الإمام والمُعلم والجزار.. قصص مثيرة ومؤلمة

مدير المدرسة بمحافظة المنيا

تعج مصر بالأحداث والأخبار، ففي كل شبر منها خبر، ولدى كل شخص معلومة، وفي كل مكان حدث، وهذا طبيعي بالنسبة لبلد يزيد عدد سكانه على المائة مليون نسمة.

وأيام العيد، كانت زاخرة بالأحداث، وبعضها فرض نفسه، وتسيّد النقاش العام، وكان الأكثر تداولاً.

ونرصد ثلاثة منها هى:

1- عدم قراءة إمام المسجد لفاتحة الكتاب في الركعة الثانية خلال صلاة العيد، وهو المسجد الذي أدى فيه رئيس الدولة الصلاة.

2- مُعلم ومدير مدرسة يمارس مهنة البناء كعمل إضافي لتحسين دخله، وقد تُوفي خلال البناء في قريته.

3- جزار قام بثقب أحد أعمدة المونوريل، ووضع (شماعة) فولاذية لتعليق الأضاحي فيها بعد ذبحها لسلخها وتقطيعها ثم تسليمها لأصحابها.

بين الإعلام الجديد.. والقديم

هذه الوقائع الثلاث حازت على الاهتمام الواسع، وتم التيقن من عدم التلاعب بها لتسجيل قراءات وتداولات واسعة لها، أو توظيفها لتعرية أوجه قصور، أو توجيه انتقادات مُغرضة.

ويعود الفضل لمواقع التواصل الاجتماعي، وتحديداً فيسبوك وتويتر، في كشف هذه القصص المثيرة والمؤلمة ونشرها واتساع التفاعل معها، ولولا مواقع التواصل ما كنا علمنا بكثير مما يحدث هنا وهناك، فالإعلام المنوط به القيام بمهمة البحث عن المعلومات والسعي وراء الحقيقة لتنوير الرأي العام لم يعد يقوم بمهمته التي يكتسب من أجلها سبب وجوده.

الإعلام التقليدي لم يعد يقدم شيئاً مفيداً، فقط ينشر بيانات رسمية، وما يصله من توجيهات، ومواد أخرى للتسلية، ولا يلتفت للقضايا الأساسية للناس، ولا يقترب من الموضوعات المتعلقة بحاضر الوطن ومستقبله، وإذا تطرق إلى بعض هذه الجوانب فإنه يلجأ للمعالجة البراقة المنفصلة عن الواقع.

مات الإعلام التقليدي، بغير بإرادته، وفقد دوره وقيمته وقراءه ومشاهديه، بينما الدماء تتدفق في شرايين مواقع التواصل أو الإعلام الجديد الذي يزدهر، ورغم مصاعب السيطرة عليه وعدم الثقة الكاملة في كل ما ينشره، لكنه يظل المتنفس الوحيد اليوم، ويبقى هو صحيفة عموم مصر، وشاشة القطر، ومركز قياس نبض الرأي العام.

عندما سها الإمام

هناك شخص ما نابه اكتشف خلال النقل المباشر لمختلف القنوات لصلاة عيد الأضحى أن الإمام لم يقرأ فاتحة الكتاب في الركعة الثانية بعد أداء التكبيرات الخمس، إنما قرأ سورة قصيرة وأتم الصلاة دون سجود السهو.

وقد كتب هذه الملحوظة على صفحته، وتفاعل معه أصدقاء له، ونقلها آخرون عنه، وانتشرت التدوينة أو التغريدة بشكل واسع، وظلت تتفاعل لأيام.

هناك من شكك مدعياً حدوث اجتزاء مقصود أو حذف بالخطأ خلال عملية مونتاج مثلاً بالتلفزيون، فقام معلقون بوضع رابط الصلاة كاملاً على يوتيوب، وظهر أن الإمام سها أو ارتبك أو لم يكن في كامل تركيزه ولم يقرأ فاتحة الكتاب بالفعل.

لماذا حدث ذلك؟ الإمام وحده يمتلك الإجابة، وهو لم يكتب أو يتحدث في الموضوع. كيف كانت حالته خلال الصلاة؟ هو أدرى بذلك، لكننا أدرى أيضاً ونستنتج أنه كان مشغولاً بشيء ما، أو لم يكن ذهنه صافياً بدليل نسيان قراءة الفاتحة.

ومما يثير الحيرة أنه كان يقف على يمينه خلال الصلاة ثلاثة من الشيوخ، وخلفهم في الصف الأول شيخ الأزهر، ووزير الأوقاف، وكان ضرورياً قيام أي منهم بتنبيهه لما سها عنه، وهذا يحدث في الصلاة اليومية بمختلف المساجد.

الرأي الديني بشأن مدى صحة الصلاة حصل فيه اختلاف، والبعض قال إنها صحيحة، ونحن لسنا مشغولين هنا بالجانب الفقهي، لكن كان واجباً إصدار بيان توضيحي فوري بشأن ماجري، وليس تجاهل الأمر.

وقد وجدنا حالة مشابهة جرت في صلاة العيد بجامع عمرو بن العاص عام 2017، وثار جدل بين المصلين والإمام بعد الصلاة، وفي النهاية تم إعادة ركعتي العيد واستراح المصلون.

المُعلم المتوفى

حازت وفاة مُعلم ومدير مدرسة يُدعى سليمان محمد عبد الحميد على الاهتمام لإصابته بأزمة قلبية ربما من الإرهاق أو ضغوط الحياة حيث يمارس مهنة البّنَاء خلال الإجازات وأوقات الفراغ لتحسين دخله المالي، وقد سقط خلال عمله في أحد بيوت قريته ثاني أيام العيد، ونهايته المفجعة جعلت الناس تتعاطف معه بشكل واسع.

الإعلام الجديد استفاد من الواقعة في إثارة أوضاع المعلمين الذين لا يتورطون في الدروس الخصوصية، ويسعون للعيش برواتبهم التي لا تكفي احتياجاتهم، أو يمارسون أعمالاً إضافية قد تتسبب في مزيد من الإرهاق أو القهر لهم، وهذا الملف مفصلي ويرتبط بكثير من أصحاب الوظائف والأعمال في مختلف القطاعات، لكنه ليس في صدارة اهتمام الإعلام التقليدي ربما خشية الاحتقان كما قد يتصور من يمارس التوجيه وإصدار التعليمات له.

لكن تدوينة واحدة بشأن الوفاة حشدت رأيًا عامًا وقالت أكثر مما يمكن أن يقوله ألف موضوع صحفي.

الجزار والأجهزة

أحد الجزارين استخدم العمود الخرساني للمونوريل – وهو مشروع نقل ركاب في طور التنفيذ- لتعليق الأضحيات وسلخها وتقطيعها وتسليمها لأصحابها دون اكتراث بالقانون والنظام العام والنظافة والبيئة والمنظر الحضاري.

أحد المارة التقط الصورة ونشرها- وهو يُسمى في أدبيات الإعلام المواطن الصحفي- وهنا انتبهت الأجهزة وتحركت، وتم القبض عليه ومعه شركاؤه وفُرضت عليهم غرامة باهظة قدرها 112 ألف جنيه.

هناك قصور في المتابعة، ثم لمّا تتم المحاسبة يكون مُبالغاً فيها، وما فعله الجزار بات معتادًا بحكم الواقع، فلم تعد هناك مساحة فارغة لم تحتلها الأكشاك، وباعة كل شيء وأي شيء في مشهد عام سريالي غاية في الرداءة يغطي ليس القاهرة والمدن الكبرى وحدها، بل البلاد كلها.

طريق العشوائية والفوضى نتاج طبيعي للجهل والأمية عند شرائح مجتمعية، وهناك شرائح أخرى تبحث عن الرزق، ولو بأعمال هامشية، ولهذا فإن التنمية الحقيقية تستهدف بناء الإنسان أولاً، وتوفير الحياة الكريمة له.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان