حرق المصحف.. ردود فعل تغري بالمزيد!!

ردود الفعل ضد حرق المصحف بيد متطرف عراقي لاجئ في السويد صبيحة أول أيام عيد الأضحى بدت حتى الآن ضعيفة أو متوسطة سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي، وهو ما يغري بالمزيد من هذه الإساءات إلى المصحف والنبي الأكرم ﷺ وكل المقدسات الإسلامية.
سيقول البعض إن هناك مواقف رسمية نددت بالجريمة، واستدعت بعض الدول الإسلامية سفراء السويد لإبلاغهم احتجاجها، كما شهدت بعض البلدان الإسلامية مظاهرات شعبية، وحتى بعض المباريات الرياضية شهدت أشكالا احتجاجية رمزية، وهذا صحيح لكنه ليس بالقدر الذي يوقف هذه الجريمة ويمنع تكرارها.
لم تشعر السويد وغيرها من الدول الغربية التي تسمح بهذه الإساءات بخطر حقيقي على مصالحها، وبالتالي فهي تحتمل هذا القدر البسيط أو المتوسط من مظاهر الغضب الإسلامي طالما أنه بقي في حدود التنديد اللفظي.
ردود قوية سابقة
لم تكن واقعة حرق المصحف هي الأولى، فقد سبقها العديد من الإساءات إلى الرموز والمقدسات الإسلامية في العديد من دول الغرب، لكن ردود الفعل حتى الآن تبدو الأقل من وقائع سابقة شهدت انتفاضات شعبية ومواقف رسمية أشد صرامة، سواء عندما نشر سلمان رشدي روايته “آيات شيطانية” أو عندما نشرت السلطات المصرية نسخة شعبية مدعومة من رواية “وليمة لأعشاب البحر” التي سخر كاتبها (حيدر حيدر) من الآيات القرآنية ومن الرسول ﷺ وزوجاته أمهات المؤمنين إلخ، أو عندما نشرت صحف دنماركية رسوما مسيئة إلى الرسول ﷺ في العام 2005 وما بعده، أو حين نشرت مجلة (شارلي إبدو) الفرنسية رسوما مسيئة أيضا، أو حين ظهر الفيلم الأمريكي المسيء “براءة المسلمين” عام 2012.
يزعم الغرب أنه بحمايته لأولئك المسيئين إلى مقدسات المسلمين ومشاعرهم فإنما يحمي حرية التعبير التي يعُدّها أسمى الحريات، ومع تقديرنا لاحترام حرية التعبير في كل مكان، إلا أن تعمُّد الإساءة إلى فئة من البشر سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين ليس من حرية التعبير، لأن الحرية كما تَعلّمنا تنتهي عندما تمس الآخرين، والغرب نفسه غير صادق في إدعاءاته عن حرية التعبير، فهو لا يسمح لأحد بالإساءة إلى الصهيونية، وقد تابعنا ماذا فعل مع الفيلسوف الفرنسي روجيه غارودي الذي تعرّض لمحاكم تفتيش وصدر ضده حكم بالحبس عام 1998 بسبب كتابه “الأساطير المؤسسة لدولة إسرائيل”، لأنه شكك في الأرقام الشائعة عن ضحايا (الهولوكوست) على أيدي النازيين.
دعم رسمي غربي
ما يزيد الطين بلّة، وما يزيد المسلمين غضبا هو تعمُّد قادة غربيين تكريم أولئك الذين تخصصوا في الإساءة إلى المقدسات الإسلامية، كما فعلت ملكة بريطانيا الراحلة إليزابيث الثانية التي منحت سلمان رشدي لقب سير عام 2007، وكما فعلت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل عام 2010 بتكريم الفنان الدنماركي صاحب الرسوم المسيئة كيرت فيسترغارد، وكما فعل الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الذي التقى في مكتبه عام 2007 بعشرة من المذيعين المسيحيين المتطرفين المعروفين بهجومهم على الإسلام.
ليس مطلوبا أو مقبولا العدوان المادي بالقتل أو غيره على الأشخاص الذين يرتكبون تلك الإساءات، أو قتل غيرهم انتقاما، كما حدث بصدور فتوى لقتل سلمان رشدي، أو قتل السفير الأمريكي وبعض الدبلوماسيين الأمريكيين في العام 2012 انتقاما من فيلم “براءة المسلمين”، أو الاعتداء المسلح على مجلة شارلي إبدو، وقتل 12 وإصابة آخرين، ولكن المطلوب هو موقف موحَّد يُجرّم حدوث هذه الإساءات، ويعُدّها عنصرية مثل معاداة السامية، ويضع عقوبات دولية ضد مرتكبي تلك الإساءات حماية للسلم العالمي.
لقد انتفض العالم الإسلامي ضد الفيلم الأمريكي (براءة المسلمين) المسيء إلى الإسلام والمسلمين في العام 2012، وبعيدا عن مشهد قتل السفير الأمريكي في ليبيا وغيره من الدبلوماسيين الأمريكيين، فقد طالب العديد من حكام الدول الإسلامية حينئذ في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة باتخاذ التدابير المناسبة، بما في ذلك سن قانون دولي ضد الأعمال التي تحرض على الكراهية الدينية، وضرورة ممارسة الحرية بمسؤولية، وبما يتوافق مع القوانين الدولية لحقوق الإنسان.
ونتذكر في هذا الإطار كلمة الرئيس الشهيد محمد مرسي في تلك الجلسة، حين أكد احترام مصر لحرية التعبير التي لا تُستخدم للحض على كراهية أحد، وأنه يتوقع من الآخرين “احترام خصوصياتنا الثقافية ومرجعيتنا الدينية، وعدم السعي لفرض مفاهيم لا تتفق معها، أو تسييس قضايا بعينها وتوظيفها للتدخل في شؤون الغير”.
ضعف الحكام المسلمين
النتائج ضعيفة حتى الآن على مستوى الأمم المتحدة التي أصدرت في منتصف مارس/آذار 2022 قرارا بتحديد يوم عالمي لمكافحة الإسلاموفوبيا استجابة لطلب من منظمة التعاون الإسلامي، ورغم أن الأمم المتحدة عبّرت عن قلقها من تزايد أعمال التمييز والتعصب ضد المنتسبين إلى بعض الطوائف الدينية بما فيها الحالات التي تحدث بدافع الكراهية للإسلام، فإنها لم تضع آلية لتجريم ومعاقبة هذه الإساءات، واكتفت بالدعوة إلى مزيد من الحوارات العالمية لتعزيز ثقافة التسامح.
هذا المستوى الضعيف للقرار الأممي هو المحصلة الطبيعية لضعف الدول الإسلامية في المنظمة الدولية، والضعف هنا ليس مقصودا به العدد، إذ تُمثل الدول الإسلامية (56 دولة) 30% من الجمعية العامة للأمم المتحدة وهي كتلة ضخمة، لكن الضعف الحقيقي هو ضعف غالبية حكام تلك الدول الذين لم يصلوا إلى مواقعهم عبر انتخابات تنافسية حقيقية، ومن ثم فإنهم لا يهتمون كثيرا بتمثيل شعوبهم ومطالبها بقدر ما يهتمون بتثبيت حكمهم عبر كسب رضا الدول الكبرى المهيمنة على النظام الدولي، ومن هنا فإن الطريق إلى تجريم حقيقي للإساءات ضد المسلمين هو تمسُّكهم بالديمقراطية وحقهم في اختيار حكامهم، حتى يدافع هؤلاء الحكام عن مقدسات شعوبهم ومشاعرها.