العاري والمكسي
في بلاد الشام يقولون: (الألفاظ سعادة) ولعمري أجدهم من الشعوب التي أجادت وأفادت فن الحديث وصهر الكلام وتذويبه ثم صبه في قوالب ومرائيب مثلى تفيد قيادة الحالة الزمانكية والنفسية والظرفية بعد جليه وتشذيبه وتمشيقه بشكل يهذب النفوس ويقوم المزاج والاعوجاج، وإن منه لما يجعل الجمل يلج في سم الخياط مثل: (تشكل آسي) (ريتك تطلع على ابري) (زكاتك) (اعطيني حلمك) وغيرها..
وكما تقول مارجيت كافنديش: (الطبيعة الوقحة هي أسوأ من الطبيعة الوحشية بقدر ما يكون الإنسان أفضل من الوحش) ..
ففي كل الأوساط والأزمنة يتصف البعض بالفجاجة واللجاجة والوقاحة وسلاطة اللسان والتعمد في إحراج الغير أمام غفير أو قليل من الناس، بقصد الصرعة أو المنعة أو إثبات الغلبة والمتعة بإذلال الغير، لتجد الآخرين يتحاشون ويتلافون الصدام والاحتدام أو الخوض والغوص معهم، والاضطرار لتقديم الولاء وعدم الاعتراض وفي بعض الأحيان الانصياع ومجاراتهم في آرائهم وقراراتهم المريضة، وتلك الميزة لا تعني بشكل من الأشكال ولا علاقة لها بالحذاقة أو قوة الشخصية بل لا يصح إلا أن تدرج في خانة الأمراض النفسية والعصبية لملء نقص تراكمي أو علة دفينة مخفية..
الصراحة
إن الصراحة ضرورية ومطلوبة لبناء مجتمع متماسك صحي علوي، وعلاقات سليمة متينة، بيد أن المغالاة والإفراط في تناول الدواء لابد أن يأتي بنتائج سلبية، كما يقول شارلي شابلن: (لا تبالغ في الصراحة حتى لا تسقط في وحل الوقاحة).
الإنسان بفطرته السليمة وعفويته المعتادة، ينجذب سمعيا وبصريا وحسيا وحتى شميا لكل ما هو جميل أخاذ.. البيوت والأشخاص والشوارع والبنايات والحدائق المكسية بشكل أنيق نسيق تريح النفوس وتهذب الطباع، وتروض الضباع، ومثله الكلام المكسي المهندم المطقم، بعكس المنسلخ العاري من اللياقة وأصول الكياسة، اللفظ المخرب المهدم ..
ليونة وحلاوة الكلام وحسن الاكساء وضبط الإطراء وحسن المعشر، متلازمة لبناء الإنسان في كل مراحل البشرية، ولهندسة خريطته الفكرية، كي يمتلك جسدا ممشوقا وعقلا سليما وملبسا أنيقا ومسكنا مريحا وعملا كريما وعيشا رغيدا وبلدا أمينا..
رقبة البعير
ألا فكرنا ولو قليلا قبل أن ننطلق وننطق تصاريحنا ونحرق ما نحرق؟ وكما قيل: ( ليت رقبتي مثل رقبة البعير كي أمضغ الكلمة قبل أن تخرج) ولنا في سيرة الأولين دروس وعبر.