءات التونسية، وانتقدت التدابير الأمنية ضد المهاجرين، ووصفتها بأنها تعسفية، ودعت الاتحاد الأوربي إلى وقف المساعدات المقدمة لتونس في نطاق محاربة الهجرة غير الشرعية.

شكوك تحيط بمقدرة تونس على وقف الهجرة

لا شك أن هذا سيطرح مزيدا من علامات الاستفهام حول القدرة التونسية الحقيقية على حماية الشواطئ الأوربية من الهجرة غير الشرعية في إطار القانون الدولي!!

فهناك شكوك في نجاح هذا الاتفاق؛ لأن القوة المفرطة اتجاه المهاجرين تعرض تونس لانتقادات دولية، خاصة أن حقوقيين غربيين أشاروا إلى أن مساعدات الاتحاد الأوربي لقوات الأمن المتهمة بارتكاب مخالفات قانونية في حق المبعدين تجعله يتحمل معها المسؤولية القانونية الناتجة عن معاناة اللاجئين في هذا البلد.

هناك إجماع على أن الهجرة المتوسطية التي تقلق أوربا مرتبطة في الأساس بتطورات الأوضاع السياسية والاقتصادية في دول جنوب الصحراء ودول شمال إفريقيا. فعلى سبيل المثال عندما ساءت الأحوال الاقتصادية في تونس نتيجة الاضطرابات السياسية سنة 2011 فرّ إلى إيطاليا وقتها 28 ألف مهاجر تونسي، وأثناء الأزمة السياسية الأخيرة التي رفع فيها الرئيس التونسي الحصانة عن البرلمان، وعزل رئيس الحكومة، وتم توقيف واحتجاز بعض النواب في البرلمان التونسي على خلفية تغريدات على مواقع التواصل تنتقد الرئيس والحكومة؛ تم رصد أعداد متزايدة لمهاجرين تونسيين فارين إلى أوربا عبر القوارب، خاصة إلى الجزر الواقعة في جنوب إيطاليا.

لا مجال لحقوق الإنسان في الاتفاقية

ومن المؤكّد أن هذه الاضطرابات والقلاقل السياسية تعطي الفرصة لتجار البشر للقيام بعمليات تهريب واسعة مستغلين انشغال قوات الأمن بوقف المظاهرات والاضطرابات لبدء عملياتهم غير الشرعية بكثافة من الشواطئ التونسية.

لهذا السبب سارع الاتحاد الأوربي في عقد الاتفاقية في محاولة لبتر المشكلة قبل أن تستفحل، خاصة بعد ضغوط رئيسة الوزراء الإيطالية، لأنها تعرف أن مسار الهجرة التونسي إذا عاد مرة أخرى إلى النشاط فإنه سينتهي حتمًا على الشواطئ الإيطالية.

القوانين الأوربية في مجال حقوق الإنسان ليس لها مكان في الاتفاقية الجديدة، بل تم أيضا تجاهل التقارير والتصريحات السابقة التي أشارت إلى أسباب ودوافع تلك الهجرة مثل تقرير الأمم المتحدة الذي ذكر “أن القرارات السياسية للدول، هي التي تدفع إلى الهجرة عبر مسارات الموت في المتوسط، وهو ما كان يمكن تجنبه!”. بل إن المتحدثة باسم المفوضية الأوربية التي وقعت الاتفاقية أعربت من قبل عن قلق الاتحاد الأوربي من جراء عدم استقرار تونس.

المكسيك وبنما أفضل وجهة للمهاجرين

ما يجب التنبيه إليه هو أن أوربا لم تعد هي الحلم، فهناك هجرة كبير معاكسة الآن بعد الاستقرار في هذه البلاد بسبب دوافع العنصرية المتنامية، وعدم الشعور بالتقدير وفق آراء كثير من المهاجرين الذين حزموا حقائبهم وغادروا إلى بلاد غير أوروبية مثل المكسيك وبنما، صُنِّفت وفق شبكة المغتربين “إنترناشيونز” أفضل وجهة للمهاجرين عام 2023 لسهولة التوطين فيها وحسن الضيافة. أما في أوربا فتتصدر إسبانيا القائمة بوصفها أفضل مكان للمهاجرين، غير أن المهاجرين لا يشعرون بالاندماج في المجتمع هناك بسبب الإهانات والسلوك المتعالي والعنصرية. ويجب أن نأخذ في الاعتبار أيضا أن الاختلافات الثقافية لها دور في عدم الاندماج الحقيقي في المجتمع الجديد.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان