“جنين”.. ومجتمع دولي مأزوم!

سكان مخيم جنين يفرون من منازلهم مع استمرار الغارات الإسرائيلية

 

في ظل الخنوع العربي والإسلامي الحالي، تمارس دولة الاحتلال الصهيوني المذابح تلو الأخرى دون رادع أو خوف من موقف عربي أو إسلامي يقف لها بالمرصاد.

فها هو العالم العربي والإسلامي يشهد حاليًّا تحديات جسامًا في مواجهة القضية الفلسطينية، حيث يواجه الفلسطينيون الاستيطان الإسرائيلي المستمر، والانتهاكات الوحشية لحقوقهم الأساسية، فقد أثار اجتياح جيش الاحتلال الإسرائيلي مدينة جنين الفلسطينية مؤخرا قلقًا واسعًا، إذ كشف عن تواطؤ المجتمع الدولي والإقليمي، وضعف الدور العربي والإسلامي على مستوى الحكومات والشعوب.

إن تجاوزات الجيش الإسرائيلي في جنين تُمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي وحقوق الإنسان، فقد شهدت المدينة تدميرًا هائلًا للمنازل والبنية التحتية، ومجازر بشعة للمدنيين العزّل في ظل تحريض اليمين الإسرائيلي المتطرف على رجال المقاومة فيها.

ضعف وتشتُّت

وربما فوجئت الشعوب العربية والإسلامية بضعف ردود الأفعال الرسمية والشعبية تجاه هذه الجرائم، وتعود أسباب هذا الضعف إلى عوامل عدة، منها الضعف العام للدور العربي والإسلامي في المشهد الدولي، إذ يعاني العرب والمسلمون من تشتت سياسي واجتماعي، وضعف التوحّد والتكتل في مواجهة التحديات الكبرى، وينتج عن ذلك عجز الحكومات العربية والإسلامية عن اتخاذ إجراءات فعّالة لوقف الانتهاكات الإسرائيلية، وحماية الحقوق الفلسطينية.

كما أن استمرار “إسرائيل” في انتهاكاتها، وبناء المستوطنات دون تخوّف من ردود فعل عربية أو دولية، يعزّز من مشكلة عدم التصدي لهذه الانتهاكات بشكل قوي وفعال، رغم التطبيع العربي الإسرائيلي الذي تم مؤخرًا، والذي يُفترض أن يعزز الموقف العربي والإسلامي تجاه “إسرائيل”، إلا أنه لا يوجد موقف موحَّد من جامعة الدول العربية تجاه الكيان المحتل، وما يفعله في المدن الفلسطينية.

ويتساءل الكثيرون عن أسباب عدم وجود رد فعل قوي من الحكومات العربية والإسلامية، والمجتمع الدولي، والإجابة تكمن في عوامل عدة، منها التطبيع العربي- الإسرائيلي الذي أدى إلى تشتت الموقف العربي، وتراجع اهتمام الشعوب بالقضية الفلسطينية بعد عمليات غسيل الأدمغة، وترويج فكرة أن التطبيع هو الحل الأمثل، فتراجعت الشعبية والمساندة لقضية الفلسطينيين لدى بعض الفئات.

وضعف الدور العربي والإسلامي في الساحة الدولية يسهم في تقاعس المجتمع الدولي، وعدم اتخاذ إجراءات حاسمة تجاه “إسرائيل”، وكذلك الانقسامات السياسية والصراعات الداخلية في العالم العربي تُعيق قدرة الحكومات العربية على توحيد مواقفها والتصدي لهذه الانتهاكات.

دول تبحث عن مصالحها

كما أنه -للأسف- ترى بعض الدول العربية والإسلامية في “إسرائيل” شريكًا استراتيجيًّا في مواجهة بعض التحديات الإقليمية، مثلًا، بعض الدول العربية تركز على مصالحها الاقتصادية والأمنية، وتتجاهل القضية الفلسطينية وانتهاكات “إسرائيل”، وهذا التواطؤ يعكس ضعف القوة السياسية والانحياز الذي يؤثر سلبًا في القدرة على التصدي للانتهاكات الإسرائيلية.

بالإضافة إلى ذلك، يعاني المجتمع الدولي من توترات سياسية واقتصادية، مما يقلل من التركيز والاهتمام بالقضية الفلسطينية رغم التصريحات الدبلوماسية والمواقف الرسمية، وتبيَّن أنه ينقص المجتمع الدولي القدرة الفعلية على تحقيق تغيير حقيقي على الأرض.

إن ضعف الدور العربي والإسلامي، وتواطؤ المجتمع الدولي والإقليمي تجاه “إسرائيل”، يؤديان إلى استمرار الانتهاكات والاستيطان في جنين وغيرها، ويعزّزان الإحساس بالإفلات من العقاب، فيجب على الحكومات العربية والإسلامية والمجتمع الدولي أن يتخذوا موقفًا حازمًا يستند إلى قيم العدل، وحقوق الإنسان، والقانون الدولي، وأن يعملوا بتكتل وتعاون؛ لوقف الانتهاكات الإسرائيلية، والتوصّل إلى حل سلمي وعادل للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي.

علاوة على ذلك، ينبغي التركيز على تعزيز الوعي والتوعية بقضية الفلسطينيين، وإبراز أهمية حقوقهم الأساسية، والعدالة الاجتماعية والسياسية؛ للتأثير في الرأي العام العالمي، وتعزيز التضامن والدعم للقضية الفلسطينية.

رفض التطبيع

ولا يمكن أن يتحقق التغيير والعدالة الدولية إلا من خلال تعاون دولي قوي وموحَّد؛ لمواجهة انتهاكات “إسرائيل”، والتصدي للانتهاكات القائمة على حقوق الإنسان في فلسطين، كما يجب على الدول العربية والإسلامية تعزيز التكتل، والتعاون الثنائي والمتعدد الأطراف؛ لمواجهة التحديات القائمة.

ومن الضروري أن تتحرك الجامعة العربية، والمنظمات الإسلامية، والمجتمع الدولي؛ لتقديم مبادرات سياسية قوية لدعم الفلسطينيين، وتحقيق حل عادل وشامل للصراع.

ويجب أن يكون لدى الحكومات العربية والإسلامية موقف موحَّد يرفض التطبيع مع “إسرائيل”؛ حتى تحقيق السلام العادل، واستعادة حقوق الفلسطينيين، من خلال تعزيز الجهود الدبلوماسية للضغط على “إسرائيل”، وإقناع المجتمع الدولي بأهمية القضية الفلسطينية.

إن استمرار القتل والاستيطان الإسرائيلي دون ردود أفعال قوية وموحَّدة، يعكس ضعف الدور العربي والإسلامي، ويفتح الباب أمام مزيد من الانتهاكات. لذا، يجب أن نعمل جميعًا على تعزيز الوعي والتضامن، والعمل الجماعي؛ لوقف هذه الانتهاكات، وتحقيق السلام والعدالة في فلسطين.

كما أن استمرار الانتهاكات الإسرائيلية والاستيطان دون تخوّف من ردود فعل قوية وموحَّدة، ينذر بتفاقم الأزمة، ويُفقد الثقة في قدرة المجتمع الدولي على إحلال السلام والعدالة، ويجب أن ندرك أن مسألة فلسطين ليست مجرد قضية إقليمية؛ بل قضية إنسانية وأخلاقية تتعلق بحقوق الإنسان، والعدالة الاجتماعية، والسلام العالمي.

كسر حاجز الصمت

ومن المهم أن نعمل على تعزيز الوعي العام، وتثقيف الشعوب بشأن القضية الفلسطينية، وتبنّي قيم العدالة وحقوق الإنسان، ويجب كسر حواجز الصمت والتعتيم الإعلامي، وتسليط الضوء على الانتهاكات الإسرائيلية، وتأثيرها السلبي في الشعب الفلسطيني.

علاوة على ذلك، ينبغي على الدول العربية والإسلامية أن تعزز الجهود الدبلوماسية، وتعمل على بناء تحالفات دولية قوية، من خلال المصالح الاقتصادية والعسكرية؛ للضغط على “إسرائيل” لوقف الانتهاكات والاستيطان، والتوصل إلى حل سلمي يضمن حقوق الفلسطينيين.

لذا، يتعين على الشعوب أن تدعم الجهود العالمية المتضامنة، وتشارك في الحملات السلمية، والمقاطعة الدولية، والضغط على الحكومات والمؤسسات الدولية؛ لاتخاذ إجراءات فعالة ضد “إسرائيل”؛ لتحقيق العدالة للشعب الفلسطيني، وحتى لا تقع جنين بين براثن اليمين المتطرف ومشكلات حكومة نتنياهو الداخلية.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان